تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

موقف القانون السوري من علاج العصابات الإرهابية في الكيان الصهيوني..!!

مصدر الصورة
SNS


15/3/2015

بدأ التعاون بين العصابات الإرهابية والكيان الصهيوني منذ اللحظات الأولى للأزمة السورية وربما قبل ذلك، وعلى مستويات عدة؛ منها الدعم السياسي واللوجستي والعسكري والاستراتيجي. ولكن المظهر الأكثر شيوعاً في الإعلام لهذا التحالف الوثيق هو تلقي أفراد العصابات المسلحة العلاج في مشافي الكيان الصهيوني.

 وبما أن  نصوص القانون الجزائي السوري تتسم  بالدقة والوضوح حيث يستخدم المشرّع  عبارات واضحة محددة لا لبس فيها ولا غموض؛  فنجد أركان كل جريمة واضحة وكذلك ظروفها وعقوبتها بالنظر لما تتسم به قواعد القانون الجزائي من خصوصية، وما تتضمنه من عقوبات ماسة بحقوق الإنسان. والقاضي الجزائي مقيد في تفسير النصوص الجزائية بقاعدة "التفسير الضيق للنص الجزائي"، وقاعدة "حظر القياس في النصوص الجزائية".

ولكن المشرّع استخدم في صياغة الجرائم الواقعة على أمن الدولة عبارات مرنة غير محددة بدقة، وبالتالي تحمل الكثير من الصور عند التفسير والتأويل، وذلك بسبب خطورة تلك الجرائم وطبيعة الحق المعتدى عليه، وتركَ للقاضي حرية واسعة في التقدير عند تطبيق هذه النصوص المرنة على القضايا التي يفصل فيها وفقاً لظروف كل حالة على حدة. فهل تلقي أفراد العصابات المسلحة العلاج في الكيان الصهيوني يعد جريمة يعاقب عليها القانون السوري؟

قبل الإجابة نشير إلى أننا لا نبحث هنا في جرائم المسلحين الأخرى من حمل السلاح أو الاعتداء على أمن الدولة أو الخيانة أو التجسس أو الصلات غير المشروعة بالعدو أو النيل من هيبة الدولة ومن الشعور القومي، وإنما البحث ينصب على واقعة معينة ومحددة هي تلقي العلاج في الكيان الصهيوني وموقف القانون منه.

ونلفت أيضاً إلى أنّ المشرّع السوري قد تنبه لخطورة التعامل مع الكيان الصهيوني وأصدر العديد من القوانين التي تعاقب على التعامل مع العدو. وأفرد في المواد (275ـ 277) من قانون العقوبات السوري نصوصاً معينة تكفل مقاطعة العدو اقتصادياً وتفرض عقوبات جزائية في حق كل من يخالف هذا الحظر.

ولم يكتف المشرّع  بهذه المواد، بل قام بإصدار قوانين جزائية أخرى تحرّم التعامل مع العدو ومنها المرسوم التشريعي رقم (68) تاريخ 23/9/ 1953 والمتضمن معاقبة كل شخص أقدم أو حاول أن يُقدم مباشرة أو بواسطة شخص مستعار على استيراد أو بيع أو شراء أو حيازة أو نقل بضائع مصدرة من بلاد العدو، أو معاد تصديرها، بالأشغال الشاقة المؤقتة. وكذلك المرسوم التشريعي رقم ( 286) تاريخ 14/ 8/ 1956/  والمتضمن الحظر على كل  شخص طبيعي أو اعتباري أن يعقد بالذات أو بالواسطة اتفاقاً من أي نوع مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها، أو التعامل مع الشركات والمنشآت الوطنية والأجنبية التي لها مصالح أو فروع أو توكيلات عامة في إسرائيل، ومعاقبة من يخالف هذا الحظر بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تتجاوز عشر سنوات.

ونشير كذلك إلى أن المشرّع ذكر في المادة (275) من قانون العقوبات الفعل الجرمي المكوّن للركن المادي للجريمة على سبيل الحصر بقوله: صفقة تجارية أو صفقة شراء أو بيع أو مقايضة وفي المرسوم التشريعي (68) باستيراد أو بيع أو شراء أو نقل بضائع مصدرة من بلاد العدو.

 

 وبالعودة إلى السؤال المطروح أعلاه، فإنه، وفي ضوء ما تقدم لا يمكن القول إن العبور إلى الأراضي المحتلة والعلاج في المشافي الصهيونية يندرج  ضمن تلك الأفعال المحظورة، خاصة وأن  المادة (271) من قانون العقوبات غير وارد تطبيقها في هذا الموضع، والتي تعاقب من دخل أو حاول الدخول إلى مكان محظور قصد الحصول على أشياء أو وثائق يجب أن تبقى مكتومة حرصاً على سلامة الدولة، بالحبس سنة على الأقل. ولا يمكن التسليم  بالرأي القائل أن  الدخول إلى مكان محظور دون أن يتوافر لدية قصد الحصول على الأسرار المتصلة بأمن الدولة إنما بدافع الفضول وحب الاطلاع أو بدافع آخر، يجب أن لا يعاقب بموجب هذه المادة لانتفاء القصد الجرمي، وإنما يمكن أن يعاقب بوصفه مخالفاً للقرارات التي تصدرها السلطات الإدارية ويعاقب بموجب المادة (756) بالحبس التكديري وبالغرامة حتى مائة ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين على اعتبار سورية في حالة حرب مع العدو الصهيوني.

وغني عن القول ان وقف الأعمال القتالية مع العدو الصهيوني بدءاً من 31/ 5 / 1974 المعروف بالهدنة لا ينهي حالة الحرب بصورة نهائية، وبالتالي إن حالة الحرب تبقى قائمة من الناحية القانونية حتى يصدر قانون أو مرسوم بإنهائها وهو ما لم يحدث حتى الآن، ذلك بموجب  المادة الثانية من  المرسوم التشريعي رقم (109) لعام 1968 الخاص بإحداث المحاكم  العسكرية الميدانية التي عرّفت زمن الحرب بأنه: المدة التي تقع فيها اشتباكات مسلحة بين الجمهورية العربية السورية وبين العدو ويحدد بدؤها وانتهاؤها بمرسوم.

   وبناء على ما تقدّم، نرى أن ثمة قصور تشريعي يحتاج إلى تدخل من قبل المشرّع أو تعديل نص المادة الأولى من القانون رقم (286) القاضي بمنع التعامل مع إسرائيل، أو من له علاقة بها، بحيث يستوعب الصور الجديدة من التعامل مع الكيان الصهيوني؛ فالمشرّع في عام 1956 كان يعتقد أن التعامل التجاري هو الصورة الممكن ارتكابها من قبل  بعض ضعاف النفوس، لكننا اليوم بتنا أمام من يجاهر ويتفاخر بالدعم والتعاون الذي يتلقاه من الكيان المحتل الغاصب.

وانسجاماً مع المبادئ الدستورية والقانونية الراسخة في قانوننا، ندعو المشرّع إلى الإسراع في إصدار قانون جديد يعاقب كل حالات التعاون مع الكيان الصهيوني، ومنها تلقي العلاج في مشافي العدو وعدم ترك الأمر للتفسير أو الاجتهاد.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.