تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

في حكم فريد: محكمة مغربية ترفض دعوى إجبار زوجة على معاشرة زوجها

مصدر الصورة
وكالات

في حكم يصدر لأول مرة في المحاكم المغربية، أصدر قسم قضاء الأسرة التابع للمحكمة الابتدائية في الرباط، حكما في نازلة فريدة تتعلق بدعوى تقدم بها زوج في مواجهة زوجته لمطالبتها بمعاشرته جنسيا.
وتعود فصول القضية إلى تاريخ 18 حزيران/يونيو 2019، حين تقدم زوج بدعوى قضائية أمام قسم قضاء الأسرة في الرباط، يقول من خلالها إن المدعى عليها زوجته لم تُمكِّنه من معاشرتها جنسيا، رغم مرور وقت كبير على إبرام عقد الزواج، ملتمسا من المحكمة الحكم عليها بتمكينه من معاشرتها مع النفاذ المعجل، في حين أجابت المدعى عليها بكونها لا تمانع في المعاشرة الزوجية، شرط أن يلتزم زوجها بالمعاشرة بالمعروف وتبادل الاحترام والمودة تحت سقف بيت واحد.

طلب الزوج

وقررت محكمة الأسرة في الرباط رفض طلب الزوج بإجبار زوجته على معاشرته جنسيا، رغم وجود عقد الزواج، معتبرة أن المعاشرة الجنسية وما يقتضيه واجب المساكنة الشرعية بحسب المادة 51 من مدونة الأسرة هي في الوقت ذاته واجب وحقّ لكلا الزوجين. وأضافت أن الهدف من المعاشرة الجنسية داخل مؤسسة الزواج لا يتمثل فقط في تلبية رغبات غريزية وقضاء عابر للوطر، بل قرنها المشرع بآداب المعاشرة التي يجب التقيّد بها من طرف الزوجين عند صفاء الجو بينها. ولا يُتصور قط احترام هذه الآداب متى وجد ما يكدر صفو الحميمية ويقوض انجذاب الشريك لشريكه.
ورأت المحكمة أنه لا يجوز تنفيذ المعاشرة الجنسية من طرف الزوجة جبرا بعد الحكم بها قضاء، لأن ذلك يجافي مقاصد الشرع من الجماع المتمثلة في بعث السرور عند الزوجين معا توطيدا للعلاقة بينهما.
تعليقا على الموضوع، قالت «المفكرة القانونية»، وهي منظمة غير ربحية للأبحاث والمناصرة وتضم مجموعة من القانونيين والباحثين ونشطاء حقوق الإنسان، إن هذا الحكم القضائي «من بين التطبيقات القضائية النادرة لدعاوى البِناء، وهي الدعاوى التي يطلب فيها الأزواج من القضاء تمكينهم من الدخول بزوجاتهم، إذ أن غالبية القضايا المعروضة على المحاكم تتعلق بالرجوع إلى بيت الزوجية».
تترتب على واقعة البناء بالزوجة أو الدخول عدة التزامات مالية ترتبط باستحقاق المهر. كما قد يترتب عليها آثار أخرى تتعلق بالنفقة وتاريخ استحقاقها، إلى جانب ما قد يترتب عن رفع هذه الدعوى من آثار في مدى اعتبار أحد الزوجين مسؤولا عن الإخلال بالواجبات المشتركة طبقا للفصل 51 من مدونة الأسرة في المغرب مما قد يرتب في حقه التعويض عن الضرر في حالة إنهاء عقد الزواج. وعلى الرغم من هذه الآثار التي تترتب عن الواقعة، رفضت المحكمة الحكم بإلزام الزوجة على المعاشرة الجنسية لزوجها، مؤسسة قضاءها على أن العلاقة الجنسية بين الزوجين ينبغي أن تنفذ بشكل رضائي لا بشكل قضائي.
«تؤسس المحكمة من خلال هذا التعليل لاتجاه قضائي بارز يجعل العلاقة الزوجية قائمة على الاختيار لا على الطاعة والإجبار. وهي بذلك تضع حدّا لاتجاه موجود داخل الفقه واجتهاد بعض المحاكم مفاده أن عقد الزواج يجعل الزوجة في حالة موافقة ضمنية على أي علاقة جنسية تتم بينها وبين الزوج، ما لم يكن هناك مانع صحي أو “ديني”. كما في حالة صوم الزوجة خلال شهر رمضان أو كونها حائضا»، يقول خبراء المفكرة القانونية.

تجريم الاغتصاب الزوجي

ويأمل نشطاء وفاعلون مدنيون أن يساهم هذا الحكم في دعم الاتجاه القضائي القائل بإمكانية تجريم الاغتصاب الزوجي، رغم عدم وضوح النص القانوني، وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن غرفة الجنايات الاستئنافية في مدينة طنجة، شمال المغرب، سبق وأن قضت بتجريم الاغتصاب الزوجي في حكم فريد.
هذا الحكم القضائي، قسم آراء المغاربة بين رافض ومرحِّب وإن كان العامل المشترك بين الجميع هو الاستغراب، مريم ل.، كتبت على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «إذا كان لهذه المرأة عذر شرعي أو تعاني من الإساءة وسوء المعاملة فهي معذورة. لكن إن كانت ترفض معاشرة زوجها ظلما وعدوانا فهي آثمة بذلك ومحاسبة أمام الله عز وجل، حتى وان كان الحكم الدنيوي في صالحها»، وقالت رميساء ك.: «حكم جميل وصحيح وهو اجتهاد قضائي، صائب أو غير صائب شرعا لا ندري».
في نظر عبد الرحمن ي.، «إذا كانت بينهما مشاكل كان الأولى محاولة الصلح بينهما وعلاج نقاط الاختلاف بين الزوجين عِوَض الانتصار للزوجة التي رُبما قد تكون تعمَّدت منع زوجها من معاشرتها عقابا له، المهاجرة في الفراش شرعاً هي من حق الزوج عقابا لزوجته في بعض الحالات لكن السيد القاضي عكس المسألة»، أما سمير ن. فكتب: «لا شك أن العلاقة الشرعية من حق الزوج لكن برضاها، لا أعرف كيف يفكر الزوج بطلب هذا من المحكمة؟ فضحتَ نفسك أمام الناس، لم نتعود أن تذهب تفاصيل هذه الأمور إلى المحكمة».
سميرة موحيا، رئيسة «فدرالية رابطة حقوق النساء»، استقبلت صدور هذا الحكم بارتياح، موضحة لـ»القدس العربي» أنه يجسد روح مدونة الأسرة القائمة على المساواة بين الجنسين في رعاية الأسرة ويكرس التطبيق العادل للقانون، وفق تعبيرها، معتبرة أنه فُرصة لدعم مطالب الفدرالية المتعلقة بمراجعة شاملة لمدونة الأسرة خاصة على مستوى ربط مجموعة من الحقوق المعنوية بالحقوق المادية، وصياغة مدونة الأسرة صياغة تقطع مع المقتضيات التي من شأنها تكريس دونية المرأة كالبناء والنشوز والمتعة وغيرها.
«لا يُعقل اليوم وفي زمن الفصل 19 من الدستور الذي أكد على المساواة بين الجنسين في الحقوق والحريات سماع دعاوى تتعلق بواجب الطاعة أو النشوز، في زمن أصبح فيه للمرأة كيان مستقل، بل وأصبحت النساء تقود الأسر وتعولها ومحاضرة في الفضاء العام» تقول موحيا لـ «القدس العربي».
وترى الناشطة في مجال حقوق المرأة، أن الحكم له شق ايجابي لأنه يكرس مبدأ التراضي في العلاقة الجنسية داخل مؤسسة الزواج ويدحض الاعتقاد القائم لدى بعض الذهنيات في أن عقد الزواج يجعل الزوجة في حالة رضا دائم وملك للرجل. كما يشكل أداة فاعلة لضمان الترافع لتجريم الاغتصاب الزوجي.
رئيسة «فدرالية رابطة حقوق النساء»، اعتبرت أن هذا الاجتهاد القضائي دليل على أهمية مراعاة بُعد النوع الاجتماعي في تشكيل الهيئات القضائية، فهناك أمور لا يمكن أن تفهمها إلا النساء، مُثمِّنة تواجد النساء القاضيات في أقسام الأسرة على صعيد المحاكم الابتدائية، وداعية إلى تواجدهن بشكل أكبر في محاكم الاستئناف، وأن يتمكَّنَّ من كسر السقف الزجاجي الذي يحُول دون تواجدهن في الغرفة الشرعية بمحكمة النقض بالقدر الكافي.

مصدر الخبر
القدس العربي

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.