تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

وداع مقاتل ذاهب إلى الجنوب..؟!

مصدر الصورة
محطة أخبار سورية

عاد صباح أمس من القرية إلى دمشق..

اتصل من مقرّ فرقته.. ما زال لديه بعض الوقت قبل أن يلتحق بقطعته المقاتلة لتحرير مدينة درعا.. وصل إلى منزلنا هادئاً واثقاً متواضعاً..

الملازم أول أحمد، خَبِر القتال عَبر سنوات الحرب على سورية في مناطق قتال كثيرة.. تنقل بين "زملكا" و"جوبر" و"حرستا" وشارك في التحرير.. اشترك بعدها بتحرير "الحجر الأسود" و"المخيم" جنوب دمشق..

لديه من قصص الحرب الكثير ليرويها.. ولكن ليس لديه الوقت الآن؛ بعضها مضحك وأكثرها مؤلم وموجع.. ومُبكٍ.. لم تكن الحرب يوماً نزهة..

معلم المدرسة الشاب الذي التحق بالجيش قبل سنوات، يضيف بأسلوبه الهادئ ولمسته الخاصة وتحليله الواعي للأمور، نكهة مميزة للسِيرْ التي يرويها والأحداث التي حصلت معه..

في التفاصيل الصغيرة التي يتابعها ويرصدها فصولٌ ومقاطع جديرة بأن تكون رواية هائلة.. رواية اسمها "الحقيقة المخبأة".. أو "البطولة الحقيقية"..

لا يأكل أحمد إلا القليل.. لا ينام إلا القليل.. تكاد المعارك التي خاضها تصقله بشخصية مختلفة.. بعقلية مختلفة.. بجاهزية غريبة.. بأدب غريب.. إن شئتَ القول: بوقار وحشمة.

خبرته التي راكمتها سنوات الحرب لا تترك مجالاً لك للابتعاد.. أنت مضطر بشوق لمتابعة كل كلمة يقولها لأن سلسلة التجربة الموثقة بالشواهد والأدلة لا تنفصل عن بعضها..

لا يعطي للأمور أبعاداً دراماتيكية.. الأمر بالنسبة له بسيط جداً.. نحن مقاتلون ومهمتنا تحرير الوطن.. لا يتحدث عن الهزائم الساحقة ولا الانتصارات الكبيرة.. يتعامل مع كل معركة بذاتها.. ليس متفائلاً ولا متشائماً.. هو واقعي لأبعد الحدود.. يذهب إلى المعركة الشرسة في الجنوب وكأنه ذاهب للقيام بعمل اعتيادي يمارسه كل صباح.. يدرك أنّ خطأً واحداً قد يكلفه الكثير هو ورفاقه..

يرنّ هاتفه الجوال.. يرد بابتسامة وثقة.. نفهم من الحديث أنه زميله الآخر الذي سيذهب معه إلى الجنوب.. يتفقان على مكان وزمن اللقاء.. نفهم أنّ الطرف الثاني على الخط قال له الله يحميكم.. فيردّ أحمد و"أنتو انتبهوا".. الله يحميكم..

يضع أحمد جواله على الطاولة وينفث دخان سيجارته وعلى وجهه ابتسامة ساحرة.. لا نعرف ماذا يجول في خاطر الشاب الثلاثيني.. من يجرؤ على سؤاله بماذا يفكّر!!.. في المعركة القادمة؟!.. في انتهاء الخدمة العسكرية التي انضم إليها قبل سنوات..؟! فيما سيأتي بعد الحرب..؟! بصراحة لا أجد التعابير التي تشرح أو تصف معلمَ الصف الذي أصبح مقاتلاً ناضجاً.

في الصباح الباكر تناول أحمد قليلاً جداً من طعام الإفطار نزولاً عند رغبتنا.. أشعل سيجارة واحدة.. ودعنا بهدوء.. حمل حقيبته الصغيرة ومشى.. تبعناه بضع خطوات.. ثم بدأ وقع خطواته يغيب رويداً رويداً وهو يهبط الدرج الطويل إلى موعده مع زميله لينطلقا معاً إلى الجنوب..

دعَونا له ورفاقه بالتوفيق والنصر والأمان والعودة بالسلامة..

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.