تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

ضبابية المشهد الدولي في بداية عام جديد..!! 5/1/2019

مصدر الصورة
محطة أخبار سورية

         تتسارع الأحداث وتتعقد العلاقات الدولية بشكل كبير. ومنذ عدة سنوات لا يوجد تطور منطقي أو تسلسل للأسباب والنتائج، ما يجعل من الصعب تقديم قراءة دقيقة أو إعطاء تحليل متوازن أو التنبؤ بما سيأتي لاحقاً. وهذه التشابكات لا تخص منطقة واحدة بعينها، بل تنطبق على العلاقات بين جميع الدول، وفي جميع قارات العالم، وحتى أحياناً داخل الدول نفسها. وسنحاول إيراد عدد من الملاحظات التي تميّز الحقبة الحالية من العلاقات الدولية، والعلاقات داخل الدول نفسها:

إذا ما تذكرنا حقبة الحرب الباردة في القرن الماضي، لأمكن أن نقسّم العالم أو الدول إلى مجموعات تكاد تكون واضحة تماماً؛ الكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو)؛ الكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفيتي وحلف (وارسو)؛ وكتلة دول عدم الانحياز... بمعنى أنه كان من الممكن بسهولة تصنيف العلاقات بين الدول، كل دولة بحسب موقعها في هذه التكتلات أو التجمعات. لكن في عالم اليوم، وبعد انهيار الكتلة الشرقية وسقوط الاتحاد السوفيتي، وتراجع أهمية حلف الناتو لدى الغرب، وضعف ارتباط الكتلة الغربية، وتفكك كتلة عدم الانحياز وغياب تأثيرها، أصبح من الشائع جداً حصول تداخلات وارتباطات جديدة بين دول الكتل السابقة، أو اختلافات بين هذه الكتل وداخلها؛ فعلى سبيل المثال، ما تزال دولة مهمة مثل تركيا، تُصنّف في عداد حلف الناتو، ولكن السياسات الواقعية المتبعة في تركيا منذ عدة سنوات، تعكس انزياحاً لهذه الدولة نحو الشرق، أي باتجاه روسياـ بوتين، القوة العائدة من جديد لتسيّد المسرح الدولي. مثال آخر هو المملكة العربية السعودية التي درجت ومنذ تأسيسها على التزام النهج الأمريكي والسياسة الأمريكية، وكانت دائماً تحت المظلة الأمريكية، ولكن النظام السعودي بدأ في السنوات الأخيرة انتهاج سياسة أكثر توازناً، واتجه شرقاً ليوطّد علاقاته مع عدوي الولايات المتحدة اللدودين؛ روسيا والصين. في المقابل، نجدُ بلداً صغيراً مثل إمارة قطر ينتفض على وحدة مجلس التعاون الخليجي، وبالتحديد الشقيق السعودي، ويقيم علاقات مصلحية مع كل من تركيا وإيران... الخ. وبالمجمل، فإن العلاقات الدولية المعاصرة لا تتسم بالترادف والاتساق والانتظام، بل بالفوضى والتشابك والتعقيد والتضاد والتقلّب والتحوّل السريع.

الملاحظة الثانية هي أنّ صورة الغرب المتفوق المتغطرس، بدأت تفقد بريقها وتتراجع شيئاً فشيئاً؛ بل إنّ الكثير من الأحداث التي وقعت في الغرب، ما كان من الممكن تصورها قبل عدة أشهر أو قبل عامين؛ ولنأخذ البريكست البريطاني وخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، أو انتخاب رئيسٍ للقوة العظمى ــ الولايات المتحدة، أمضى نصف فترة رئاسته وهو يحاول إثبات أنه ليس عميلاً لروسيا؟! أو لنلتفت إلى مسيرات السترات الصفراء في فرنسا، وكل الحركات الشعبوية في الغرب؛ بكلام آخر، إن الخلافات بين دول الغرب أصبحت أكثر وضوحاً ورسوخاً، والخلافات داخل الدول الغربية نفسها أصبحت تشكّل تحدياً أكبر لهذه الدول. التناقضات في الغرب مجتمعية وسياسية واقتصادية وبنيوية، وقد عاد الشعور الوطني ليتفوق ويطغى على الشعور القومي أو القاري الجماعي.

الملاحظة الثالثة هي امتلاك القوة. جميع الدول ــ كبيرها وصغيرها ــ لديها القوة، بل حتى الحركات والتنظيمات الإقليمية تمتلك القوة القادرة من خلالها على التأثير والتخريب والتدمير. وصول الأسلحة أو المواد المتفجرة إلى أيدي الجميع، يمنح الجميع القدرة على الهجوم أو بدء العدوان أو الرد على أعمال مشابهة، وبالتالي فإن قدرة أي طرف مهما بلغت قوته على تحقيق نصر نظيف (بدون خسائر) أصبحت شبه معدومة؛ في المقابل، فإن أي طرف أو تنظيم مهما بدا ضعيفاً، فإنه قادر على إلحاق الأذى والتدمير والتخريب والقتل، والإرهاب العالمي أصبح أكثر الظواهر خطورة وتجذراً.

إنّ عناصر التفجر التي أصبحت تطوق العالم، هي نفسها العناصر التي تحتّم على هذا العالم أن يبحث عن أسباب لمنع هذه التفجّر والاقتتال والحروب، ولكنّ ذلك يقتضي وجود قيادات عالمية واعية تعمل لتحقيق مصالح شعوبها من خلال التعاون والتكامل مع الأطراف الدولية الأخرى وليس من خلال ممارسة الاعتداءات وشنّ الحروب، وهذا ما لا يبدو متاحاً كثيراً في الوقت الحاضر، أو أنه ليس الاتجاه السائد على الأقل؛ فالولايات المتحدة مثلاً، تحاول تحريك النزاعات في أمريكا الجنوبية وفي الشرق الأوسط وفي شرق آسيا وحتى في قارة أوروبا الحليف والشريك.

إذاً الى اين يسير هذا العالم ؟؟ يبدو أن الجواب صعب في ظل المعطيات الحالية وعلينا الانتظار عل هذه المعطيات تتغير وتحقق الشعوب غاياتها في النهوض والتقدم والنصر على أعدائها من مستعمرين جدد وقدامى .....

 

 

 

  

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.