تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

لماذا ظل بليغ حمدي رقماً صعباً في الموسيقى العربية؟

مصدر الصورة
الشرق الأوسط

رغم رحيله قبل ما يزيد عن ثلاثة عقود، لا يزال بليغ حمدي (1931-1993) يشكل علامة فارقة في تاريخ الموسيقى العربية، بألحانه الفريدة وإرثه الضخم، الذي يناهز أكثر من 1400 أغنية قدمها في حياته، التي اختار أن يعيشها ملحناً وشاعراً أحيانا.

واحتفى «موسم الرياض»، الخميس الماضي، بالموسيقار المصري الراحل، الذي يعدُّ أحد أهم الموسيقيين بالوطن العربي، في ليلة استثنائية، أعاد فيها نجوم الغناء تقديم روائع من ألحانه، وسط إقبال جماهيري كبير، وتفاعل يتكرر في الحفلات التي تحمل اسم بليغ، وتشهد نفاد تذاكرها سريعاً.

عاش بليغ حمدي الحياة في الأجواء التي أرادها فقدم إبداعاته الفنية التي ارتبطت بحالته المزاجية بشكل أساسي، ففي لقاء تليفزيوني عام 1977، أكد أنه اتخذ قرار الاتجاه للتلحين لأن الغناء الاحترافي يحتاج ارتباطاً بمواعيد حفلات وجمهور وأوركسترا، وهي أمور تضع عليه التزامات في توقيت قد يكون «مزاجه وحش».

في رأي موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب أن بليغ حمدي كان أكثر موسيقار يأتي إليه الإلهام، وكان لدى عبد الوهاب قناعة بأن بليغ لا يجتهد كثيراً في التعايش مع الجملة الموسيقية قبل تقديمها.

لعبت الطفولة دوراً مهماً في تشكيل طبيعة حياة بليغ، وفق الدكتور أشرف عبد الرحمن أستاذ النقد الموسيقي بأكاديمية الفنون، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط» إن بليغ كان يستمع للموسيقى الكلاسيكية في طفولته ووقع في غرامها بجانب حبه للقصبجي الذي كان يحضر عزفه مع والده، وقبل أن يكمل عامه الـ12 كان تعلم عزف البيانو والعود وهو أمر جعل لديه مزيجاً من الثقافة الموسيقية التي تركت أثراً بعد ذلك على ألحانه وجعلته يضع بصمة خاصة في عالم التلحين.

التنوع والثراء الذي قدمه بليغ حمدي في أغانيه جعلته يبقي حتى اليوم وفق الناقد الموسيقي محمود فوزي السيد الذي يقول لـ«الشرق الأوسط» إن موهبته الفطرية الاستثنائية وطبيعة الألحان التي قدمها جعلته يسبق عصره بسنوات وربما عقود، فكانت ألحانه رشيقة تتسم بالإيقاع السريع، بجانب قدرته على التنوع في تقديم الألحان من الشعبي للعاطفي للدرامي وحتى الأغاني الوطنية التي يعدُّ أكثر الملحنين تقديماً لها.

وأضاف أن بليغ حمدي امتلك قدرة رهيبة على التنوع في الإنتاجات اللحنية والانتقال من شجن لفرح وسعادة بنفس التوقيت ومن دون أن يكرر أو يعيد ما قدمه، حتى في تجربته بالأغاني الشعبية قدم تنوعاً استثنائياً مع محمد رشدي وأحمد عدوية ومحمد العزبي، مشيراً إلى أن طريقته في التعامل مع الألحان هي التي لا تزال تناسبنا حتى اليوم.

وتعاون بليغ حمدي مع كوكب الشرق أم كلثوم في 11 أغنية من أبرزها «فات الميعاد»، و«سيرة الحب»، بينما قدم لعبد الحليم حافظ 31 أغنية منها «التوبة»، و«سواح» و«جانا الهوا»، وعمل مع أحمد عدوية في 5 أغنيات منها «القمر مسافر».

هناك مطربون، بحسب أستاذ النقد الموسيقي، صنعوا تاريخهم الموسيقي مع بليغ حمدي بشكل أساسي وحتى في أغانيهم الناجحة كانت بها لمسات بليغ الفنية وروحه مثل محمد رشدي على سبيل المثال لا الحصر بوقت استفاد فيه نجوم آخرون من أعمال استثنائية عمل عليها ولحنها في أوقات وظروف صعبة مر بها مثل أغنية «الحب اللي كان» التي قدمتها ميادة الحناوي.

عدة عوامل جعلت من موسيقى بليغ حمدي علامات فارقة حتى اليوم بحسب أشرف عبد الرحمن، الذي يرى أن تحرر بليغ من القوالب الموسيقية التقليدية واعتماده على التأثر بالبيئة المصرية واطلاعه على الإيقاعات الشعبية أمور ساهمت في خلق مكانة خاصة له ظهرت في أعماله المختلفة، بداية من كوكب الشرق أم كلثوم وصولاً إلى عفاف راضي استطاع توظيف إمكانات صوتها بوقت كان ينظر إليها فيه على اعتبار أن المقامات الشرقية لا تناسبها.

ويشير عبد الرحمن إلى أن بليغ اتسم بالقدرة على توظيف الأصوات وتطويع الألحان التي يقدمها لإبراز إمكاناتها، وهو أمر لم يقتصر على المطربين فقط ولكن امتد ليشمل الشيخ النقشبندي الذي قدم له 16 لحناً غالبيتهم شكلوا المحطات الأبرز في مسيرته بالإنشاد، لافتاً إلى أنه في الوقت الذي كان يرغب جميع المطربين بأن يلحن لهم بليغ كان هو يبحث عن الأفضل حتى في المواهب الجديدة للعمل معهم.

يشير محمود فوزي السيد إلى أنه برغم السنوات التي أجبر فيها على مغادرة مصر فإن أزمة الغربة أخرجت من داخله شجناً وحنيناً عبَّر عنه بكثير من الألحان، بل على العكس من كثيرين لم يتأثر إنتاجه الفني بهذه الفترة الصعبة فكان يستخدم الألحان وأحياناً الكتابة للتعبير عما بداخله.

بحث عن المواهب

بخلاف تحرير أم كلثوم من القالب الكلاسيكي بألحانه المختلفة بحسب أشرف عبد الرحمن، فإن بليغ حمدي ترك بصمة مع مطربين عدة من بينهم محرم فؤاد وعلي الحجار، بالإضافة إلى سميرة سعيد التي تبناها في بدايتها الفنية، وتعاونه مع الفنان العراقي سعدون جابر.

يتذكر عبد الرحمن حديثاً سابقاً بينه وبين سعدون جابر، تحدث فيه الأخير عن بحث بليغ عنه أثناء زيارته للعراق من أجل أن يلحن له بينما لم يكن بينهما سابق لقاء من قبل، مؤكداً أن مثل هذه المواقف تعكس صورة بليغ الحقيقية التي يبحث فيها عن الموهبة بأي مكان في العالم العربي.

تتسق هذه الرواية مع تصريحات الفنانة عفاف راضي عن لقائها الأول مع بليغ حمدي الذي تصادف وجوده في حفل شاركت بالغناء فيه وهي طالبة بعمر الـ18 عاماً وفوجئت بشقيقها يخبرها بأن بليغ يبحث عنها ليبدأ العمل معها وتخرج أول أغانيهما المشتركة «ردوا السلام»، التي قدمتها للمرة الأولى في حفل غنائي على الهواء مع العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، بينما تولى بليغ قيادة الأوركسترا في الحفل.

مصدر الخبر
الشرق الأوسط

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.