تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تـرامب وجـه أمريكا الحقيقي..!!

مصدر الصورة
محطة أخبار سورية - خاص

         خابت آمال الكثيرين ممن توقعوا أن يتغيّر الرئيس الأمريكي بعد وصوله إلى البيت الأبيض. هذا الشخص مختلف عمن ألفناه من رؤساء سابقين للولايات المتحدة؛ الرئيس دونالد ترامب يتحدث بدون أي مكياج سياسي أو أقنعة لمخاطبة العالم من خلالها؛ لا حاجة للقوة الناعمة ولا للمجاملات والدبلوماسية؛ الصفقات والاقتصاد والوظائف والمال، هي المفردات التي تعجبه ويفهم بها ويحب التخاطب بها ويستخدمها؛ ولذلك رفع شعار "أميركا أولاً"؛ أمريكا أولاً تعني أيضاً ترامب أولاً، وتعني؛ الصفقات والاقتصاد والوظائف والمال.

لطالما كانت أمريكا أولاً في كل الحقب السابقة، ولكنّ هذا الشعار كان مستتراً؛ كان يُغلّف بعبارات وأحاجي مختلفة؛ العدالة، الديمقراطية، محاربة الديكتاتوريين، وكل ما يخطر بالبال من القشور التي تخفي أهداف أمريكا الحقيقية. الرئيس ترامب لا يرى حاجة لذلك؛ قالها بوضوح: المهم المصالح الأمريكية؛ بدا ذلك واضحاً فاقعاً في قضية قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي؛ لن تتخلى إدارة ترامب عن الصفقات التي أبرمتها مع السعودية؛ المال السعودي ضروري لتغذية ودوران عجلة الاقتصاد الأمريكية وإيجاد الوظائف للأمريكيين، وبالتالي تحويله إلى أصوات في صناديق الانتخابات الترامبية؛ السعودية وبقية محميات الخليج، والعديد من الدول الصغيرة، شاءت أم أبت، هي تساهم في تحقيق شعار أمريكا أولاً، ومنذ زمن بعيد؛ أما العدالة والتحقيق في مقتل الخاشقجي فأمر آخر يتم البحث له عن تسوية ما، في مرحلة ما، بطريقة ما، ومن يدري؛ فقد يتم نبش موضوع آخر يقود للتعتيم على قضية الخاشقجي؛ مثلاً البحث في إيقاف الحرب على اليمن.

ولأن ترامب أولاً، كما أمريكا أولاً، فإنه من غير السموح لأحد أن يشاغب على الرئيس أبداً؛ ولذلك كان من السهل أن يصف ترامب مراسل قناة " سي إن إن" بالوقح، وبعده مراسلة القناة نفسها  بالغبية والسخيفة؛ لم يعد الرئيس بحاجة لمثل هذا الإعلام القديم المزعج: انتهت مهمته في زمن الاتصالات الحديثة؛ أصبح الرئيس الأمريكي على اتصال "آني" ومباشر بجمهوره عبر رسائل آنية على موقع "تويتر".

لكن مشكلة الولايات المتحدة وترامب نفسه، هي في شعار "إعادة عظمة أميركا". الشعار بحدِّ ذاته إقرار ذاتي بأن أمريكا لم تعد عظيمة؛ وهي فعلاً لم تعد كذلك منذ أن تخلت عن قيمها الحقيقية، وتحولت إلى شرطي العالم الفظ الغليظ الفاسد، بعد أن كانت ملهمة العالم في الفكر والفن والثقافة والإبداع وأنماط الحياة الجديدة؛ أجل، يمكن للرئيس ترامب أن يحكم وأن يقود حزبه للفوز، ربما، في انتخابات الرئاسة القادمة، ولكنه لا يستطيع أن يحكم العالم، ولا أن يجعل الآخرين يحبون بلاده؛ وكما استفاد ترامب من وسائل الاتصال الحديثة في توجيه رسائل لحظية للناس، كذلك استفاد العالم من هذه الوسائل في فهم حقيقة ما يجري حوله؛ المعلومات أصبحت متوفرة في كلّ مكان من خلال شبكة الإنترنيت ولم يعد ممكناً تزييف الحقيقة، والحقيقة هي أنّ الولايات المتحدة لم تعد مثالاً يحتذى.

ومشكلة ترامب والولايات المتحدة في "إعادة عظمة أمريكا"، أنها لا تتوقف على الأمريكيين أو الدول الصغيرة التي تدور ـ راغبة أو مكرهة ـ في الفلك الأمريكي؛ إعادة عظمة أمريكا تُواجَه من قبل لاعبين آخرين على المسرح الدولي، بعضهم قديم ولكنه شحذ قوته للمواجهة، وبعضهم جديد لم يعد يحتمل الهيمنة والطغيان الأمريكي؛ وفي المقدمة الصين وروسيا وكثيرون في آسيا وأمريكا الجنوبية وإفريقيا، وحتى بعض دول أوروبا التي ما تزال نظرياً شريكة الولايات المتحدة في حلف "الناتو"، لم تعد تحتمل الهيمنة الأمريكية الترامبية السمجة.

اللاعبون المنافسون للولايات المتحدة تمكنوا حتى الآن من تحجيم دورها والحدّ من نفوذها ومواجهتها في العديد من الساحات والقضايا الدولية؛ والأهم في التجارة والاقتصاد والنفط والغاز والمال والصفقات؛ الصين تكاد تستحوذ على العالم في التجارة والاقتصاد؛ وروسيا تسبق الولايات المتحدة في السلاح المتطور، النووي والفرط صوتي، وفي العلاقات العامة، وفي تقديم نفسها البديل الحضاري الراقي وصاحب القيم الذي بدأ العالم يتعرف عليه ويقترب منه من خلال الدبلوماسية الروسية الذكية والناشطة، ومن خلال الإعلام الروسي الماهر. أليست الاتهامات المستمرة منذ أكثر من عامين، التي يوجهها الحزب الديمقراطي للرئيس ترامب بالتواطؤ بين حملته الانتخابية وروسيا دليلاً وبرهاناً على تراجع الولايات المتحدة و"عظمتها"؟ ألا تعكس انتخابات نصف الولاية قبل أيام، الاستقطاب الحاد في الولايات المتحدة وأنّ البلاد منقسمة إلى نصفين أكثر من أي وقت مضى..؟! أسئلة لم تعد تحتاج إلى إجابات لأن الحقائق أصبحت واضحة جداً..!!

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.