تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

رسالة مفتوحة إلى المعارضة الداخلية

مصدر الصورة
SNS

 

إتَّقوا اللَّه في سورية ولا تكونوا أوَّل وقود للفتنة أقول: إتقوا اللَّه لِمن كان منكم يؤمن باللَّه تعالى أقول: إتقوا الوطن لمن كان منكم يؤمن بهذا الوطن أقول: إتقوا مدينَتكم لمن كان يؤمن منكم بمدينته أقول: إتقوا عشيرتكم لمن كان يؤمن منكم بعشيرته أقول: اتقوا قريتكم لمن كان يؤمن منكم بقريته أقول: إتقوا أسرتَكم لمن كان يؤمن منكم بأسرته أقول: إتقوا أنفسكم لمن كان منكم يؤمن بنفسه . ولا تكونوا أوَّل وقود لفتنة لا تُبقي ولا تذر ، لا سمح اللَّه ولا قدَّر .

 

لقد قرأت إعلانكم عن اجتماع في فندق سمير أميس بتاريخ 26 حزيران بعد أن عرَّجتم على فندق شيراتون وعددُكم مائتان وخمسين شخصاً . أخاطبكم أنتم معارضة الداخل ولا اعتبار ولا قيمة عندي للذين نُصِّبوا معارضين في الخارج . وأسألكم بحق هذا الوطن : أما وُجهت إليكم دعوةٌ للحوار الوطني الشامل لجميع أطياف المجتمع بغية الوصول إلى تنفيذ قوانين الإصلاح ؟ فلماذا تصِّرون على ائتماركم أنتم وحدكم فقط وتقصون الآخرين ؟ لا عذر لكم عندي رغم كل جراحات وآلام الماضي فأمنُ سورية ووحدةُ أراضيها وعزتُها وسلامةُ جميع مواطنيها يعلو ويسمو فوق كل الدعوات والشعارات ؟ أنتم الآن ترفعون شعارات الحرية والديمقراطية ؟ فإلى أية ديمقراطية تدعون ؟ نحن لم نعرف غيرَ الديمقراطية الغربية وخاصة منها الأمريكية التي رأيناها كيف دَمقرَطت معارضي وشعبَ العراقَ وأفغانستان وليبيا وقبلها لبنان ، أعيذكم أن تغترُّوا فتحملوا وتصيروا من أصحاب تلك الدعوات .

 

ولكني أذكركم بما غاب - كما أرى - عن ثقافة جميع مُدمقرَطي العرب في كل مكان ، أن الأحزاب السياسية في برلمانات الدول الديمقراطية وعلى رأسها الكونغرس الأمريكي وكندا حيث أقيم منذ 44 عاماً ، أنه عندما تدهم دولتَهم أو شعبَهم أزمةٌ يُهرعون ليتحِّدوا ويُعلنوا على الفور أنهم يضعون خلافاتهم جانباً ويدعمون رئيسَ الدولة والجيش والنظام والإعلام و ... و ... بل يؤيدون دخول الجيش إلى المدن كما حصل هنا في مونتريال عام 1968 على أثر خطف الملحق التجاري البريطاني من قبل مجموعة من المعارضين فتطوَّع الوزيرُ بيير لا بورت يومئذ فسلَّم نفسه رهينة للخاطفين مقابل إطلاق سراح البريطاني المخطوف فكانت النتيجة أن قتلوا الوزيرَ الشريف فصار ضحية إرهابهم ولكن نجا المخطوف ببركة أهل السماء إن لم أقل بحنكة ودهاء وسياسة أهل الأرض !!!

 نعم لقد قرر رئيسُ وزراء كندا بيير ترودو يومها إنزال الجيش الذي شهدناه إلى شوارع مونتريال لإخماد الفتنة وإعادة استتباب الأمن وواقفته المعارضة حرصاً منها على المصلحة العليا للوطن . وفي أيامنا هذه رأينا قبل شهرين تقريباً أحزاباً معارضة في دولة أوربية – في بروسيا البيضاء على ما أذكر– بعد دعوتها البرلمان لحجب الثقة عن حكومة بلادهم ليسقطوها ويستلموا زمام السلطة ، فأعلنوا على الفور عن سحبهم طلب اجتماع طارئ للبرلمان الذي كان سيُعقد بعد يومين فقط بسبب حدوث مشكلة خطيرة تعرضت لها دولتهم . نعم ، قررت تلك المعارضة الواعية والوطنية الوقوفَ وقفة رجل واحد لإنقاذ بلدهم من أزمته.

 فيا أعزائي وأخوتي من المعارضين داخل سورية ألا ترون كفايةً بما يجري على أرض سورية الحبيبة طوال ثلاثة أشهر من نكبات وكوارث لم نعرف لها في وطننا مثيلاً ، ولعل البعض لا يصدق ولا يشعر بحرارة النار حتى تمسَّ جلدَه هو بالذات ، وليس ذلك إلا بسبب التقليد الأعمى ، ولما انطوى عليه البعض من مكابرة وجدال وعدم الإقرار بالحقيقة ، فنحن قومٌ - مع كل أسف تعلمنا أن "لا نُحاوِر" بل " نُجائِر" ، ويتحتَّم علينا - إن أردنا الحياة الحرَّة الكريمة - طردُ هذا الفرعون الصغير القابع في الصدور منذ قرون .

 أنا لستُ سياسياً ولا حزبيًا وأنا كنت وما زلت أدعو إلى الإصلاح في جميع مناحي الحياة في سورية ، ولقد عجبتُ من خلال دراساتي لتراث وتاريخ وعقلية أمتنا لوجود أناس بلغت فيهم المكابرة إلى هذا الحدِّ المُفزع واللَّه ، ومَن قرأ كتبي الثمانية بعنوان: " بحوثٌ في واقع أمَّتنا من الماضي والحاضر – دراسات تحليلية فكرية ، تاريخية وموضوعية لأحوال أمتنا وأسباب ما يلمُّ بها في القرن العشرين " حاولت فيها الحضَّ والدعوة إلى إعادة اعتبار دور العقل ومن ثم إعادة بناء شخصية أفراد هذه الأمَّة قاطبة وليس في سورية فحسب .

اليوم حِصانا رهان يتسابقان على سورية باختصار شديد: أنتم وأمريكا ومعها الغرب والعرب المستعربة....حصانان يتسابقان من أجل إصلاح (يا سبحان اللَّه) الشعب السوري الذي لم يصلحه وغيره من شعوب المسلمين قرآنٌ ولا نبيٌّ . فمن منكما سيسبق ويفوز بإصلاحنا نحن الشعب السوري ؟

الجواب واضح يا أعزائي فإياكم والوقوع في هذا الفخّ . فإذا سبقتم أنتم ووصلتم إلى الحكم وسبقتم عمَّتنا الحسناء المحبَّة لشعبنا والحريصة على سعادتنا ... أعني "كوندوليزا" فيلسوفة الفوضى الخلاقة من أجل كل رجل وامرأة وطفل سوريٍّ بما فيهم أنتم أيضاً - ببركتها - من دون استثناء . أقول: إذا سبقتم أنتم فماذا سيكون مكانكم في ذاك المجهول يا ترى ؟ فإن أعلنتم عن سياسة وطنية مُمانِعة ، هذا إذا أحسنت الظن بغالبيتكم فأبشروا من الآن أن أمريكا ومعها الأعراب لن يرضوا عنكم وسيفعلون بكم الأفاعيل ... فمن ينصُركم ؟ أما لو سبق وفاز حصانُ أمريكا وحلفائها ... فتأكدوا تماماً وخُذوا العبرة من العراق وغيره أنكم ستكونون أوَّل وقودِهم ولا حاجة بي لتسمية من تمت تصفيتُه هناك من أول أيام وصول دباباتهم وجيوشهم الحنونة والتحريرية من الظلم فأعتقد أنكم كثوريين إصلاحيين تعرفونهم بأسمائهم .

صومال جديد يجعل الناسَ – لا سمح اللَّه ولا قدَّر – يَحسدون منكوبي العراق ! إعلموا – ومن لم يشأ فليسأل العمَّ سام - أنه سوف لن يسمحوا لكم ولا لغيركم أبداً بتشكيل حكومة سورية لأن إماراتهم ستعمُّ جميع أرجاء البلاد ... أما سمعتم عن إعلان بعض السفهاء "إمارة إسلامية في بانياس " وسمَّوا أسماء وزرائهم على عجل ؟ أما سمعتم عن "إمارة إسلامية في درعا" ؟ ألم تعجبوا من رؤية مظاهرة معارضة أنصار الحرية من أجل سورية على الطرف الأردني من الحدود رفعَ أزلامُها يافطات عريضة بإسم " إمارة الأردن" تحت مسمع ومرأى الجميع وبمباركة دولتهم التي انقلبت مملكتُها في طرفة عين إلى إمارةٍ فقط من أجل خاطر سورية وشعبها ؟ لعمري لو أُعلِن – لا سمح اللَّه – عن تلك الإمارات في سورية فأيَّ حكومة عندئذ ستشكِّلون وعلى أيِّ أرض ستقفون ؟ ألا تعتبرون بما حصل في الصومال ؟ أما رأيتم الأسلحة هناك في أيدي الأطفال العُراة الجياع ؟ فما ظنُّكم سيفعلون بنا في سورية ؟ أربأ بكم أن تكونوا – أعيذكم باللَّه - عوناً أو سبباً أو بوابة أو حصاناً لإولئك الذين أظهروا لنا العداوة والبغضاء والتآمر وتمويل الإجرام والإرهاب والقتل والتمثيل بالشرفاء . أقول: إن حصانكم ليس أعرجاً فقط بل " أعمى" لا يهتدي إلى نُصب ... فلا بوصلة ولا فارس ! فإياكم أن تظنُّوا طرفة عين أن حصانكم هذا سيسبق الحصانَ الغربي "الشاطر" في المضمار والسياسة والخبير " السَّباق " في كل أولمبيادات الأحصنة والجمال أينما حضرَ ، وحيثما حلَّ إلى جانب منافسين مساكين متوهِّمين من البشر أو الخيول أو حتى الجِمال . فهو يا أعزَّائي وأحذِّركم من كبوة حصانكم خلفه فذاك "حصانٌ لا يُقهَر" ! لذا أهيب بكم أن لا تورِّطوا أنفسكم فتدخلوا معه أية ساحة أو مضمار لأن فشلَكم في ذلك مكتوب في السماء وليس على الأرض في دوائر السياسة الاستعمارية . فهو سباقٌ ضارٌّ لا يأتي منه خيرٌ بل كلُّ أصناف الشرِّ - الذي تعرفون وتجهلون - والبلاء أعاذ اللَّهُ سورية وشعبَها وقائدَها منه . أبوح لكم ولشعبنا السوري الحبيب بأني حزين جداً ومتألم ، ومع ذلك لست قلقاً على شعبنا الواعي الخبير ، المبشِّر بتجاوز الأزمات وقهر الأعداء وسورية بخير وبألف خير . والسلام .

                                                                                               د. محمد ياسين حمودة مونتريال- كندا yasinh@total.net

27/06/2011 

 

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.