تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

3 أيام في المشفى الشعبي المستقل بالدريكيش

مصدر الصورة
sns

 

محطة أخبار سورية

عندما يضطر أحدنا لزيارة أي مستشفى لمعايدة مريض أو لإجراء فحوصات سريعة تستغرق زيارته بضع دقائق، أو ساعة قد لا تكون كافية أبدا، لتقييم وضع أي مستشفى، أو مستوى الخدمة فيه، وإن كانت تعطي صورة مبدئية عن الوضع.

 

ولكن عندما يضطر أحدنا للنوم في المستشفى ثلاثة أيام أو أكثر، ليس مريضاً بل مرافقاً لأحد أقربائه، عندها يستطيع معاينة الواقع بدقة أكثر وشمولية أكبر، وبكل تفاصيله حلوها ومرها، ويكون لديه متسعا من الوقت للتعرف أكثر وعن قرب على تفاصيل العمل.

 

ثلاثة أيام قضيتها في مستشفى الدريكيش الحكومي الشعبي المستقل، برفقة أحد الأقرباء لمعاونته أثناء مرضه. الإجراءات في المستشفى ليست معقدة وليست بسيطة ولكنها خاصة. بل وكل الإجراءات في هذا المستشفى تعتبر خاصة أيضاً. ولا أقصد القول أنها سيئة، ولكنها لا تقاس بالمقاييس المعروفة للمشافي. وإذا كنت لا تفهم البيئة المحيطة بالمستشفى والواقع السكاني والعقلية الشعبية التي يتعامل معها القائمون على المستشفى، واقتصرتْ نظرتك على ضرورة تطبيق القوانين فحسب، فلن تستطيع فهم شيء، وستحمّلهم مسؤولية كبيرة وخطيرة.

 

الخدمات، ضمن الإمكانات، مقبولة بشكل عام، بل جيدة أحياناً. ولكن الممرضات مثلاًً لسنَ معنيات بمرافقة المريض أياً يكن وضعه؛ فهذه مهمة يقوم بها أقرباؤه. فمثلاً، عندما يفرغ كيس المصل المعلق، على القريب المرافق أن يتوجه إلى غرفة الممرضات لمناداة الممرضة لتبديله. وقد تتذمر الممرضة وتتأفف ولكنها تقوم بعملها. وعندما يحتاج المريض العجوز، الذي لا يعرف التعامل مع الأمور الطبية لأي شيء، يلبي المرافق القريب طلبات مريضه. طبعاً، لا أحد يسأل إن كان المرافق على علم بالعمل الذي يقوم به أم لا، أو إذا كان لدى المريض من يرافقه أصلاً. بل ويقوم بعض المرافقين للمرضى بمساعدة بعضهم البعض بطريقة تعاونية تعكس الطبيعة البسيطة لهؤلاء.. ولكن هذا له تأثير كبير على الجو داخل المستشفى: فقد تحولت غرف المرضى إلى مساحات لأشخاص من مختلف الألوان والمشارب، أحيانا يدخنون وأحياناً يأكلون (تجد مختلف أنواع الطعام، من الكباب إلى الحلويات العربية إلى الفطائر وخبز التنور...) وأحيانا يتسامرون، والأهم أن الرقابة الطبية على كل هؤلاء ليست موجودة وقد يكونوا حاملي فيروسات تسبب العدوى وانتقال العديد من الأمراض.

 

والمشكلة كما قلت، ليست بسبب إهمال الممرضات لواجبهن، بل لها جانب آخر أهم وأصعب؛ وهو أن المواطن هناك لا يقتنع إلا بمرافقة مريضه، والأقرباء والأصدقاء والمعايدين والمحبين لا يكفّون عن زيارة المرضى في كل الأوقات وعلى مدار الأربع والعشرين ساعة وبأعداد كبيرة وأفواج متزاحمة. وإذا ما تشددت إدارة المستشفى في إجراءات منع الزيارة تقوم الدنيا ولا تقعد. وبالنتيجة، فإن ما يحصل هو ان الواقع الشعبي يفرض نفسه في كثير من الأحيان على القانون الطبي والسلامة والطبية والعلاجية، وتتحمل المستشفى ما لا طاقة لها به.

 

معظم الأطباء في مستشفى الدريكيش طيبون وذوو خبرة جيدة ومتعاونون. ولكن من ينفذ التعليمات!؟ فالمواطن لا يصل إلى المستشفى إلا بعد ان يكون في الرمق الأخير وقد هدّه المرض. والمواطن يريد الشفاء منذ لحظة مقابلة الطبيب، وهو لا يلزم نفسه إتباع إرشادات الطبيب ولا تناول الأدوية. المريض يختار في الغالب ما يناسبه من الإرشادات سواء في الحمية الغذائية أو تناول الأدوية. أغلب المرضى يتناولون الأدوية دون التزام بالمواعيد المحددة، ويقررون إيقاف تناول بعض الأدوية أو تناول أدوية أخرى حسب مزاجهم، ودون العودة للطبيب المداوي، فيختلط العلم بكل الأشياء الأخرى، ولذلك تكون النتائج متناقضة أيضاً. هذا، ناهيك عن التدخين.

 

لكن بعض الأطباء يقومون بعلاج بعض المرضى خارج اختصاصاتهم، وهو ما يترك آثاره السلبية على ثقة المرضى بقدرة الأطباء وكفاءاتهم. وقد قال لي احد الأطباء "إننا (أي الأطباء) نتحمل مسؤولية هذه الفوضى لأننا نعتبر أنفسنا نفهم في كل شيء، وهذا ما انعكس على ثقة المواطنين بنا".

 

النظافة في المستشفى تعكس واقع الحال كثيراً. ففي الأيام الثلاثة التي قضيناها هناك لم يتم تبديل شراشف المريض الذي كنت برفقته ولا وجه وسادته، ولكن تم تبديل شراشف السرير المجاور في نفس الغرفة أكثر من مرّة، مع أن قاطنه يعاني نفس المرض. أما الحمامات ومرافق المستشفى فهي بائسة بكل أسف، رغم ان المبنى ليس قديماً ورغم أنه جرى ترميمه أيضاً، ولكن سوء التنفيذ والاستخدام واضحين ولا حاجة للكثير من الجهد لملاحظة ذلك. وكنت أقوم بنفسي بتنظيف حمام الغرفة التي بقيتُ فيها بعدما اشتريتُ المنظفات الخاصة بذلك من الكشك عند باب المستشفى.

 

بإيجاز، ورغم العديد من الملاحظات السلبية، يقدّم مستشفى الدريكيش خدمات جليلة ويمكنك سماع الناس وهم يدعون بالخير لمن كان السبب في إنشائه، ويتمنون له التوفيق. ولكن هذا المستشفى الذي يخدّم منطقة بأكملها، يسير وفق قوانين وأنظمة تكاد تكون خاصة به في النظافة والنظام وساعات الدوام وكيفية استقبال المرضى ومرافقيهم والزوار وتعامل الأطباء والممرضات والمحسوبيات: إنه المستشفى الشعبي المستقل بامتياز.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.