تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

انكشاف العمق الدفاعي السعودي.. فهل المعركة القادمة على الأرض السعودية..؟!

مصدر الصورة
محطة أخبار سورية - خاص

بقلم : بديـع عفيــف

         ذات يوم قسّم زعيم تنظيم القاعدة، السعودي أسامة بن لادن، العالم إلى فسطاطين؛ الخير ويضمه وأتباعه، والشرّ ويضم كل من خالفه ولم يتبعه؛ ويبدو أنها ليست عقلية بن لادن فقط، بل هي عقلية سعودية تعكس أساس ومنهج التفكير في مملكة الخوف؛ التفكير الذي يبدو أنّ النظام السعودي ينهجه في علاقاته مع الداخل والمحيط والعالم. أكثر من ذلك، فإن آلية تفكير النظام السعودي تعكس سيطرة فكرة "الخضوع للقوي، وإخضاع الضعيف". وهذه السيطرة تتضح في الخضوع السعودي المطلق للغرب ولاسيما الولايات المتحدة؛ أحلام واشنطن مستجابة، فكيف طلباتها وأوامرها؛ في المقابل، يمارس النظام السعودي ظلمه وتجبره و"ساديّته" على الحلفاء والأقربين بغرض استعراض القوة التي يحتاج إلى إبرازها لتأكيد سطوته مقابل الإذلال الأمريكي والغربي له؛ ولعل في عملية استدعاء واحتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في الرياض خير مثال على ذلك.

لكنّ المشكلة أنّ النظام السعودي لا يستطيع الخروج على ما يبدو من السياسة التي مارسها إبان انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي، وفي زمن التفرّد الأمريكي في قيادة العالم؛ العالم تغيّر، الولايات المتحدة لم تعد القطب العالمي الأوحد؛ التمرد على قيادتها شهدناه قبل أسابيع في مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، أثناء التصويت على قرارات بشأن القدس وفلسطين؛ فرغم التهديدات والوعيد الأمريكي، فقد صوتت 128 دولة ضد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعتبار القدس عاصمة للكيان "الإسرائيلي"، تصدرتها دول أوروبا الغربية وشركاء واشنطن في حلف الناتو.

ما نريد قوله إن النظام السعودي يحاول ببطء شديد التكيف مع تراجع هيمنة الولايات المتحدة وبروز الصين وروسيا كقوتين كبيرتين تقودان العلاقات الدولية إلى عالم متعدد الأقطاب اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً؛ ما زال النظام السعودي يعتمد مبدأ شراء المواقف واستئجارها في الملفات التي تواجهه؛ ما زال يعتمد لغة التهديد والوعيد والضغوط الإعلامية والسياسية والاقتصادية؛ وما زال النظام السعودي يستخدم العواطف والانفعالات في علاقاته العربية والإقليمية بدلاً من لغة المصالح المشتركة.

النظام السعودي هجر العراق 27 عاماً وتركها للغرب الأمريكي والأوروبي، ومن ثم لإيران التي بنت علاقات وطيدة في العراق، ثم استيقظ فجأة وحاول العودة من جديد، بعدما تغيّرت الأحوال وتبدلت، وأصبح من الصعب تغيير أو قلب المعادلات القائمة، ولم يفعل النظام السعودي شيئاً لوقف الحرب في العراق وعليه؛ بل كان مشاركا وممولاً لهذه الحرب التي أنهكت العراق

وأوجدت تنظيم "داعش" الإرهابي وما تلاه؛ النظام السعودي يريد شراء موقف مصر؛ فإما أن تكون كما يريد، تنفّذ التعليمات دون مجادلة أو يوقف المساعدات عنها ويرميها بحجاره وإعلامه؛ ورغم تراخي موقف النظام المصري والحاجة الاقتصادية التي تكبّل مصر، فإن من الصعب على القاهرة الرضوخ تماماً للمطالب السعودية، وقد برز الاختلاف واضحاً في موقف البلدين من الحرب على سورية؛

وفي سورية، بدا النظام السعودي رأس حربة في الحرب على هذا البلد تخطيطاً وتمويلاً ورعاية للإرهاب والإرهابيين، لكأن سورية، أول أعداء النظام السعودي وآخرهم؛ وفي الحرب السعودية على اليمن، أقلّ ما يُقال أنّ هذه الحرب أفقرت ودمّرت هذا البلد العربي لعقود عدة قادمة؛ ولماذا يعزل النظام السعودي الآن الأردن الذي يبتلع الموس من حديه؛ أما قطر، فغير مسموح لها أن تتبنى خطاً لا يرضخ للمشيئة السعودية ولذلك كانت الحرب على الإمارة الصغيرة المشاغبة؛ وفي لبنان، حيث اعتاد النظام السعودي بعد اتفاق الطائف أن يمارس سياساته ويفرض إملاءاته، فقد تغيّرت الظروف والأوضاع والمعادلات وأصبح للقبول بالإرادة السعودية حدوداً واضحة جداً.

ماذا جنى النظام السعودي في المحصلة؛ تدمير اليمن؛ تفكك مجلس التعاون الخليجي وشلّ دوره؛ تراجع مكانة العراق ودوره؛ تخريب سورية وإبعادها عن الفعل والتأثير في القرار العربي والإقليمي لسنوات؛ تحجيم مصر ودورها العربي والإقليمي وتراجع مكاناتها الدولية وتأثيرها؛ عزل الأردن ومضايقته والضغط على لبنان وإرهاقه. فماذا كانت النتيجة؟!!

انكشاف الأمن الاستراتيجي العربي أمام الأخطار المحدقة وتراجع التعاون والتنسيق العربي وسعي كلٍّ من البلدان العربية لتأمين حمايتها الذاتية بعيداً عن التكامل العربي والمظلة العربية؛ تقدّم الدور الإيراني والتركي و"الإسرائيلي" في المنطقة (بغض النظر عن إيجابية الأول وسلبية الثاني وعدوانية الثالث) لملء الفراغ الذي تركه غياب سورية وتراجع مصر وانكفاء العراق؛ وما زال النظام السعودي يمارس خداع الذات عبر اجتماعات يعقدها في المملكة، يمولها بالملايين والمليارات من الدولارات، وينفخ فيها ويضخّمها؛ لكنّ حصن الحماية الأخير الذي اخترعه هذا النظام هو تشكيل مجلس سعودي إماراتي.. ووضع قانون جاستا الأمريكي في الثلاجة لحين؛ فالأمريكان لا ينسون مصالحهم أبداً..؟!

النظام السعودي أرسل قواته إلى اليمن وهي هناك منذ سنتين ولم تحقق، باعتراف الجميع سوى القتل والتخريب وحرق البلد والناس؛ أي إنجاز تباهي به سلطة ابن سلمان في اليمن؟! محمد بن سلمان نفسه هدد بنقل الحرب إلى داخل الأراضي الإيرانية (هل حقاً؟!)، ولكننا لم نسمع منه أو ممن حوله كلمة واحدة ضد "إسرائيل" التي تحتل المسجد الأقصى وتدنسه منذ عشرات السنين؟! ألهذا الحدّ يمتلك النظام السعودي من القوة والمال والسلاح ليحارب في الشرق والجنوب والشمال والغرب ولا يمتلك القوة لمحاربة "إسرائيل"؟! أجل! لأنه لا يمتلك الإرادة لمحاربة "إسرائيل".

والسؤال ماذا لو أعلنت إيران وقالت ما قاله ابن سلمان بالحرف عن نقل الحرب إلى داخل الأراضي السعودية؟! سيثور الإعلام السعودي ولكن النظام البائس لن يستطيع أن يفعل شيئاً؛ فها هي تركيا تتمدد حوله وتحاصره؛ تنشر الجنود والقواعد العسكرية في قطر ومؤخراً في السودان، فماذا بوسع النظام السعودي أن يفعل؟!

وفي ما كتبه الصحافي السعودي جمال خاشقجي في "واشنطن بوست" الأمريكية قبل أيام، ودعوته لابن سلمان للإعتبار من الاحتجاجات في إيران، رسالة بالغة الأهمية لمن يستخدم عقله ويعتبر؛ وصف خاشقجي الإعلام السعودي “بالهستيري” في تغطيته للأحداث الإيرانية، لأن المشاهد السعودي قد يعتقد أن النظام الإيراني أوشك على السقوط، في حين تبقى المملكة في صمت رسمي حول ما يدور في إيران "مخافة" أن يكون تبني المتظاهرين، بمثابة تشريع لحراك في السعودية. ورأى خاشقجي أن على ولي العهد أن “يتحرر من رهاب الديمقراطية والربيع العربي”. واستغرب خاشقجي إبداء وسائل الإعلام السعودية دعمها للهبة الشعبية الإيرانية، في الوقت الذي يحرم فيه النظام السعودي مواطنيه حتى من انتقاد قرار خفض دعم الوقود.

بالمحصلة، إبعاد سورية من الجامعة العربية ليس انتصاراً للنظامين السعودي والقطري وليس إنجازاً، والأهم أنه ليس شرفاً لهما يباهيان به؛ أما أن يكونا رأس حربة في الحرب عليها، فهذه جريمة حرب وجريمة أخلاقية لأنها ضرب للعلاقات العربية والتعاون العربي في الصميم؛ تحجيم دور مصر وإفقارها وتخديرها ليس اختراقاً وليس عملاً بطولياً ولا إنجازاً استراتيجياً، اللهم إلا إذا كنا ننظر من زاوية المصالح الإسرائيلية التي تتماهى معها المواقف السعودية؛ دفعُ العراق لحرب مدمّرة مع إيران لمدة ثماني سنوات، ثم الاشتراك مع الغرب بالحرب عليه لعقدين آخرين ليس شهامة عربية ولا مجداً يمكن المباهاة به؛ أما الحرب على اليمن فهي الإدانة التي لا تحتاج إلى محام أو قاضٍ ليعلنها..؟! وليس تكريماً للنظام السعودي ولا مدعاة للفخر والاحترام، إعلان الرئيس ترامب أنه قام بانقلاب في المملكة وعيّن رجله هناك..؟! ومع ذلك، فإن محصلة كل حروب النظام السعودي قد ارتدت عليه وخلاصتها انكشاف النظام السعودي وانهيار عمقه الإستراتيجي لتكون المعركة القادمة على أرضه وفي عقر داره في مرحلة قادمة من مراحل الفوضى الخلاّقة..؟!

ونسأل بعد كل ذلك لماذا استخفّ بالعرب وتجرأ الرئيس الأمريكي والكيان "الإسرائيلي" على القدس..؟!!

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.