تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

قمّة هلسنكي يمكن أن تثمر..؟

مصدر الصورة
محطة أخبار سورية - خاص

بـديــع عفيــف

يلتقي الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب منتصف تموز القادم في العاصمة الفنلندية هلسنكي في قمة رسمية أولى، لكنها المرة الثالثة التي يجتمع فيها الرئيسان، فيما أجريا أكثر من ثمانية اتصالات هاتفية وفق ما تناقلت وسائل الإعلام.

حالياً، تبدو العلاقات بين البلدين في أسوأ أحوالها والمواضيع التي يختلفان عليها كثيرة وبعضها عويص وشائك، ولهذا ذكّر اختيار مدينة هلسنكي مكاناً لعقد الاجتماع بين الزعيمين، بقمم حقبة الحرب الباردة بين رؤساء الولايات المتحدة وقادة الاتحاد السوفيتي السابق. ولكن القمم الكبيرة تعقد أصلاً لمعالجة القضايا الكبيرة والشائكة، وبالطبع، فإن الحوار الأكثر أهمية يكون بين الخصوم أو بين الأطراف الأكثر عداوة وليس بين الأصدقاء.

أياً يكن، فإن الرئيسين بوتين وترامب لن يذهبا إلى هلسنكي ليناقش جدول أعمال يتضمن مواضيع ستتم معالجتها من الصفر؛ بالتأكيد تم إعداد برنامج الإجتماع والاتفاق على مواضيعه ونقاطه، وهذا ما ذهب من أجله إلى موسكو السيد جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي. وقد رشح إلى وسائل الإعلام أنّ قمة الرئيسين ستتناول مواضيع أوكرانيا وسورية والعلاقات الثنائية وقضايا أخرى. فهل يمكن أن نتوقع شيئاً جديداً بعد لقاء الرئيسين؟! المنطق يقول نعم، يمكن ذلك لعدة أسباب؛

أولاً، إن الاتفاق على إعلان موعد القمة لم يتم إلا بعد مشاورات مكثفة بين إدارتي البلدين والاتفاق على برنامج اللقاءات وتفاصيل تقنية كثيرة، تؤكد أنّ هناك اتفاقاً جرى حول بعض المسائل، وبالتالي أصبح ممكناً عقد مثل هذه القمة لإقرارها من قبل الرئيسين.

ثانياً، إنّ الرئيس الأمريكي أصبح أكثر تحرراً من القيود الداخلية في بلاده؛ سواء لناحية التخلص من تهمة دعم روسيا له في الانتخابات الرئاسية التي أوصلته إلى البيت الأبيض، أو لناحية تحسّن الاقتصاد الأمريكي وإيجاد الكثير من فرص العمل للمواطنين الأمريكيين؛ أو خارجياً، لجهة التقدّم في العديد من الملفات ولاسيما في موضوع العلاقات مع كوريا الديمقراطية(الشمالية).

ثالثاً، في الشأن السوري، فإن الولايات المتحدة وبعكس كل ما يُقال ويُشاع، هي بحاجة إلى مساعدة الروس للخروج من المستنقع السوري الذي أدخلت نفسها به؛ المنطق بسيط وهو أنّ الروس يديرون الوضع بمساعدة حلفائهم في الدولة السورية والمقاومة وإيران والنتائج على الأرض تؤكد هذه الحقيقة، فيما حلفاء الولايات المتحدة وأدواتها يخسرون كل لحظة وهم في تراجع مستمر، بينما تضطر واشنطن إلى التماهي مع الموقف التركي بشأن الأكراد وتظهر وكأنها تخلت عنهم في الوقت

الحرج. والحقيقة أن وجود قواعد أمريكية على الأرض السورية هو نقطة ضعف يمكن استثمارها من جانب السوريين والإيرانيين والمقاومة واصطياد العسكريين الأمريكان بسهولة وهذه نقطة لا يجهلها الرئيس الأمريكي، ولذلك يواصل الحديث عن الانسحاب الأمريكي من سورية.

من جانب آخر، فقد أكدت الوقائع على الأرض أن الروس والأمريكيين كانوا وما زالوا يتعاونون في شأن سورية، وما زالت نتائج اجتماع الرئيسين بوتين وترامب في فيتنام قبل أشهر ماثلة على الأرض، ومنها استثمار مناطق خفض التصعيد، وعدم التصادم العسكري بين قوات الطرفين وغيرها من المسائل، بغض النظر عن الاتهامات المتبادلة بين البلدين، وعدم شرعية الوجود الأمريكي على الأرض السورية الذي يعتبر احتلالاً وفق القانون والمعاهدات الدولية.

رابعاً، لقد تم التسريب قبل فترة أن الرئيس ترامب سيعترف بتبعية القرم إلى روسيا ويتوقف عن مناكفة موسكو. وقبل أسبوعين من القمة أكدت واشنطن لبرلين أنها لن تفرض عقوبات على مشاريع أنابيب الغاز، في إشارة إلى أنبوب غاز جديد إلى ألمانيا قادم من روسيا عبر قاع بحر البلطيق وهو "السيل الشمالي – 2". وهذه التسريبات وغيرها تؤكد أنّ الأمريكيين يضغطون لتحصيل الأفضل ليس إلاّ، ولكنهم يعرفون متى يتوقفون أو يتراجعون!!

خامساً، لقد قدمت روسيا بوتين تعاوناً مهماً في موضوع القمة التاريخية التي عقدت قبل أسابيع بين زعيم كوريا الديمقراطية كيم جون أون، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكان لها دور مهم في تسهيل اللقاء وتحقيق الإنجاز الأمريكي الذي يتباهى به ترامب.

سادساً، من الواضح أنّ العلاقات الدولية في المرحلة الحالية خرجت من إطار الاصطفاف الذي كان سائداً أيام الحرب الباردة بين حلفي "وارسو" و"الناتو"؛ علاقات الدول الغربية بين بعضها ليست على ما يرام وتضارب المصالح الاقتصادية علني ويتسع؛ علاقات بعض الدول الغربية وتجارتها مع روسيا أكبر وأوسع مما هي مع الولايات المتحدة، مثل ألمانيا وتركيا؛ العلاقات الروسية الصينية تؤسس لحقبة جديدة ولاسيما لتكتل اقتصادي جديد بدأ يجذب الكثير من الدول الأخرى إليه... الخ.

أمثلة أخرى كثيرة أخرى يمكن سردها عن تعاون البلدين وحاجتهما لمزيد من التعاون لمعالجة القضايا الشائكة والمعقدة التي تهدد مصالح الطرفين، ولتخفيف التوتر في العلاقات الدولية وتجنب المزيد من الخسائر والصدامات، والتفرغ لحلّ الأزمات الكثيرة التي تواجه العالم، سياسية واقتصادية وبيئية ومناخية وأمراض وغير ذلك مما يهدد البشرية، بدل الانزياح نحو الصراع وزيادة الخلافات والوصول ربما إلى حالة الحرب..

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.