تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

العالم ليس مجنوناً ولكنه أنانيٌ جداً..؟

مصدر الصورة
محطة أخبار سورية - خاص

بقلم: بـديـع عفيــف

 

ليس من اليسير أن يقدّم المرء تحليلاً دقيقا للأوضاع العالمية والعلاقات الدولية برغم غزارة المعلومات ووفرتها؛ ومن الصعب جداً إصدار أحكام صارمة حازمة جازمة حول مستقبل العلاقات الدولية المتبدلة؛ لكن ثمة معطيات أصبحت شبه مؤكدة يمكن أن تكون معياراً أو مؤشراً للمرحلة القادمة؛

إنّ الولايات المتحدة لم تعد القوة الوحيدة على المسرح العالمي وإنّ عصر الأحادية القطيبة آخذ بالأفول؛ ستقاوم الولايات المتحدة، وستحاول منع تراجع نفوذها وتأثيرها ودورها وسطوتها، ولكن الواقع العملي يؤكد كل يوم أنّ وحدات أخرى من وحدات المجتمع الدولي لم تعد ترضى لا بحكمة الولايات المتحدة ولا بقيادتها ولا بثقافتها ولا نزاهتها ولا بشعاراتها التي تتحدث عن حمايتها للديمقراطية والقيم التي لطالما ادعت واشنطن الدفاع عنها، وثبت أنها لم تكن كذلك؛

المنافسون الجدد كثر، وفي مقدمتهم الاتحاد الروسي وجمهورية الصين الشعبية، وهما ينسقان معاً ويتعاونان معاً ويشكلان قوة موازية تتخذ من الشرق قاعدة لهما، لتحدي الغرب والقول له: كفى!! الثنائي الجديد يمتلك كل مقومات التحدي والمنافسة؛ المال والثروات الطبيعية والاقتصاد والسلاح النوعي والإعلام والأصدقاء، و"الروح" التي ما زالت تحمل السمات الإنسانية التي أظهرت السنوات الماضية أنّ الغرب بمعظمه ـ ولاسيما الولايات المتحدةـ قد افتقدها؛ الاقتصاد الصيني بدأ يوازي نظيره الأمريكي ويتحضر للتفوق عليه؛ معدلات النمو الصيني لا تنخفض تحت الـ5%؛ القوة البشرية الصينية العملة هائلة؛ الاستقرار الصيني مذهل؛ الاستثمارات الصينية حول العالم مفرطة ونوعية ومثمرة في 68 بلداً؛

روسيا من جهتها، سعت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي إلى إعادة بناء نفسها بصمت؛ في الاقتصاد والسياسة والاستقرار المجتمعي والإعلام الهائل، ولكن الأهم كان التطور النوعي الذي استعرضه الرئيس الروسي في بداية آذار الحالي؛ الأسلحة الصاروخية الفرط صوتية التي تجاوزت قدرات الغرب الدفاعية والهجومية: الرئيس بوتين على حق بأنه آن للغرب أن يسمع روسيا الآن؛ بل إنّ هذا الغرب مضطر لأن يسمع روسيا من الآن فصاعداً. كثيرون أكدوا قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة في روسيا أن فوز بوتين محسوم! لكن ما صنع الفارق ورفع نسبة فوزه، كما يعتقد الكثيرون أيضاً: هو القومية الروسية التي عززها بوتين، والكره للغرب؛ هل حقق الروس لنا بعض ما نريد، نحن الشعوب التي عانت وما تزال من جشع الغرب وأنانيته؛ بالتأكيد أنجز الروس الكثير لأنفسهم ولشعوب العالم التي عانت أو ما تزال تعاني من أنانية الغرب وسطوته وتسلطه.

الغرب الأناني يستسيغ منطق القوة لأنه يمتلكها ويستخدمها لتحقيق أغراضه وأهدافه التوسعية والاقتصادية والسياسية، ولذلك يحاول منعها عن الآخرين؛ يحاول منع الآخرين من امتلاك القوة. ولذلك عندما امتلك العالم الجديد القوة، رضخ الغرب وتنازل، والحديث الآن عن قمّتين قريبتين للرئيس الأمريكي مع كل من نظيريه، الرئيس الكوري الديمقراطي (الشمالي)، والرئيس الروسي بعد أن أعلن الأخيران امتلاك القوة المنافسة والمتفوقة؛ لقد وضعت كل من كوريا الديمقراطية وروسيا حداً للتسلط الغربي والأنانية الغربية والغرور الغربي.

في جولته من مكتبه إلى خطوط النار في الغوطة الشرقية، أظهر الرئيس بشار الأسد روح التحدي التي لطالما ميّزت الشعب السوري؛ قذائف الإرهابيين تتساقط على دمشق قبل وبعد جولته؛ لكنه يقود سيارته بهدوء ويتحدث للكاميرا المرافقة بثقة مفرطة وهو يعبر الشوارع نحو ساحات الحرب؛ وجوده على خط النار، مع العسكر، يؤكد لهم أنهم ليسوا وحدهم؛ معهم حق أن يهتفوا بالروح بالدم نفديك؛ هم يفدون ما يمثل من قيم وتحد وكرامة وطنية وصمود وصبر، وهم يرفضون أن تكون بلدة "حرستا" أو "وداي عين ترما" في الغوطة الشرقية على جدول النفاق اليومي للرئيس الأمريكي أو الفرنسي أو ولي العهد السعودي، ويقولون هذه أرضنا وشعبنا وهذا ليس شأنكم: نحن نقرر ما نريد وفي أي موقع يكون بلدنا وإلى أي اتجاه يسير؛ ومعه حق الرئيس الأسد بالذهاب إلى خطوط النار الأولى ليؤكد للمقاتلين، ومن بينهم، أنه يستمد العزيمة منهم وأنّ بطولاتهم ترسم أسس النظام العالمي الجديد.

الرئيس الأسد قام أثناء جولته بعمل مهم لم يركّز عليه الكثيرون إما جهلاً أو تجاهلاً؛ لقد زار الأهالي الخارجين من تحت سيطرة الإرهابيين في الغوطة؛ هؤلاء أيضاً هتفوا بالروح بالدم نفديك، وهذا ليس أمراً قليلاً، لأنه يؤكد ما قاله الرئيس الأسد قبل بدء معركة تحرير الغوطة بأن الأهل هناك يريدون العودة إلى حضن الدولة والتخلص من سطوة الإرهابيين وعذابهم، وقد تأكد ذلك بلقائه بهم. هل ردّت جولة الرئيس الأسد على التهديدات الأمريكية والفرنسية والبريطانية؟! بلى، وقد توقف نعيق الغربان الغربية، وتراجع الحديث عن أنانيتهم، وعن العدوان على سورية وجيشها البطل وشعبها الصامد.

وبالأمس، عاد كيان العدو "الإسرائيلي" ليعترف بأنه دمّر مجمعاً سورياً في دير الزور قبل عشر سنوات؛ يا للهول؟! لماذا الاعتراف بالإنجاز الآن؟!! العدو "الإسرائيلي" لا يقوم بشيء إلا لغاية: ببساطة أراد أن يرسل رسالة ردعية تقول إنه موجود وإنه قد يكرر فعلته إذا اقتصى الأمر ضد سورية وإيران وغيرهما. لكن ما هو مؤكد أيضاً أنّ الرسالة الردعية لم ولن تصل، لأن قوة مرسلها أقل من قدرته على تنفيذ مضمونها؛ ولأن إرادة النصر أقوى عند محور المقاومة، ولأن سلاح الانتصار موجود بكثافة، ولأن رسائل العدو تعكس خوفه وضعفه وحدود إمكاناته وليس ثقته بنفسه ووفرة مقدراته.. والبحث عن الأمجاد الغابرة لديه، ومحاولة نفض الغبار عنها دليل لا يقبل الشك على ما نقول.. لكنّ أنانيته قد تدفعه إلى الموت في البحث عن امتلاك القوة..!!

أجل، أصبح الجميع يدرك بعد سبع سنوات من الحرب على سورية ـ سواء أقرّ أم لم يقرّ ـ لماذا كانت هذه الحرب علينا؛ لماذا كان مطلوباً أن تغيب سورية عن الساحة العربية، وأن يتوقف دورها العروبي، ولماذا بدأت الحرب على سورية بإخراجها من الجامعة العربية؛ إنّ نظرة متفحصة لإنجازات العرب الساقطة بغياب سورية تجعلنا متأكدين من أبعاد المخططات التي اعترف بعض العرب المشاركين فيها بأدوارهم القذرة؛ سورية كانت تقف في وجه تسليم فلسطين وتهويدها، وفي وجه مخططات التطبيع وإسقاط المقاومة؛ سورية كانت تقف حائلاً دون التفريط بالحقوق العربية، ولذلك كان مطلوب إبعادها وشلّ دورها من قبل الغرب والعدو الصهيوني والمتصهينين العرب؛ أنانية هؤلاء ومصالحهم دفعتهم إلى شنّ الحرب التدميرية على سورية دون رحمة.

قلنا قبل سنوات أنّ "سورية قلب العالم، وليست قلب العروبة النابض فقط"؛ استهزأ البعض ورأى ذلك غلواً؛ اليوم، يعترف الجميع ويقرّ بأنّ ما يجري على الأرض السورية سوف يحدد مصير النظام العالمي الجديد وشكله ومستقبل العلاقات الدولية؛ ماذا يعني ذلك؟!

العالم يتغيّر لصالح قوى جديدة، تمتلك عناصر القوة أمام تراجع الأحادية القطبية؛ هذه القوى أنانية بالطبع، لكنها ليست جشعة بقدر سابقتها، وما زالت روحها نقيّة أو أقلّ تلوثاً.. ماذا سيحدث غداً، ليس أمراً يسيراً التنبؤ به.. لكنّ غداً لناظره قريب..؟!!!

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.