تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

السياسة الخارجية الروسية.. والمدار السوري..

مصدر الصورة
محطة أخبار سورية - خاص

بديــع عفيــف

من الواضح جداً أن روسيا تتبع في سياستها الخارجية نهجاً يميل إلى التوازن من خلال إقامة متوازنة مع الدول الإقليمية تبدو في كثير من الأحيان وكأنها تجمع المتناقضات معاً؛ تركيا والسعودية وسورية؛ إيران وكيان الاحتلال الإسرائيلي... وغيرها في أماكن أخرى.

لقد تجاوزت العلاقات الروسية التركية "شعرة معاوية" ووصلت الاتفاقات الثنائية مرحلة متقدمة في مجالات متعددة؛ التجارة والاقتصاد والسياحة والسياسة وحتى التعاون العسكري؛ وتركيا التي ما زالت تنتمي لحلف الناتو، باتت أقرب عملياً إلى روسيا منها إلى الغرب في كل شيء تقريباً. بدورها المملكة السعودية تتقدم كثيراً في علاقاتها مع روسيا لدرجة أنّ التنسيق الروسي السعودي في منظمة أوبك مثلاً، أثار حلفاء يفترض أنهم أساسيون لموسكو مثل طهران التي اتهمت سياسات روسيا والسعودية بأنها تسببت بخسائر لجميع أعضاء أوبك. وقد برزت في قمة العشرين الأخيرة في بوينس آيرس المصافحة الحارة بين الرئيس الروسي وولي العهد السعودي، فيما لم تتخذ موسكو موقفاً اتهامياً للقيادة السعودية بقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي كما فعل حلفاء السعودية الغربيون المقربون، أو كما تواصل أنقرة التلميح!!

أمّا إيران التي تتعرض لعقوبات أمريكية شديدة بتوجيه وإيحاء من الكيان الإسرائيلي، تتعرض أيضاً لحرب إعلامية شعواء في المنطقة من قبل الدول الخليجية وكيان "إسرائيل" في محاولة لتحجيم دورها والحد من نفوذها الإقليمي المتزايد، ولاسيما بسبب دعمها للمقاومة في غزة وجنوب لبنان، وتأييدها للدولة السورية في مواجهة الحرب الدامية التي تخوضها منذ سنوات ضد تحالف من الدول، بعضها عربي مثل قطر والسعودية. وغني عن التذكير بأهمية التعاون الروسي الإيراني في سورية لمواجهة التدخلات الغربية ولمواجهة الإرهاب، وعدوان الكيان الإسرائيلي الذي يحاول استغلال الحرب على سورية لتحقيق مآرب جيوسياسية عديدة.

أما إسرائيل، فقد تراجع تأثيرها في موسكو بشكل كبير بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية في أجواء اللاذقية في أيلول الماضي. ومع ذلك يحاول الكيان العبري إقحام نفسه في أوضاع المنطقة والتشويش على الدور الروسي تارة، والاستفادة منه تارة أخرى، وتجلت آخر المحاولات في العدوان الإسرائيلي قبل أيام على الأراضي السورية لإيصال رسائل عدة للسوريين والروس معاً، ولكنه فشل في ذلك.

إذن، روسيا التي تساند الدولة السورية بكل قوّة في مواجهة الحرب عليها، تقيم علاقات مميزة مع ثلاثة من خصوم وأعداء دمشق الأساسيين؛ أنقرة، الرياض، وتل أبيب، فكيف يمكن أن ينعكس الحضور الروسي على العلاقات السورية مع هذه الأطراف في المستقبل؟

يمكن الإشارة إلى دور روسيا في عدة أمور مهمة في الفترة الماضية؛ الأول، الدور الذي لعبته موسكو في تهدئة الأجواء بين سورية والأردن ودعوة عمّان للمشاركة في محادثات أستانة السورية - السورية ولاحقاً فتح معبر نصيب بين البلدين؛ الأمر الثاني، هو قيام موسكو بـ"فرمرلة" الدور التخريبي الإسرائيلي وتثبيطه عند قيام الجيش العربي السوري بتحرير الجنوب الغربي من سورية(درعا، القنيطرة، والسويداء) من سيطرة الإرهابيين والمسلحين، ولاحقاً تزويد روسيا الجيش العربي السوري بمنظومة صواريخ "أس300" وهو ما حجّم الاعتداءات الإسرائيلية إلى حدٍّ كبير، وأفهم الرؤوس الحامية في كيان الاحتلال بأن عليها أن تعيد التفكير بالأمور بعقل بارد جداً من جديد؛ الأمر الثالث، هو الاتفاق الروسي التركي في 17 أيلول الماضي بشأن إيجاد منطقة عازلة في محافظة إدلب السورية، وإعطاء أنقرة مهلة محددة لفصل ما سمي المعتدلين عن الإرهابيين والمتطرفين.

في الأفق، حديث عن قمة جديدة تركية روسية قد تكون قريبة، وحديث آخر عن زيارة للرئيس بشار الأسد إلى روسيا، وعن زيارة للرئيس بوتين إلى السعودية، فيما تدير موسكو ظهرها لتل أبيب منذ أيلول الماضي وحتى الآن، فما هي النقلات الخفية القادمة في لعبة الشطرنج الروسية المعقدة؟!

لاشك في أنّ صمود الجيش العربي السوري أربع سنوات في مواجهة الحرب الكونية على سورية أعطى دافعاً للروس للتدخل وتقديم الدعم له في العام 2015، والاستفادة من هذه القوة الإقليمية الجبارة في مواجهة سيل التطرف الذي كان سيطرق أبواب موسكو. وهذا الدعم السياسي والعسكري والحضور الروسي المباشر ساهم بتغيير معادلات المنطقة ومن ضمنها بالطبع، سورية؛ ولاشك بأن أي تطور إقليمي سيحصل سيكون للروس دوراً بارزاً وأساسياً في تشكّله ونتائجه، ولا شك أيضاً بأن من غير المريح للروس وجود خلافات بين أصدقائهم وأحد حلفائهم الأساسيين، وهذا ما قد يفتح الباب واسعاً لسيل من التكهنات بما هو قادم وما تخطط له روسيا ــ بوتين. الأيام القادمة تشي بالكثير.. وغداً لناظره قريب.. !!

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.