تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

جريمة اللاذقية في ميزان القانون..!!

مصدر الصورة
محطة احبار سورية

 

13/8/2015

 

هزّت الرأي العام في سورية جريمة نكراء وقعت في مدينة اللاذقية كان ضحيتها ضابط في الجيش العربي السوري على أثر خلاف مروري, وتعالت الصيحات والدعوات إلى إنزال القصاص بالفاعل، ومن بين تلك الأصوات من طالب بإعدام القاتل فوراً. فالجريمة وإن كانت  بحسب ما ذكرت وسائل الاعلام والشهود الذين حضروا الحادثة، قد اتخذت توصيفات ومسميات عديدة، فهي تعتبر من جرائم القتل المعاقب عليها في قانون العقوبات السوري.

وإزاء استغلال البعض لهذه الواقعة ومحاولة توظيفها في تحقيق ما يخبو في صدره من خبايا وأمور، دون الوقوف على ظروف الواقعة وملابساتها، ومعرفة حكم القانون فيها.. حتى ذهب البعض إلى الادعاء بوجود أحكام ونصوص لا وجود لها. وإيماناً بضرورة إحقاق الحق ونصرةً للعدالة والقانون كان لابد من توضيح بعض الحقائق القانونية بخصوص هذه الجريمة والبحث في النص الواجب التطبيق عليها:

هل هو المادة 534 فقرة 1 من قانون العقوبات السوري والتي تنص على أنه: "يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة على القتل قصداً إذا ارتكب: 1ـ لسبب سافل...."؟

أم نص المادة 535 فقرة 1 من ذات القانون والتي تنص على أنه: "يعاقب بالإعدام على القتل قصداً إذا ارتكب: 1ـ عمداً..."؟

بمعنى آخر هل نحن أمام جريمة قتل ارتكبت لسبب سافل أم أمام جريمة قتل ارتكبت عمداً؟ للإجابة على هذا التساؤل لابد من بيان المقصود بكل من السبب السافل والعمد:

فالسبب السافل الوارد في الفقرة 1 من المادة 534 هو كل باعث شائن حرّك إرادة الجاني وحمله على الفتك بالمجني عليه؛ فمفهوم "الدافع" هنا قاصر على السبب المحرك للإرادة، أي الباعث الذي حمل الفاعل على الفعل, وذلك كأن يكون الدافع الذي حدا بالجاني إلى إزهاق روح المجني عليه هو الجشع المادي، أو أي مظهر آخر من مظاهر الانحطاط الخلقي. والعلة في تشديد العقوبة على القتل المقصود المقترف لباعث شائن هو أن الجاني قد دلّ بهذا على إنه في سلوكه متحلل من القيم والحرمات الخلقية والاجتماعية, وإنه بالتالي شخصية شديدة الخطورة تنقاد لأحطّ الشهوات والبواعث, ولا تتورع عن ارتكاب أشنع الموبقات.. فينبغي أن تشدد عقوبته, تأديباً وتقويماً وردعاً. ومن البدهي أنه إذا كان الدافع إلى القتل ـ بهذا المعنى ـ شائناً، فإن النص الأولى بالتطبيق هو نص المادة 534، ولا سبيل حينئذ للأخذ بأحكام المادة 193 من قانون العقوبات، إذ أن شين الدافع لا يجوز أن يكون سبباً لتشديد مقدار العقوبة مرتين.

وأما العمد فيقصد به كما كان وارداً في قانون الجزاء العثماني الذي ظل نافذاً في سورية حتى عام 1949: "هو تصور المرء في ذهنه فعل القتل وتصميمه عليه قبل إيقاعه"، وبالتالي هو ظرف متعلق بالقصد ووصف من أوصافه، والعلة في تشديد العقوبة على الجاني الذي يرتكب القتل المقصود عمداً، أو مع سبق الإصرار، هي أن الإنسان الذي يفكر بهدوء في أمر جريمته ويقدّر كل الاحتمالات والعواقب, ويوازن بين ما يدفعه إليها وما يمنعه عنها, ثم لا يردعه تفكيره ولا خوفه من العقاب من عقد العزم عليها والإعداد لها والمضي في تنفيذها رابط الجأش هادئ النفس, هو شخص أشد خطراً وأوغل في غواية الإجرام والنزوع إلى الشر ممن يقدم على ارتكاب الجريمة وقد عصفت به ريح الغيظ وثورة الغضب, فاضطربت نفسه وثارت ولم يعد يستطيع كبح جماحها.

فالعبرة إذن ليست بمرور فترة من الزمن طالت أو قصرت أو بمضي مدة من الوقت بين مرحلة العزم على اقتراف الجريمة، ومرحلة اقترافها وتنفيذها بالفعل؛ ففي كل جريمة مقصودة لا بد من إصرار عليها وتصميم يحصل قبل التنفيذ بمدة قصيرة أو طويلة أو يرافق التنفيذ.. وإنما العبرة هي في الهدوء والطمأنينة؛ أي في أن يكون الجاني قد وازن ـ وهو هادئ البال ـ بين ما للجريمة وما عليها، ودبر أمرها في روية ثم نفذها بعد أن زال عنه تأثير الغضب، وهو مطمئن إلى ما يفعل. وعلى هذا فالعمد في حقيقته يتألف من عنصرين اثنين:

1ـ عنصر التفكير الهادئ: بحيث يمكن أن يقال أن نفسه تضامنت لنوازع الشر عن تبصر واتجهت ـ بعد التروي ـ إلى سلوك طريق الاعتداء. فلا يجوز القول بأن القتل قد ارتكب عمداً إلا إذا ثبت أن الجاني عقد العزم على ارتكابها وهو هادئ البال متحرر من ثورة الانفعال العاطفي أو حدة الاندفاع الهيجاني الذي قد يدفع إلى الاجرام دفعاً.. أما إذا كان التصميم السابق قد حصل والنفس مهتاجة والبال موزّع والتفكير مضطرب غير متزن فلا يجوز عندئذ التشديد في العقاب من أجل فعل لم تهدأ النفس وتستقر الإرادة حتى يصدر العقل حكماً صحيحاً فيه. فالتفكير الهادئ  يجب أن يرافق مرحلة العزم أو عقد النية على اقتراف الجريمة ومرحلة التنفيذ؛ فلا يمكن اجتماع العمد وثورة الغضب الجامح أو الاضطراب النفسي الشديد مهما طالت المدة على هذا الغضب أو الاضطراب وما دام ثابتاً أنه مستمراً لم يتخلص الجاني من سيطرته، فلا مجال للقول بتوافر العمد.

2ـ عنصر الزمن: وهو متفرع عن العنصر الأول وشرط المدة ليس مطلوباً لذاته, وإنما هو ضروري كقرينة دالة على الروية والهدوء فلا يكفي أن تكون فكرة الجريمة قد مرت في خاطر المتهم قبل تنفيذها، وإنما يجب التثبت من أن الجاني دبّر الجريمة تدبيراً ووضع لها مخططاً وأعد لها مشروعاً لتنفيذها، ثم أقدم عليها هادئاً متمالك الأعصاب. والمدة التي تؤلف عنصراً من عناصر العمد لا يمكن تحديدها, فهي تختلف باختلاف الأشخاص والظروف، وقد تكون سنيناً أو شهوراً أو أياماً أو ساعاتٍ.. وتقديرها يعود إلى قاضي الموضوع. وبهذين العنصرين يتميز العمد عن القصد أو يتميز سبق الإصرار أو النية المبيتة، من النية غير المبيتة التي تنشأ فجأة من غير تفكير ولا تدبير؛ فالقتل الذي يرتكب قصداً إثر وقوع ما يثير الغضب في نفس الجاني هو قتل مقصود لم يقترن بظرف العمد أو سبق الإصرار، كالقتل الذي يقع عقب مشاجرة وبتأثير الغيظ أو الغضب.

وأخيراً، فإن إثبات وقوع القتل عمداً أو قصداً يقع على عاتق النيابة العامة، أما تقدير أدلة الإثبات أو النفي، فيعود لقاضي الموضوع، فلا بد من استنباط هذه النية أو الدافع من ظروف الفعل والأدلة المتوفرة عليه. والقرائن التي يعتمد عليها القضاء عادة لإثبات نية الفاعل تتناول ظروف الفعل والوسيلة التي لجأ إليها وموضع الإصابة، ولا تكفي إشارة الحكم إلى القرائن المذكورة، إنما لا بد من بيان ثبوت قصد الفاعل وكيفية استنباط ذلك القصد من القرائن التي استند إليها؛ فمجرد إطلاق النار على شخص لا يفيد بالضرورة نية قتله وقد يثبت الفاعل أنه لم يقصد سوى جرحه مثلاً.

ولئن كان تقدير الوقائع من صلاحية قاضي الموضوع غير أن محكمة النقض تمارس رقابتها على وصف الوقائع، وما إذا كان يأتلف مع الأدلة وينطبق على مضمونها. وكل حديث بخصوص جريمة القتل سالفة الذكر قبل فصل القضاء بها بحكم مبرم، هو رجم بالغيب وافتئات على مؤسسة القضاء وعدالتها، وخروج على مبدأ فصل السلطات وانتهاك صريح لمبدأ سيادة القانون.

 

 

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.