تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

(سحابة صيف) والمواطن العربي المُهجر دائماً

مصدر الصورة
SNS

 

 
  يتطرق مسلسل (سحابة صيف) إلى موضوعات قلما تناولتها الدراما العربية لا بل إنه يغوص إلى الصميم محاولاً ملامسة الجراح، فهو يتحدث عن واقع الحياة في ظل الظروف القاسية التي تمر بالوطن العربي في العصر الحاضر، ويسلط الضوء على مدينة دمشق بتشكيلاتها الاجتماعية الطارئة والمتغيرة في الوقت الراهن ، ويطرح في مجمل محاوره مجموعة من الموضوعات والإشكالات والصراعات ابتداء من رغيف العيش وهشاشة القيم إلى الخيانة الزوجية والرغبة بقتل الأب لإطعام الولد إلى سفاح القربى وخيانة الوطن .. من الإدمان على الحبوب إلى جرائم الكمبيوتر وبيع بعض أجزاء الجسد والرشوة وتبييض الأموال وضياع الأحلام الصغيرة والكبيرة، إلى الرغبة بالخلاص والقدرة على اختيار الانتحار بديلاً عن الحياة في لحظات كثيرة.
العمل من إخراج مروان بركات وتأليف إيمان سعيد وإنتاج شركة المسار للإنتاج الفني، وتمثيل الفنانين : بسام كوسا، سمر سامي، سلوم حداد، كاريس بشار، قيس الشيخ نجيب، جهاد سعد، نادين، أحمد الأحمد، دمية قندلفت، ريم علي، خالد القيش، كنده علوش، أناهيد فياض .. ويرصد واقعاً نتعرف عبره على الحارات الضيقة حيث أماكن السكن العشوائية لكن قاطني هذه الحارات ليسوا أناساً عشوائيين، إنهم وبفعل الظروف في المنطقة عامة ارتحلوا من وإلى هذه المدينة التي غيروا بها وتغيروا فيها، وليس القادمون للمدينة هم وحدهم من تأثروا بل إن أبناء المدينة أنفسهم حتى في الطبقة المترفة مادياً والتي تشكل العالم الآخر في العمل بالتوازي مع الحي العشوائي، هم أيضاً تغيروا بفعل الظروف والانهيارات المبدئية والفكرية التي تشكل واقع حال هذه الأيام وتهدد كافة شخصيات العمل وتدفعها لخيارات لا تشبهها ، ولكن هذا الواقع المنهار والمتغير بتسارع كبير أي نوع من الناس سوف يفرز ؟!.. سؤال يتم تناوله من خلال الشخصيات التي تلعب كلها دور الضحية ودور الجلاد بالتناوب، وتتناقض في قناعاتها وسلوكها بشكل يشبه تناقض الواقع
المعاش، ثم تسير باتجاه المصير المجهول. والمفارقة أن شخصيات العمل الراغبة دائماً بالعيش الكريم والعدالة الاجتماعية والإنسانية تعتقد بأن مشكلتها مجرد سحابة صيف ستزول سريعاً !..
   وعبر تصريحه لمحطة الأخبار السورية يقول المخرج مروان بركات : (أريد أن أحكي عن المواطن العربي الذي يشاهد كل يوم أحداث العراق ويتابع مشاهد القتل أمامه ثم يذهب ليسهر وكأن ما يجري ليس إلا سحابة صيف .. ويرى ما حدث في غزة وفي الجنوب اللبناني ويعتبر ذلك سحابة صيف .. فلا يتأثر بأي حدث وكأن ما يجري كله عبارة عن سحابة صيف، لا بل إن هناك دولاً تسقط خلال ساعتين لا أكثر ونعتبرها سحابة صيف أيضاً .. هذا المواطن لم يعد يشعر بشيء، وهنا تكمن الفكرة الأساسية لمسلسلنا بأن نجعله يرى ويشعر بما يحدث في الأمة العربية كلها. إننا نلقي الضوء على ذاك المواطن العربي المُهجر دائماً، ففي فترة من الفترات كان هناك أكثر من مليوني عراقي في سورية وعند الحرب على لبنان عام 2006 أتى معظم أهالي الجنوب إلى سورية .. سورية التي باتت تجمع الكل).
     يذكر أن الفنان بسام كوسا يؤدي في العمل شخصية ديب الهادي (أبو حبيب) وهو رب أسرة فلسطينية تتألف من زوجة وثلاث أولاد لكل منهم حكايته، وهو رغم الظروف القاسية التي مرّ بها مع عائلته منذ الارتحال عن الوطن وحتى اليوم إلا أنه لا يزال مسكوناً بالعيش على أمجاد ذكرى أسرته الإقطاعية في حيفا وقبل سقوط البلاد، إنه يمزج بين القوة والشهامة والنبل وعزة النفس وبين النموذج غير المسؤول في مواقف كثيرة والشخصية النزقة، يعايش مرض السكري ويرفض الاعتراف بمرضه حتى تتهاوى قدمه مع الأيام ويضطر لبترها، فتضعف نفسيته ويبدأ بالاستجابة لفكرة الموت ورفض الحياة وهو الذي يرفض الانكسار والضعف .. فهل سيستسلم لمصيره أم ستتغير حياته مع ظهور أحداث جديدة ؟..
     أما الفنانة سمر سامي فجسدت شخصية فريدة وهي في العمل كما اسمها فريدة في طيبتها وقوتها وصبرها ومعاناتها في الحياة، فقد فقدت ابنها البكر حبيب في أحداث بيروت عام 1982 أما ابنها الثاني رمزي فهاجر إلى أوروبا لذلك هي حريصة كل الحرص على صغيرها أسامة الشاب الجامعي ولديها رغبة قوية في بناء بيت له ودفعه للزواج من ابنة خالته الموجودة في بيروت، وفوق ذلك كله هي مشغولة دائماً في إعالة أسرتها والعمل بالتطريز على القماش كما تسعى للمحافظة على عزة وكرامة زوجها وتعينه في مرضه وانكساراته .. تربطها علاقة بعدد من شخصيات العمل سواء في الحارة أو خارجها، وتتخذ مواقفاً قوية من ابنها رمزي عندما يأتي من غربته حاملاً قناعات تخيب أحلام الأسرة، إنها أم للجميع وجدة أولاد الحارة وبحكاياتها وقصصها التي تسردها يبقى حلم العودة وذكريات الوطن متقدة في الذهن والقلب، تشكل كلماتها البسيطة فلسفة الخبرة الحياتية وتشحن الآخرين بقوة الحياة، فلديها حكمة الحياة رغم الانهيارات الأخلاقية والنفسية التي تعاني منها معظم شخصيات العمل .. وتشكل هذه الأسرة مظهراً من مظاهر النسيج الاجتماعي في مدينة دمشق التي اختلط بها أبناء المدينة مع القاطنين فيها والقادمين والمرتحلين إليها .
 
 
 
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.