تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

قراءة في تبعات جريمة قتل خاشقجي.. حتى الآن..

مصدر الصورة
محطة أخبار سورية -خاص

بديـع عفيــف

ما زالت جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي تتكشف فصولاً، وما زالت الأطراف الدولية تواصل استثمارها كل بطريقته، وما زال النظام السعودي، وسيواصل دفع الثمن نتيجة اقترافه هذه الجريمة الفاضحة عبر فريق من رجالاته، وفي مكان يُفترض أنه مخصص للدبلوماسية، بغض النظر عمّن أعطى أمر القتل وتقطيع جثة القتيل، والذي يبدو أنه أصبح معروفاً للجميع رغم عدم صدور حكم قضائي بحقه. ومنذ اللحظة الأولى لقتل جمال خاشقجي، كان واضحاً أنّ كلّ من يستطيع، سيحاول الاستثمار في الموضوع؛ سياسياً واقتصادياً وإعلامياً... فيما يدفع أحد ما الضريبة الغالية:

ونبدأ من بلد الجاني والمجني عليه؛ فقد أدى اكتشاف الجريمة إلى تشويه صورة النظام السعودي، وتراجع حضوره الدولي، وضرب مصداقيته وسمعته العربية والإسلامية والدولية بعد الأدلة الدامغة على سلوكه الهمجي المشين والفظيع. هذا سياسياً، أما اقتصادياً، فقد أكدت معظم دول الغرب على ضرورة جباية الأموال السعودية واستنزاف النظام السعودي للسكوت على جريمته وتجاوزها. ولكنّ الأهم من هذا وذلك، هو سعي الغرب، ولاسيما الولايات المتحدة إلى تجنيد النظام السعودي لحماية إسرائيل بطرق مختلفة.

بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، صاحب الصفقات الشهير، سيحاول بقدر ما يستطيع المحافظة على وجود محمد بن سلمان في الحكم؛ لأن الشكوك حول من أعطى الأمر بقتل خاشقجي وتقطيعه تدور حول ولي العهد السعودي، وهو بذلك أصبح ضعيفاً وأداة طيّعة لتنفيذ المشاريع الأمريكية المتعددة؛ سيجبي الرئيس ترامب المزيد من الأموال السعودية، وربما الإماراتية، وسيبيع المزيد من الأسلحة، وسيوفر آلاف الوظائف للأمريكيين والدعم للشركات الأمريكية، ويؤمن الأموال لدعم الاقتصاد الأمريكي... وهذا يصبّ في المحصلة في صندوق الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة؛

لكن الأهم هو تأكيد الرئيس ترامب على دور النظام السعودي في حماية إسرائيل: السؤال كيف؟ هل بالمال أم بالمواقف أم بالاثنين معاً؟! سيتضح ذلك لاحقاً ولن يستطيع النظام السعودي ستر عورته؛ وبالطبع لم يعد أحد يتحدث عن "صفقة القرن" التي لا أحد يعرف مضمونها بالضبط أو إن كانت موجودة أصلاً؛ لم يعد أحد يتحدث عن حلّ القضية الفلسطينية؛ تقدمت مشاريع التطبيع الخليجي المجانية مع العدو الإسرائيلي، وماتت المبادرة العربية (سعودية المنشأ).

بالنسبة لتركيا، تم إطلاق القس الأمريكي المحتجز لدى أنقرة دون ضجيج يؤثر على هيبة النظام التركي؛ وبدأ الحديث عن قيام الولايات المتحدة بتسليم الداعية التركي فتح الله غولن لحكومة أردوغان؛ أي حقق النظام التركي مزيداً من التوزان في العلاقات مع واشنطن؛ حقق رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان أيضاً تقدماً كبيراً على نظيره السعودي في الظهور بمظهر قائد الأمة الإسلامية بدلاً من "خادم الحرمين الشريفين"، وما زال يحاول استثمار جريمة قتل جمال خاشقجي، لكن العلاقات السعودية التركية تتجه إلى مزيد من التراجع والتوتر ومن غير الواضح إلى أين ستصل نهاياتها..؟!

أما بالنسبة لروسيا، فقد بدا واضحاً منذ البداية أن موسكو لا تتجه إلى موقف تصعيدي ضد النظام السعودي، وكان موقفها ضبابياً مشابها لموقف الرئيس الأمريكي؛ بمعنى، أنه، حتى لو ثبت تورّط بن سلمان في إعطاء الأمر بقتل خاشقجي، سنواصل العمل معه؛ روسيا لا تبحث عن المال السعودي ولا تحتاجه، ولكنها تبحث عن التنسيق مع النظام السعودي لضبط أسعار النفط والغاز؛ وقبضت روسيا موافقة أمريكية صريحة على بقاء قواتها "فقط" في سورية دون قوات الدول الأخرى الموجودة على الأرض السورية، بما فيها قوات الولايات المتحدة نفسها؛ وهذا سيساعد بالتأكيد في دفع الحل السياسي في سورية، وتحجيم الدور التركي و"حركة الأكراد" السوريين وطموحاتهم، وقد بدأ بعضهم المطالبة بتسليم الحدود السورية مع تركيا للدولة السورية تجنباً لاحتلال تركي مشابه لما حدث في عفرين والشمال الغربي من سورية.

من جانبها، أعلنت فرنسا موقفاً انتهازياً مماثلاً للموقف الأمريكي والباكستاني: نريد المال السعودي بغض النظر عن تفاصيل جريمة الخاشقجي، ومن غير الواضح حتى الآن ما هي حصتها لقاء صمتها على قتل وتقطيع إنسان بطريقة إجرامية احترافية.

أما النظام القطري، فقد استنفر إعلامه لاستثمار مقتل خاشقجي لتسليط الضوء على جرائم "الشقيق" السعودي في الداخل ضد المواطنين السعوديين، وفي الخارج لاسيما في اليمن المجاور؛ النظام القطري يشنّ حملة إعلامية مركّزة على النظام السعودي ــ الشريك في مجلس التعاون الخليجي ــ  ولكنّ المهم أنّ لدى الإعلام القطري وثائق الإدانة "للشقيق" المحاصر من قبل الدول الأخرى، والمادة التي توفّر المصداقية لإعلامه؛ كيف لا يستثمرها ونظام الدوحة أشدّ ظلاماً وتجبراً من نظام الرياض..؟!

وبالطبع لم يتم طيّ القضية بعد..؟!!

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.