تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

هل تواصل الولايات المتحدة الحرب على سورية بأساليب جديدة..!!

مصدر الصورة
محطة أخبار سورية

 

لن نخوض في أسباب ومبررات قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قواته من سورية وكيفية تنفيذه إن نُفّذ؛ فقد تناولته التحليلات والتكهنات في الأيام الماضية، وهي رغم كثرتها وزخرفتها لا تستند إلى معلومات أو أرضية صلبة تجعلها محلّ ثقة؛ ولكن بكلام بسيط، فإن الولايات المتحدة، وكما أثبتت سنوات الحرب الثمانية الماضية على سورية، لم تقطع آلاف الكيلومترات وتأتي بقواتها وأسلحتها ومرتزقتها وأدواتها إلى سورية لتطوير هذا البلد؛ لم يعد سراً أنّ الحرب على سورية كان هدفها تدمير كل مقومات القوة والحضارة والعلوم والتطور والبنى التحتية في سورية حتى لا تنهض من جديد. لكنّ صمود الدولة السورية بقيادتها وجيشها وشعبها، ومساعدة الأصدقاء الكثر، السياسية والعسكرية والاقتصادية، فوّت الفرصة على الأعداء جميعاً.

إذن، لماذا تغادر قوات الولايات المتحدة؟! لا شك بأنّ للرئيس الأمريكي طريقته وأسلوبه المختلف عن سابقيه في التعاطي مع القضايا التي أمامه. وهو كان محقاً عندما كرر قبل أيام أنّ قراره بالانسحاب من سورية  ليس مفاجئاً، لأنه كان قد صرّح به قبل أشهر وهيأ الأجواء له. وهذا القرار ـ من وجهة نظر ترامب ـ يخدم المصالح الأمريكية؛ وهنا بيت القصيد! فالقرار ليس لخدمة مصالح سورية ولا داعميها في إيران وروسيا؛ هو لخدمة المصالح الأمريكية حصراً. فما هي تلك المصالح التي يخدمها القرار؟! البعض أشار إلى حربٍ أمريكية محتملة ضد إيران، والرئيس الأمريكي أراد إبعاد قواته من سورية حتى لا تكون في مرمى الصواريخ الإيرانية، ونسي أنّ قسماً من هذه القوات موجود في العراق وأنها هناك أقرب إلى إيران وصواريخها؛ البعض أشار إلى نيّة الرئيس الأمريكي التركيز على الشرق الأقصى لمواجهة الدور الصيني المتصاعد، وهذا كلام منطقي ووارد، لأنه يعيد التذكير بما طرحه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في هذا السياق، ولأنه ينسجم مع الحرب التجارية التي بدأها ترامب بقوة ضد الصين.

ولكن هل يعني الانسحاب الأمريكي العسكري من سورية ترك هذه البلاد وشأنها؟! بالطبع لا، لعدة أسباب؛ أولاً، لأن سورية دولة المواجهة الأولى مع الكيان الصهيوني، والحرب المستمرة على سورية كانت لفرط دورها وتعطيله في هذه المواجهة ولم يتحقق ذلك، ومن غير المنطقي لمن شنوا هذه الحرب الخضوع و التسليم بالهزيمة إنْ أمكنهم تفادي ذلك؛ ثانياً، لأن موقع سورية الجيوسياسي في قلب العالم وتقاطع خطوط الاتصالات والنقل الطرقي والنفطي... الخ، يجعلها محطّ أنظار وأطماع العالم، لاسيما وقد أصبح لروسيا قواعد دائمة على الأراضي السورية؛ ثالثاً، لم تكن الدولة السورية يوماً في عداد الدول التي تصنفها الولايات المتحدة بالصديقة لها، وغنيٌ عن القول أنّ ذلك كان أحد أسباب الحرب على سورية، وما يزال هذا السبب قائماً، فالسياسة السورية لم تتحوّل ولم تتبدل رغم الحرب؛ رابعاً وهذا هو الأهم، فإنّ الرئيس الأمريكي لن يرضخ للفشل العسكري لبلاده في سورية، ولن يقبل به، وهذا يعني أنّ الولايات المتحدة قد تبادر إلى شكل آخر من أشكال الحرب على سورية، لتستمر في استنزافها وحلفائها في المقاومة وإيران وروسيا والصين، لاسيما وأنّ الحرب الأمريكية على هذه الأطراف واضحة ومستمرة وقاسية، فلماذا تكون سـورية استثناءً؟!

القوة الناعمة. إنها الأداة الجديدة التي ستلجأ الولايات المتحدة لاستخدامها في سورية. وكما تفيد بعض المعلومات، فقد بدأت واشنطن تخطط من جديد لإجراء دراسات وتحليلات معمقة للأوضاع السياسية والاقتصادية والتطورات في سورية واتجاهات الرأي العام السوري بعد سنوات الحرب التي خاضها الشعب السوري والمجتمع السوري. وبالطبع قد تأخذ الأساليب الأمريكية الجديدة، البرامج الإنسانية أو تطوير المجتمع المدني أو نشر الثقافة الديمقراطية أو غيرها من الشعارات غطاء للعمل الاستخباري الذي ستقوم به. ولقد كشفت سنوات الحرب على سورية كيف حاول أعداء سورية الاستفادة من فسيفساء المجتمع السوري للدخول إلى هذا المجتمع ومحاولة تخريبه وتمزيقه، وضرب مكوناته ببعضها البعض لتدمير سورية من داخلها.

بالتأكيد ستحاول الولايات المتحدة تحصيل ما عجزت عن تحقيقه بالحرب، بوسائل أخرى متعددة. ولاشك بأن سورية ليست منيعة تماماً أمام محاولات التدخل القائمة والمقبلة، وهذا ما ستحاول الولايات المتحدة وأعوانها وأدواتها استغلاله. ويبرز هنا موضوعين يجري استخدامهما بداية لتأخير وتخريب الحلّ في سورية؛ الأول، موضوع عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم والضغوط النفسية وعمليات التخويف التي تمارس عليهم لمنع أو تأخير عودتهم، ولاحقاً لاستخدامهم للعب في نتائج أي انتخابات تجري في سورية لحرفها بالاتجاه الذي يريده الأمريكان؛ والموضوع الثاني، هو العملية السياسية في سورية ومحاولة فرض الأجندة الأمريكية على سورية، من خلال فرض أشخاص أو برامج أو شروط على العملية السياسية تؤمن المصالح الأمريكية ومصالح الكيان الإسرائيلي معها. ولاشك بأنّ الولايات المتحدة ومن خلال الأموال التي تحدثت عن ضخّها مستقبلاً في سورية، ستحاول اللعب بالرأي العام السوري لتنفيذ أجندتها وتحقيق أهدافها.

لكن الأكيد أيضاً، أن القيادة السورية تعي الأساليب الأمريكية وغاياتها وتعرف كيف تتعامل معها، والمهم أن ينتبه السوريون الآخرون لهذه المخططات وأن يدركوا أبعادها وخطورتها حتى لا تتكرر المأساة من جديد ويذهبوا ضحية السياسات المعادية لهم ولبلدهم...!!

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.