تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

عقد الذمة في الشريعة الإسلامية - الجزية في القرن الحادي والعشرين..!!

مصدر الصورة
SNS

الجزية في القرن الحادي والعشرين..!!

قبل أربعة أعوام من يومنا هذا كان الحديث عن الجزية لا يَرد إلا في المسلسلات التاريخية وفي كتب الفقه القديمة، أما اليوم صارت حديث العالم كإحدى ممارسات التنظيمات الإرهابية في المدن والقرى التي يحل بها وباء الإرهاب. فما هو المقصود بالجزية لاسيما بعد أن استعرضنا في مقالات سابقة مفهوم عقد الذمة والحقوق التي يتمتع بها أهل الكتاب في الشريعة الإسلامية من خلال الوقوف على مدلولها وبيان شرعيتها وطرق دفعها وحالات الاعفاء منها أو الغائها؟

تعريف الجزية:

إن تعريف الجزية استمر غامضاً لمدة طويلة، وقد جاء في القاموس المحيط: الجزية خراج الأرض وما يؤخذ من الذمي والجمع جزى وجزي وجزاء. وقال ابن الأثير في النهاية الجزية عبارة عن المال الذي يعقد للكتابي عليه الذمة. أما الماوردي في الأحكام السلطانية فيرى أن الجزية ضريبة تفرض على أهل الكتاب وأنها جزية الرأس تطبق على رأس كل منهم وأنها مشتقة من كلمة جزاء وأن فرضها عليهم قد تم بسبب عدم اعتناقهم للإسلام.

وهذا الغموض في التفسير اللغوي كان سبباً في التباسات كثيرة واجهت المؤرخين والفقهاء المسلمين، وقد زاد في ذلك الغموض كون طبيعة الجزية التعاقدية ذات مفاعيل دائمة مهدت لمجموعة من الاجتهادات الهادفة إلى تبرير دفعها، ومنها أنها نظير الحماية أو الإقامة في ديار الإسلام.

مشروعية الجزية:

هذه الضريبة تستمد شرعيتها من القرآن الكريم والسنة الشريفة من جهة، وعهود الذمة التي صدرت عن الرسول (ص) وعن خلفائه من جهة أخرى.

فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى في سورة التوبة: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون). أما السنة الشريفة فتحفل بالكثير من أخبار معاهدات الصلح التي فرض عبرها الرسول الكريم الجزية على أهل الكتاب. وقد روى البلاذري أن النبي الكريم (ص) فرض الجزية على أهل اليمن بمعدل دينار واحد على كل نفس.

النتائج المترتبة على مبدأ شرعية الجزية:

انطلاقاً من الأساس القرآني والطبيعة التعاقدية للجزية لابد من بيان النتائج القانونية المترتبة على إلزامية دفعها والامتناع عن ذلك، حيث أن دفعها يمنحهم حقين هما:

أن يُتركوا وشأنهم وأن تؤمن لهم الحماية الكافية. أما الامتناع فيترتب عليه نقض للعقد يحل بموجبه الدم والمال عند الشافعي، أما عند الامام أبي حنيفة فيرى أن رفض دفع الجزية لا يؤلف نقضاً لعهد الذمة إلا إذا تبعه خروج إلى دار الحرب وأن تحصيلها يكون كتحصيل الديون فلا يباح قتلهم ونهب أموالهم ولا تحويل نسائهم وأولادهم إلى رقيق إلا في حال محاربتهم للمسلمين.

واستناداً إلى ما سنّه الخليفة عمر بن الخطاب(ر)، يرى أبو يوسف عدم جواز تطبيق الاجراءات التي ذكرنا إلا إذا كان المكلفون قادرين على دفع المبلغ المتوجب كجزية. ويروى أن عمر بن الخطاب مر بطريق الشام, وهو راجع في مسيره من الشام على قوم أقيموا في الشمس  يصب على رؤوسهم الزيت فقال: ما بال هؤلاء؟  فقالوا عليهم الجزية لم يؤدوها وهم يُعذبون حتى يؤدوها، فقال عمر: وما يقولون هم وما يعتذرون به في الجزية؟ قالوا: يقولون لا نجد. قال: فدعوهم لا تكلفوهم ما لا يطيقون، فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: "لا تعذبوا الناس فإن الذين يعذبون الناس في الدينا يعذبهم الله يوم القيامة"، وأمر بهم فخلى سبيلهم. وجاء في حديث عن الرسول الأكرم (ص) يبدو أكثر دلالة وتعبيراً أنه ولى عبد الله بن أرقم جزية أهل الذمة فلما ولى من عنده ناداه فقال: "ألا من ظلم معاهداً أو كلفه فوق طاقته أو انتقصه أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسه فأنا حجيجه يوم القيامة".

مقدار الجزية:

إن مقدار الجزية كان في عهد رسول الله ثابت دون أن يطرأ عليه أي تعديل طيلة حياته، وهو دينار على كل بالغ من نصارى اليمن ومكة، يدفع في كل عام دون المساس بزراعتهم أو حيواناتهم الداجنة وكانوا يملكون منها الكثير. وفي عهد الفتوحات فرض خالد بن الوليد على سكان دمشق جزية مقدارها دينار واحد مع جريب من الحنطة يضاف إليه مقدار من الخل ومقدار من الزيت. أما أبو عبيدة فقد فرض جزية مقدارها ديناران مع كمية من الغذاء ولذلك اضطر الخليفة عمر بن الخطاب(ر) أن يحدد الجزية في البلاد التي تعتمد الذهب مقياساً لعملتها بمبلغ أربعة دنانير للغني وديناران لمتوسط الحال ودينار للفقير، إضافة إلى كمية عينية من الحنطة والعسل وشحم الخروف. وكانت هذه المبالغ ونتيجة عدم القدرة على دفعها تؤدي إلى هجرة أهل الكتاب كما حصل في عهد هارون الرشيد الذي زاد مقدار الجزية.

شروط دفع الجزية وحالات الإعفاء منها:

        انطلاقاً من نصوص الخطابات التي وجهها رسول الله وخلفائه الراشدين إلى أهل الكتاب من سكان بلاد الفتح نستطيع أن نتبين الشروط الرئيسية المطلوب تحققها من أجل إجبار الذمي على دفع الضريبة، وأهمها الذكورة والبلوغ والقدرة على الدفع، وبالتالي النساء والأولاد معفون من دفع الجزية. أما الشرط الثالث فقد فتح أبواب الاجتهاد أمام الفقهاء الذين اقترحوا من الإعفاءات ما يشمل أعداداً كبيرة جداً من أهل الكتاب، كالفقير العاجز والأعمى والمريض الذي لا يرجى شفائه والرقيق.

إلغاء الجزية:

 تلغى الجزية في الحالات التالية:

1ـ التحول إلى الإسلام والوفاة.

2ـ تعذر الحماية حيث الجزية ثمن الحماية.

3ـ تأدية الخدمة العسكرية.

ويبقى السؤال هل راعى مسلحو النصرة وداعش وصية الرسول (ص) وخلفائه الراشدين بأهل ذمته وأمنوا حمايتهم؛ فلا آذوهم ولا سبوا نسائهم ولا دمروا كنائسهم ولا كلفوهم فوق طاقتهم ولا أخذوا منهم شيئاً من أموالهم إلا بطيب نفس ورضى.. حتى يقولوا إننا نطبق شرع الله ورسوله؟!

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.