تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

نبيع الحقيقة لنشتري الوهم..؟!!

مصدر الصورة
محطة أخبار سورية - خاص

بديـع عفيــف

منذ أشهر وربما أكثر ونحن، في العالم العربي ننتظر إفراج الإدارة الأمريكية عن سرّها المكنون، عن غامضٍ نعتبره الفرج لنا، عمّا أسمته "صفقة العصر" أو "صفقة القرن"؛ الصفقة السّر لا نعرف عنها شيئاً ولكننا ننتظرها لتحرر فلسطين وتعيد اللاجئين وتعمّر الأرض وتنهي الظلم والسواد؛ يُقال أن اليمين الإسرائيلي هو من حرر بنود الصفقة، ومع ذلك ما نزال ننتظرها؛ يُقال إن رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المتهم بالفساد وخيانة الأمانة هو من حررها، ومع ذلك ننتظر صفقة القرن بشغف كبير وصبرٍ لا ينتهي..؟!

منذ سبعين عاماً ومأساة فلسطين ماثلة أمام أعين القادة العرب والجماهير العربية ولكننا لا نراها؛ مستعدون لخوض كل حروب الآخرين ومناصرة كل قضاياهم ولكنّ قضية فلسطين في ذيل أولوياتنا، إن بقي لها مكان؛

منذ سبعين عاماً ونحن نقول إن الخليج العربي لديه المال ولكن ليست لديه الجيوش الجرارة ليقاتل في فلسطين؛ لكن الخليج الذي يبعثر أمواله في كل اتجاه إلا لدعم قضية فلسطين، أرسل جيوشه إلى اليمن لتحارب هناك؛ من أين أتت هذه الجيوش وهذه الأسلحة الخليجية التي تقاتل في اليمن؟! منذ سنوات والخليج يقاتل في اليمن ويهدم البيوت والمشافي ويجوّع اليمنيين ويفتك باليمن كالطاعون؛ أتساءل لأي هدف يقاتل الخليج في اليمن؛ متى تنتهي حرب الخليج على اليمن؟! الخليج نفسه لا يعرف.. كل يومٍ تظهر أهدافٌ جديدة وغايات جديدة وأوهام جديدة؛ إنه الوهم؛ وهمُ الانتصار؛ ووهْم امتلاك القوة والنفوذ، ووهم الوجود الإيراني.. ووهمُ التوسع... لكلّ كيان في الخليج أوهامه..

الرئيس الأمريكي نطق بكلمتين غامضتين، فأمست عبارة "صفقة العصر" مثل البسملة.. أصبحت مقياس اهتزازات المنطقة كلّها ونقطة توازنها وارتكازها؛ صفقة العصر!! ما هي هذه الصفقة؟ متى يتم الإعلان عنها؟ هل سيتم الإعلان عنها؟ ما هو مضمونها؟ هل تخدم قضيتنا؟ ما هي قضيتنا؟! ما هي أولوياتنا نحن العرب؟! الجواب صفقة العصر. ربما كثيرون منا لا يريدون أن يُخرِج الرئيس الأمريكي هذه الصفقة إلى حيّز الوجود ليستمر الوهم؛ نحن ننتظر صفقة العصر، "غودو"، ترامب، الرئيس الأمريكي القادم، الانتخابات الأمريكية القادمة، نسخّر أموالنا لمشاريع في الغرب والشمال والجنوب ولكن ليس في الوطن العربي؛ حُبُّ الوهم، حُبُّ "غودو" يعشش في مخيلاتنا، في ذاكراتنا؛ نحن نخلق الوهم ونتمسّك به لأننا لا نريد أن نرى الحقيقة.. الحقيقة تخيفنا بشكلٍ رهيب..

الحقيقة مُرّة ومؤلمة؛ الحقيقة تذكرنا بنقص عقولنا وفيض جهلنا؛ الحقيقة تذكرنا بعجزنا عن الإقدام والفعل؛ قدرتنا على إظهار العجز تفوق الخيال.. قدرتنا على التبرير وخلق الأعذار مذهلة.. نحن أصحاب فلسفة الهزيمة ومدارس تشريع الانحدار.. هل حقاً استجاب المعتصم لامرأة صرخت وامعتصماه.. أم أنها "تركيبة" عربية للتغنّي بمجدٍ ماضٍ رحلَ بعيداً وما زال يبتعد.. عندما نتحدث عن أحلام، أقصد أوهام سوف تتحقق، فإن الأيام القادمة سوف تكشف الحقيقة، حتى صفقة العصر نفسها ستكشفها الأيام وتكشف سرّ ترامب.. الانتظار متعب ومُربك؛ لكن التغنّي بأمجادٍ سالفة قصة أخرى؛ يمكن تكبيرها والنفخ فيها، يمكن تبريرها، يمكن إحياء ذكراها.. إنه "غودو" الراحل إلى البعيد، ونحن بدل انتظاره والخوف من ظهوره فجأة أرسلناه إلى الماضي لنحتفل بذكره، لننام مطمئنين أنه لن يعود..

لكنّ هذا الشرق "المدمّى" ملّ الانتظار؛ منذ سنوات وهو في ساحة حرب؛ منذ قرون وهذا الشرق يصنع فلسفته الخاصة؛ فلسفة الانتصار وليس فلسفة الانتظار؛ هذا الشرق، مهدُ الحضارات، لم ينضب العطاء ولن؛ هذا الشرق لم يقف على الأطلال يوماً ولم يبك رغم كل أوجاعه والمآسي التي حلّت به؛ هذا الشرق يقول كلمته الآن ويبرق للحياة للأمل.. للمستقبل للغد.. لا يريد أن ينتظر أحداً.. يريد أن ينتظره الجميع..!!

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.