تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الجريمة الإرهابية (1):

مصدر الصورة
SNS

 

مفهوم وتاريخ الجريمة الإرهابية:

العنف والتطرف والإرهاب مصطلحات ومفردات أصبحت متداولة في الإعلام بأغلب دول العالم وكذلك الأمر  في المجتمع السوري وغدت بتأثيرها المدعوم من الخارج مصدراً للمعاناة اليومية والهاجس الذي يؤرق استقراره، حيث أن العمليات الإرهابية  تستهدف اليوم الشعب السوري وتبث الرعب في نفوس المواطنين, لكن الصمت الدولي حيال ما يجري من فظائع وانتهاكات لحقوق  للإنسان, وتبرير ذلك وغض الطرف عنه، كلها أمور تدفعنا للوقوف عند مفهوم الإرهاب. وهل هذا الموقف المريب من تلك الدول ينسجم حقيقة مع ما هو راسخ  في قواعد القانون الدولي؟ أم أن الأمر مجرد أكذوبة أو وسيلة يستخدمها الغرب الاستعماري للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى؟

مفهوم الإرهاب:

          ليس لمصطلح "الإرهاب" محتوى قانوني محدد، فقد تعرّض مدلوله للتطور منذ جرى استخدامه في أواخر القرن الثامن عشر. وقد تغير ذلك المدلول من وقت لآخر،  فبينما كان يقصد به في البداية تلك الأعمال والسياسات الحكومية التي تهدف إلى نشر الرعب بين المواطنين من أجل إخضاعهم لرغبات الحكومة، فقد أصبح يستخدم الآن لوصف أعمال يقوم بها أفراد أو مجموعات تتسم بالعنف وخلق جو من عدم الأمن لتحقيق هدف سياسي. وهو ما دفع بالأمم المتحدة في عام 1972 إلى إضافة لفظ دولي (International) إلى كلمة إرهاب، وإنشاء لجنة متخصصة لدراسة الدوافع والأسباب الكامنة وراء العمليات الإرهابية.

بهذا المعنى، يشمل الإرهاب عدداً من الأعمال، منها اختطاف الأشخاص وأخذ الرهائن وخاصة الممثلين الدبلوماسيين وقتلهم، ووضع المتفجرات والعبوات الناسفة في أماكن تجمع المدنيين كالفنادق والبنوك ووسائل النقل العامة.

          والأصل أن أعمال الإرهاب في غالبيتها أعمال يعاقب عليها القانون الوضعي في مختلف الدول حال ارتكابها فوق إقليم الدولة أو ملحقاته. ونظراً لتزايد الأعمال التي توصف بالإرهاب في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وخاصة جرائم الاغتيال السياسي، فقد أدى ذلك إلى ظهور بعض الجهود الهادفة للوصول إلى نوع من التجريم الدولي لتلك الأعمال، وضمان توقيع العقاب الرادع على مرتكبيها. وقد توجت تلك الجهود بوضع اتفاقية تجريم الإرهاب والعقاب عليه في ظل عصبة الأمم، والتي عرضت للتوقيع عليها في جنيف 16 تشرين الأول عام 1937. وهي بحق أول محاولة دولية لتقنين الإرهاب على الساحة الدولية، وذلك على الرغم من أنها لم تصبح نافذة المفعول نتيجة عدم التصديق عليها إلا من قبل دولة واحدة فقط. ولكن على الرغم من قصور هذه الاتفاقية وعدم التصديق عليها، إلا أنها كانت تعبّر عن رغبة الدول في حينه للتعاون على مكافحة الإرهاب بما يحقق سيادة الدول واحترام أنظمتها الدستورية.

ولم يهتم المجتمع الدولي بقضية الإرهاب إلا بعد خمسة وثلاثين عاماً من توقيع الاتفاقية، وتحديداً في أواخر عام 1972، أي بعد تنفيذ العملية الفدائية الفلسطينية في مطار اللد وقتل الرياضيين الإسرائيليين في ميونخ في ألمانيا في العام نفسه.

ولقد ازداد اهتمام هيئة الأمم المتحدة بظاهرة الإرهاب بسبب سعة انتشارها، وخاصة في السنوات الأخيرة، مما دفع الجمعية العامة للهيئة لإدراج بند الإرهاب على جدول أعمالها الأربعين. وتنم طريقة إدراجه عن مدى التباين في وجهات النظر بشأنه؛ فالبند هو: التدابير الرامية إلى منع الإرهاب الدولي، الذي يعرض للخطر أرواحاً بريئة أو يودي بها، أو يهدد الحريات الأساسية، ودراسة الأسباب الكامنة وراء أشكال الإرهاب وأعمال العنف التي تنشأ عن البؤس وخيبة الأمل، والشعور بالضيم واليأس، فتحمل بعض الناس على التضحية بأرواح بشرية وأرواحهم هم، محاولين بذلك إحداث تغييرات جذرية.

والواقع أن إدراج البند بهذا الشكل كان للتوفيق بين العديد من الاعتبارات، ولوضع حلٍّ وسط بين الدول فيما يعد إرهاباً، والتدابير التي يمكن أن تتخذ ضد الإرهابيين. وعندما وَضعت لجنة الإرهاب الدولي التابعة للأمم المتحدة مشروع اتفاقية موحدة بشأن الإجراءات القانونية لمواجهة الإرهاب الدولي عام 1980، عبّرت عن خصائصه بقولها:

"إن الإرهاب الدولي يعدّ عملاً من أعمال العنف الخطيرة أو التهديد به، يصدر من فرد سواء كان يعمل بمفرده أم بالإشتراك مع أفراد آخرين، ويوجه ضد الأشخاص أو المنظمات أو الأمكنة، أو وسائل النقل والمواصلات، أو ضد أفراد الجمهور العام، بقصد تهديد هؤلاء الأشخاص أو التسبب في جرحهم أو موتهم أو تعطيل فعاليات هذه المنظمات الدولية، أو التسبب في إلحاق الخسارة أو الضرر أو الأذى بهذه الأمكنة أو الممتلكات، أو بالعبث بوسائل النقل والمواصلات، بهدف تقويض علاقات الصداقة بين الدول، أو بين مواطني الدول المختلفة، أو ابتزاز تنازلات من الدول، كما أن التآمر على ارتكاب أو محاولة ارتكاب أو الاشتراك في ارتكاب أو التحريض العام على ارتكاب الجرائم، يشكّل جريمة الإرهاب الدولي.  

وعلى الرغم من الاهتمام الكبير بظاهرة الإرهاب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أننا لا نجد تعريفاً قانونياً محدداً للإرهاب، كما أنه حتى اللحظة لم يستقر المجتمع الدولي على تعريف واحد ومحدد ومقبول لمصطلح الإرهاب.

ولحسن الحظ فإن لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة، التي تقوم بتقنين الجرائم المخلّة بأمن وسلام الإنسانية، قد قدمت في المادة التاسعة عشرة من المشروع، التعريف التالي للإرهاب: "الإرهاب هو كل نشاط إجرامي موجه إلى دولة معينة ويستهدف إنشاء حالة من الرعب في عقول الدولة أو أي سلطة من سلطاتها أو جماعات معينة منها".

هذا التعريف يعطي العناصر الأساسية التي تقوم عليها جريمة الإرهاب. ولكن اللجنة لم تحدد المقصود بالنشاط الإجرامي، على الرغم من أن الأمثلة التي ضربتها على جرائم الإرهاب توضّح أن المقصود منه العدوان على الأرواح أو الأموال أو عليهماً معاً. كما أدخلت اللجنة ضمن الأنشطة الإجرامية المكوّنة للإرهاب صناعة الأسلحة وحيازتها وإمداد الإرهابيين بها لمساعدتهم على القيام بأعمالهم الإرهابية.  وقد يختلط الإرهاب في – بعض الأحيان – بغيره من النشاطات الإجرامية الأخرى الداخلية والدولية، وعلى وجه الخصوص ما يسمى بالجريمة المنظمة.

فالإرهاب وبما يشكّله من عدوان على الأرواح والأموال، يشكّل جريمة داخلية. ولكن الذي يعطي الوجه الدولي لهذه الجريمة هو حالة الرعب الشديد الذي ينشرها في عقول وقلوب الناس والحكام بشكل خاص,  لأن أي عدوان من هذا القبيل ينشر رعباً بين طوائف عديدة من الناس وينتشر سريعاً في مختلف الدول, فيحقق الهدف المنشود من العدوان وهو نشر قضية الإرهابيين وإشعار المجتمع الدولي بمدى الظلم الواقع عليهم.

وتكمن الصعوبة في تعريف العمل الإرهابي أنه لا يقتصر على توجيه فعل العدوان إلى عدو الإرهابي فحسب، بل أنه يتعداه إلى رعايا دول أخرى وأموال مملوكة لدول أخرى، ولعل هذا هو السبب الرئيس الذي يجعل العالم الآن مهتماً بالتعاون من أجل مكافحة الإرهاب، وخاصة الذي يقوم به الأفراد.

وقد عرف الفقيه الكبير عبد العزيز سرحان الإرهاب الدولي بأنه:

"كل اعتداء على الأرواح والممتلكات العامة أو الخاصة بالمخالفة لأحكام القانون الدولي بمصادره المختلفة بما في ذلك المبادئ العامة للقانون، بالمعنى الذي تحدده المادة (38) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. ولأنه كذلك، فإنه يقع تحت طائلة العقاب طبقاً لقوانين سائر الدول. وهو ما سبق أن استندت إليه الأحكام التي أصدرتها محكمة نورمبرج، ومحكمة طوكيو بخصوص معاقبة مجرمي الحرب العالمية الثانية.

ويُعدّ الفعل إرهاباً دولياً وبالتالي جريمة دولية، سواء قام به فرد أم جماعة أم دولة، ولكنه لا يعدّ إرهاباً ومعاقبٌ عليه في القانون الدولي إذا كان الباعث عليه الدفاع عن الحقوق المقررة للأفراد، وحقوق الإنسان والشعوب، أو كان يهدف للوصول إلى حق تقرير المصير، والحق في تحرير الأرض المحتلة أو مقاومة الاحتلال؛ لأن هذه الأفعال تقابل حقوقاً يقررها القانون الدولي للأفراد والدول، ويكون الأمر هنا متعلقاً باستعمال حق مشروع طبقاً لأحكام القانون الدولي والاتفاقية العرفية. وهذا ما أكدته ونصت عليه المادة الثانية من الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لعام 1998.

ولم تخرج هذه الاتفاقية في تعريفها للإرهاب عن المعاني والمضامين التي وردت في التعريفات السابقة، فقد عرفت الإرهاب بأنه:

"كل فعل من أفعال العنف والتهديد أياً كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الإستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر.

          وبالتالي فإن المشرّع  السوري في القانون رقم /19/ لعام 2012 والخاص بمكافحة الإرهاب، لم يخرج عمّا استقر من قواعد عالمية في تعريف الإرهاب، عندما عرّف العمل الإرهابي بالمادة الأولى منه  بأنه: كل فعل يهدف إلى إيجاد حالة من الذعر بين الناس أو الإخلال بالأمن العام أو الإضرار بالبنى التحتية أو الأساسية للدولة، ويرتكب باستخدام الأسلحة أو الذخائر أو المتفجرات أو المواد الملتهبة أو المنتجات السامة أو المحرقة أو العوامل الوبائية أو الجرثومية مهما كان نوع هذه الوسائل أو باستخدام أي مادة تؤدي الغرض ذاته. 

وفي  تعريفه  للمنظمة الإرهابية بأنها:

هي جماعة مؤلفة من ثلاثة أشخاص أو أكثر بهدف ارتكاب عمل إرهابي أو أكثر.  

ولا في العقاب بالمادة السادسة من القانون رقم/19/ على التهديد بالعمل الإرهابي والتي  جاء فيها أنه:

1ـ يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة من هدد الحكومة بالقيام بعمل إرهابي بهدف حملها على القيام بعمل ما أو الامتناع عنه.  

2 ـ وتكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة من خمسة عشرة سنة إلى عشرين سنة إذا رافق التهديد خطف إحدى وسائل النقل الجوي أو البحري أو البري العامة أو الخاصة أو الاستيلاء على عقار مهما كان نوعه أو الاستيلاء على الأشياء العسكرية أو خطف شخص ما.  

3ـ وتكون العقوبة الإعدام إذا أدى الفعل إلى موت الشخص.  

وهكذا، فإننا نخلص من عرضنا السابق لمفهوم الإرهاب في القانون الوطني والدولي، إلى أنَّ الإرهاب ظاهرة عالمية، وأنَّ  فشل الجهود الدولية حتى الآن في إيجاد تعريف موضوعي لمفهوم الإرهاب، والاتفاق على أسس لحل الأزمة السورية التي هي التطبيق الصارخ لمفهوم العدوان الإرهابي، إنما هو نتيجة  لتضارب مصالح الدول المؤثرة في العالم وازدواجية المعايير، خاصة أنه يوجد إجماع دولي حول بعض الأفعال التي تشكل إرهاباً، وقد اتُفق على شجبها ومكافحتها.

إن المشرّع السوري لم يخرج ـ فيما نص عليه في قانون مكافحة الإرهاب ـ على ما تم الاتفاق عليه من قواعد عالمية تم الإجماع عليها من قبل الأمم المتحدة، وإنَّ هذا الصمت الدولي عن إدانة هذه الأعمال التي تمارس على المواطنين السوريين وعلى الأرض السورية ومحاولة تبريرها والوقوف مع الجناة، يخالف ما أقرته الأمم المتحدة.  

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.