تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

هل أسقطَ الاتحاد السوفيتي الغربَ بسقوطه..؟!!

مصدر الصورة
محطة أخبار سورية - خاص

بـديــع عفيــف

 

قد يبدو العنوان صادماً عن سقوط الغرب؛ فالغرب وفق ما هو واضح لم يسقط بعد وما زالت الدول الغربية تلعب دوراً فاعلاً ومتقدماً في العلاقات الدولية. ولكن عندما نتحدث عن سقوط أهم الدول الغربية، فلا يعني ذلك اليوم أو صباح غد؛ فأعمار الدول لا تقدّر بالأشهر والسنوات، بل بالعقود والقرون. في بداية خمسينات القرن الماضي، أرسل السفير الأمريكي لدى الاتحاد السوفيتي السابق، جورج كينان، مذكرة لبلاده نُشر مضمونها لاحقاً، تتحدث عن سقوط الاتحاد السوفيتي. فاجأت المذكرة البعض، لكنها كانت قراءة دقيقة لواقع الاتحاد السوفيتي آنذاك؛ لمشاكله، لاقتصاده، لإعلامه المنفصل عن الشعب والذي لا يصدّقه أحد، لتصريحات المسؤولين السوفييت وانفصالهم عن الواقع الشعبي؛ لتراجع الخدمات... الخ؛ كانت مذكرة كينان ــ الذي اعتبر مهندسَ الحرب الباردة بدعوته لاحتواء الاتحاد السوفيتي ـــ قراءة دقيقة وموضوعية لواقع يتردى ويتراجع ولكن أحداً من الحريصين على الاتحاد السوفيتي لا يريد أن يرى أن يتابع أو يفهم لينقذ الوضع.

في نهاية الثمانينات انتجت الدولة السوفيتية قيادة تشبه المرحلة المتداعية؛ أصبح ميخائيل غورباتشوف، رئيس الاتحاد السوفييتي السابق بين عامي 1988 و1991؛ دعا إلى إعادة البناء أو البريسترويكا، ولكن كيف يصلح العطار ما أفسده الدهر. تحققت قراءة كينان؛ تشظّى الاتحاد السوفيتي إلى عدة دول. وبرز منه على الأخص الاتحاد الروسي، وأصبح بوريس يلتسن وهو سياسي روسي سوفيتي، أول رئيس للاتحاد الروسي، (1991 إلى عام 1999).

فرح الغرب بسقوط الاتحاد السوفيتي ومعه حلف "وارسو" وانهيار الجبهة الشرقية المنافسة وسقوط الشيوعية. أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب قيام "النظام العالمي الجديد" القائم على الأحادية القطبية والمتمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية. وبدأ المفكرون والمحللون بطرح أفكار متعددة عن حلّ حلف الأطلسي (الناتو) إذ لا جدوى من بقائه ولاحاجة إليه؛ بدأ البحث عن عدو جديد بعد سقوط الشيوعية؛ نهاية التاريخ، تم تضخيم التطرف الإسلامي؛ مع ذلك، بقي الغرب نائماً على بساط من حرير؛ لا عدو قادر على الوقوف في وجهه؛

كان الاعتقاد أنّ الدّب الروسي يغرق في ثبات عميق وطويل، وأنّ التنين الصيني خرافة ووهم.. لكن التجربة أثبتت وتؤكد أنّ المتوهم هو من ينام مطمئناً ويترك خصمه يتصرف بأريحيته دون أي حذر أو رقابة؛ سيكتشف الغرب أنّ سقوط الاتحاد السوفيتي مهّد لسقوطه هو، وأنّ سنوات الاسترخاء التي عاشها بعد نهاية الحرب الباردة ستكون مكلفة جداً وبشكل أكبر مما يظن ويعتقد؟! سيكتشف الغرب أنه ترهل وأنه لم يعد قادراً على مسايرة التطورات الجديدة في مختلف مناحي الحياة وأنّ زعيمته، الولايات المتحدة، لم تعد زعيمة العالم، وأنّ حقبة دولية جديدة قد بدأت وأنّ

مصيره إلى التقهقر والاندحار.. وما خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتخاب الرئيس دونالد ترامب إلا مؤشرات على ثورات مكبوتة تحت سطح الترف الغربي الكاذب؛

فعندما كان الغرب بقيادة الولايات المتحدة، يحاول في العقدين الماضيين، استثمار سقوط الشيوعية والاتحاد السوفيتي وحلف "وارسو" بشنّ الحروب على أفغانستان والعراق وليبيا، كانت روسيا تعيد بناء ذاتها بصمت؛ عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً وإعلامياً وسياسياً ودبلوماسياً وعلمياً ومعلوماتياً وقومياً.. حتى عادت قوة عظمى من جديد تنافس الغرب وتناطحه بكل المعايير والمقاييس والمجالات، وكان الغرب في ذهول من هذه العودة المفاجئة؛ بدورها، تقدمت الصين لتطرح أسلوبها وطريقتها ونموذجها في بناء الدولة؛ الصين التي تُطعم سكاناً يتجاوز عددهم سكان أوروبا والولايات المتحدة معاً، أمة قوية تتقدّم بثبات لتكون القوة الاقتصادية الأولى في العالم، وهي تستعد لتزيح الولايات المتحدة عن عرش الصدارة. لقد تحقق أسوأ ما كانت تخشاه الولايات المتحدة، فقد بدأت الصين تقدم بديلاً لبلدان ثالثة، موارد للتنمية مستقلة عن مؤسسات الغرب وسوقاً ضخمة. والأهم أنّ روسيا والصين تقيمان تعاوناً استراتيجياً مع بعضهما يجذب إليهما العديد من دول العالم.. وهما تتركان الغرب يترنح خلفهما.

أجل الغرب يترنح؛ في السياسة والاقتصاد والإعلام والدبلوماسية والعلوم والبنية التحتية والأمن والاستقرار وفي العلاقات بين دوله وفي التجارة بين ضفتي الأطلسي وفي كل مناحي الحياة. الأمثلة كثيرة وعديدة؛ راقبوا الرؤساء الفرنسيين الثلاثة الأخيرين؛ ساركوزي وهولاند وماكرون؛ هؤلاء موظفين من الدرجة الثانية وليسوا قادة وقد ثبت فساد اثنين منهما بشكل فاضح؛ فأي مؤسسات تلك التي تنتج مثل هذه النماذج؛ لاحظوا كيف تتراجع المملكة المتحدة وقد خرجت من الاتحاد الأوروبي المتفكك؛ بريطانيا العظمى لم تعد عظيمة وفعلياً لا وزن لها لولا تلحّفها غطاء الولايات المتحدة؛ فهل تُقارن تيريزا ماي بويستون تشرشل؟! الولايات المتحدة الأمريكية نفسها تسير في خط انحداري متزايد، يقودها تاجر لا تهمه القيم بقدر الأموال والصفقات؛ وعندما تتخلى الدولة العظمى عن قيمها يتخلى الآخرون عنها وهذا ما نراه. الغرب يتراجع في الإعلام والسياسة والاقتصاد والعسكر والحريات والثقافة والقيم وهذه مؤشرات لا تخطىء الدلالة.. والمشكلة الأكبر التي يواجهها الغرب أنه بعدما بدأ طريق الهاوية والسقوط، يمكن إبطاء تدحرجه، لكن من المستحيل إيقافه

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.