تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

قضية خاشقجي تضيء على سلوك الدول..؟!!

مصدر الصورة
محطة أخبار سورية - خاص

بديـع عفيــف

 

منذ الأيام الأولى التي تلت قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في تركيا، لم نستبعد أن تتم لفلفة الموضوع؛ الجريمة جنائية ولكن المحاكمة سياسية بامتياز قبل أن تكون قضائية، أما أسباب الجريمة ومن اشترك فيها ومن أمر بتنفيذها والتعويضات على عائلة القتيل، فهذه أمور ثانوية في ملف دولي خطير كهذا.

في الدول الديمقراطية تقول المعارضات ما تشاء لكن الحكومات تنفذ سياساتها التي وضعتها لأنها هي المسؤولة في النهاية عن مآل الأمور. ويقال إنّ السياسة فن الممكن، وإنّ الدول تتصرف وفق مصالحها ومصالح شعوبها. وفي الزمن "الترامبي" تبدو الأمور واضحة، بل فاقعة الوضوح؛ أمريكا أولاً؛ أي المال والنفط والصفقات والوظائف والاقتصاد؛ المصالح الأمريكية. قالها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمنتهى الوضوح؛ هو يدرك أنّ النظام السعودي هو القاتل المجرم الذي يتحمّل مسؤولية جريمة قتل خاشقجي من ألفها إلى يائها، وأنّ الجريمة مقيتة ولا يمكن تبريرها، ولكن المصالح الأمريكية أولاً؛ المال والنفط والصفقات والوظائف والاقتصاد، وهذه الأمور أهم من إدانة النظام السعودي أو تحميل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المسؤولية المباشرة؛ لقد فتحَ ترامب البازار بتصريحاته وتغريداته المتواصلة، وأوحى أنه لن يتخلى عن بن سلمان رغم خطورة ذلك، فتبعته بقية الدول واحدة تلو الأخرى؛

تركيا الطرف الثاني في القضية، تناور وترفع الثمن، وما حققته حتى الآن ليس قليلاً؛ أولاً، ابتعد/ تراجع الرئيس التركي عن حالة الصدام مع الرئيس الأمريكي وأطلق القسّ الأمريكي السجين، تحت غطاء عاصفة الخاشقجي؛ مرّغ أنف ندّه محمد بن سلمان الحاكم الفعلي في الرياض، بالتراب، فالرئيس التركي الذي يتقمص السلطنة العثمانية، سعيد بزعزعة مصداقية المملكة الوهابية في العالم الإسلامي ليتصدّر الزعامة وقد قالها علناً أنّ الصدارة له؛ هل سيضطر بن سلمان لتخفيف ضغوطه على "قطر" بناء على أوامر تركية، بالتأكيد؛ هل ستتدفق الأموال السعودية إلى الخزينة الأردوغانية، بالتأكيد؛ وبالطبع لم يفرج أردوغان عن كل الأدلة التي تدين بن سلمان، فما زال لديه أوراق كثيرة للابتزاز والعملية مستمرة؛

أوروبا العجوز، تصرخ كثيراً وتبكي على القيم والمبادئ ولكنها في النهاية، تحاول رفع سعر سكوتها وصمتها عن جريمة العصر؛ لن تتخلى أوروبا عن صفقات السلاح وكلّ الأموال التي يمكنها التحصّل عليها من النظام السعودي؛ وبوضوح قالها رئيس الوزراء الباكستاني: مقتل خاشقجي أمر مؤسف لكننا بحاجة ماسة للمال؛ وكذلك الأردن الذي لم يقل شيئاً وكأن الإعلام الأردني والمسؤولين الأردنيين لم يسمعوا بالجريمة، الصمت أيضاً له سعره؛ ومصر والبحرين والإمارات العربية والكويت تساند النظام السعودي حتى ولو اجتمع العالم كله على إدانته.

لكن اللافت أمرين؛ الأول، أنّ محور المقاومة ترفّع عن استثمار مأزق النظام السعودي والجريمة التي اقترفه الأخير وحالة الإدانة الدولية التي تلبسه، كما قال السيد حسن نصر الله، وكلمات الإدانة التي أطلقها الرئيس الإيراني بحق النظام السعودي وداعميه الغربيين، هي أقلّ ما يمكن قوله؛ فقتل الصحافي السعودي في قنصلية بلاده في تركيا، واعتراف النظام السعودي بالجريمة وأنها مدبّرة وخُطّط لها، قضية يمكن استثمارها بشكل واسع جداً، بل على العكس من ذلك، فقد واصل الإعلام السعودي رغم حالة الإرباك التي يعانيها، واصل مهاجمة محور المقاومة.

الأمر الثاني، كان الموقف الروسي ـ الصيني المتريث والذي يمكن وصفه بـ"اللاموقف". بالطبع، ليس البلدان خارج سياق المصالح، بل إنّ الرئيس الأمريكي حذّر بأن ّ أي صفقة سيتخلى عنها مع النظام السعودي ستذهب إلى خصميه؛ الصين وروسيا. وعملياً فإنّ ترامب لم يجانب الحقيقة؛ فقد كشف رئيس صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي كيريل دميتريف، عن عزم السعودية على الانضمام إلى صندوق استثماري مشترك بين روسيا والصين، وأن صندوق الاستثمارات العامة السعودي سيستثمر 500 مليون دولار في صندوق الاستثمارات الروسي- الصيني، وأنه "سيتم تغيير اسم الصندوق ليصبح الصندوق الروسي الصيني السعودي". كما أشار دميتريف إلى أن شركة السكك الحديدية الروسية تتطلع للمشاركة في مشاريع للبنية التحتية في السعودية، وأن العلاقات الاقتصادية بين روسيا والسعودية حاليا على مستوى عال، وأنه سيتم الإعلان عن اتفاقيات جديدة قريبا بين البلدين؟!!

مع وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، أضفى الرجل كثيراً من شخصيته على السياسات العالمية، وتحديداً في الغرب؛ اللعب على المكشوف. لم تعد الإدارة الأمريكية تخفي ما تريد؛ الرئيس ترامب يسمّي الأشياء بأسمائها؛ المال والصفقات والأسلحة، لا حاجة لديه لغلاف الديموقراطية وحقوق الإنسان والبيئة والمناخ... الخ، فهذه مفردات ليست موجودة في قاموسه.. وقد أصبح ما يقوم به الرئيس الأمريكي منهجاً دارجاً لدى الكثيرين....؟!!

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.