تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية (ا)

مصدر الصورة
SNS


مفهوم الجريمة المعلوماتية: في ظل المرسوم التشريعي  رقم (17) للعام 2012

 

 

لاشك أن رجل القانون مشرّعاً كان أم فقيهاً أم قاضياً, معني بقدر كبير بما يستجد في الحياة, خاصة عندما يتمثل هذا الجديد في ظاهرة تتصل بأفراد المجتمع اتصالاً وثيقاً, تؤثر في سلوكهم وأفعالهم. يتعين عليه أن يلاحق ما يستجد منها وما يطرأ عليها من تطور, وذلك لمواجهة ما قد يصاحبها من ضرر أو من خطر، تكون هذه المستجدات سبباً فيه أو محلاً له.

والانترنت شأنه شأن أي اختراع جديد، حيث خلق ظهوره ممارسات جديدة ومفاهيم وقيم سلوكية مستحدثة بعضها سار وبعضها ضار, تحولت إلى واقع نبحث عن الأسلوب الأمثل للتعامل معه, فلم يعد الاتصال به مقصوراً على المؤسسات أو البنوك والشركات, بل أصبح في متناول الأفراد حتى في منازلهم فضلاً عن المدارس والجامعات, مما يتيح للجميع الاتصال به بصورة أو بأخرى, مشروعة كانت أو غير مشروعة، بما ينتج عن هذا الاتصال من نتائج أو بما يمثله من خطورة في ذاته.

وبعبارة أخرى فإن النظام الآلي لمعالجة المعلومات وفق صورته الراهنة لابد وأن يؤدي إلى أحد أمرين؛ إما الفائدة المرجوة منه للفرد والمجتمع, أو الإضرار بهما على أية صورة، أو تهديد بالخطر على أي وجه. وهذا التطور التقني لم يمنع  بعض ضعاف النفوس من استغلاله لتنفيذ مشاريعهم ومطامحهم الإجرامية. فظهر إلى الوجود ما يسمى الجريمة المعلوماتية؛ تلك الجريمة التي أضحت تهدد كل الانجازات العلمية التي حققتها البشرية في هذا الميدان وتشكل عائقاً جدياً أمام كل تطور في علوم الحاسب، مما دفع الدول والمنظمات الدولية إلى التداعي لوضع الحلول وتقديم الاقتراحات التي تقف حائلاً دون هذا الخطر الجديد الذي يهدد اقتصادياتها وكل مظاهر رفاهيتها بالخراب.

وأمام وهذا الشكل الجديد للإجرام لا يبدو قانون العقوبات في حالته الراهنة كافياً أو فعالاً بالدرجة المطلوبة والمرضية. فبعض النصوص والمبادئ القانونية التي يتضمنها أو تقف ورائه،  مورث من القرن التاسع عشر, حيث لم يكن ثمة فنيين وقتئذ، إنما أصحاب مهن وحرفيين. وتطبيق بعضها على الأشكال الجديدة للجرائم التي تستعير من تقنيات الحاسب والمعلومات أساليبها, لا يصطدم بصعوبات ناجمة عن الطبيعة الخاصة والخصائص التقنية الفريدة للوسائل المعلوماتية المستخدمة في ارتكابها والتي تتبدى فيما نشهده مع المعلوماتية (وفقاً لقول بعض الفقه من تفريغ وسلب لمادية السلوك) فحسب، وإنما تعترضه كذلك صعوبات رئيسية أخرى مردها أن نصوص التجريم التقليدية قد وضعت في ظل تفكير يقتصر إدراكه على الثروة الملموسة والمستندات ذات الطبيعة المادية، مما يتعذر معه تطبيقها لحماية القيم غير المادية المتولدة عن المعلومات، مع الأخذ بالحسبان خطورة وسهولة ارتكاب أشكال الإجرام الجديدة التي أفرزتها بيئة المعلومات الآلية للبيانات والتنبه لآثارها السلبية على جهود التنمية الإدارية والاجتماعية والاقتصادية والأمن الوطني.

ومع أن الإجرام المعلوماتي لم يتخذ في واقعنا السوري تلك الأبعاد التي اتخذها في الغرب، إلا أن المشرّع بادر إلى التصدي للبوادر التي بدأت تتبدى لدينا بإصدار المرسوم التشريعي رقم/17/ لعام 2012 الخاص بتنظيم التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية، وذلك حتى لا تستفحل خطورتها مع وتيرة النمو المتسارع الذي تشهده بلادنا، في ظل الظروف الراهنة. فسعى إلى بلورة الضمانات القانونية التي تكفل تحقيق التوازن بين الضرورة الملحّة للاستفادة من تقنية المعلومات وبين الحاجة الفردية والاجتماعية للحماية القانونية.

لذلك آثرنا البدء بتعريف الجريمة المعلوماتية وأهميتها وتحليل طبيعتها القانونية ومن ثم ننتقل إلى بيان أوجه الحماية القانونية الواردة في المرسوم التشريعي والتي يمكن الاستعانة بها في مواجهة جرائم الحاسب الآلي. حيث أن تحديد الطبيعة القانونية للجريمة وتعريفها وبيان خصائصها مسألة غاية في الأهمية. ولئن  كان  الجانب الغالب من التشريعات ينأى عن الإفصاح عن تعريف الجريمة مؤثراً ترك ذلك للفقه خشية أن يزج بنفسه في معترك خلافات اجتماعية وفلسفية لا حدود لها ـ وذلك حتى لا يقف هذا التعريف حجرة عثرة أمام التطور العلمي, ويحول دون مواكبة القانون لأشكال الجريمة التي من الممكن أن تكشف عنها التقنية الحديثة, حيث من الثابت أن الجريمة المعلوماتية تقاوم التعريف ولا أدل على ذلك من أن الكتابات التي تناولتها تحفل حسب تعبير البعض (بملايين الكلمات) التي سُطرت في محاولات عديدة لصياغة ودحض تعريفها ـ إلا أن ذلك لم يمنع الفقه من وضع تعاريف لها. والتعريفات التي صكت عديدة متفاوتة فيما بينها ضيقاً واتساعاً، ولكن بوجه عام يمكن تصنيفها إلى أربع فئات هي:

  التعريفات المتعلقة بوسيلة ارتكاب الجريمة: ومنها تعريف الفقيه الألماني تاديمان الذي يصفها بأنها: (كل أشكال السلوك غير المشروع أو الضار بالمجتمع الذي يرتكب باستخدام الحاسب). ويوجه البعض انتقاداً للاعتماد في تعريف الجريمة المعلوماتية على الوسيلة المستخدمة في ارتكابها مفاده أنه لكي نعرّف جريمة، يجب الرجوع إلى العمل الأساسي المكوّن لها، وليس فقط إلى الوسائل المستخدمة لتحقيقه. إذ لا يكفي لاعتبار الجريمة معلوماتية مجرد استخدام الحاسب في ارتكابها. فالقانون لا يحفل بالوسيلة التي ترتكب بها الجريمة، ووجود الحاسوب لدينا بكثرة في العالم العربي لم يخلق في مجتمعاتنا ظاهرة جرائم المعلوماتية المعروفة في الغرب بأبعادها المختلفة؛ فلم تظهر عندنا بذات الزخم والقوة والتحدي لا لعجز الحواسيب أو نقص إمكانياتها، بل لعدم وجود البنى التحتية التي تساعد على خلق المناخ الملائم للإجرام المعلوماتي.

  التعريفات المتعلقة بموضوع الجريمة: فالجريمة المعلوماتية في منطق واضعي هذا الاتجاه ليست هي الجريمة التي يكون الحاسب هو الأداة في ارتكابها، بل هي الجريمة التي تقع على الحاسب أو داخل نظمه. وتعرّف عندهم بأنها: (نشاط غير مشروع موجّه لنسخ أو تغيير أو حذف الوصول إلى المعلومات المخزنة داخل الحاسب)، أو هي (عمل أو امتناع يأتيه الإنسان إضراراً بمكونات الحاسب أو شبكات الاتصال الخاصة به والتي يحميها قانون العقوبات ويفرض عليها عقاباً). وإذا كانت هذه التعاريف تحتوي على كل صور الاعتداء الايجابية والسلبية التي توقع أضراراً بمكونات الحاسب أو شبكات الاتصال الخاصة به باعتبارها من القيم أو المصالح المتطورة التي تمتد مظلة قانون العقوبات لحمايتها, إلا أن هذه التعاريف قد أغفلت دور الحاسب في ارتكاب الجريمة، وأغفلت الطبيعة الخاصة لمعرفة المجرم المعلوماتي, إضافة إلى أن الاعتماد على موضوع الجريمة لوحده سوف يثير الكثير من الالتباس بسبب التنوع الشديد لجرائم الحاسب، مما سيترتب عليه صعوبة إدراجها ضمن نطاق واحد.

 الفئة الثالثة؛ التعاريف المتعلقة بمعرفة فاعل الجريمة المعلوماتية: تعرف وزارة العدل الأمريكية الجريمة المعلوماتية بأنها: (أي جريمة لفاعلها معرفة فنية بالحاسبات تمكنه من ارتكابها). وفي تعريف آخر: (هي كل فعل غير مشروع تكون المعرفة بتقنية الحاسب أساسية لإقامة الدعوى والملاحقة القضائية الناجحة ضده). ونجد في الفقه العربي من يتبنى هذا الاتجاه حيث تعرّف عنده بأنها: (الجريمة التي يتم ارتكابها إذا قام شخص ما باستخدام معرفته بالحاسوب بعمل غير قانوني).

4ـ الفئة الرابعة؛ التعاريف المختلطة: وهذا الاتجاه يجمع بين المعرفة بتقنيات النظم المعلوماتية وبين موضوع الجريمة، ولذلك تعرّف عندهم بأنها: (كل جريمة يُستخدم الحاسب كوسيلة لارتكابها أو يمثل إغراء بذلك أو جريمة يكون الحاسب نفسه ضحيتها). وفي الإجابة البلجيكية على الاستبيان الذي أجرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حول الغش المعلوماتي عام 1982 ورد تعريف للجريمة المعلوماتية بأنها: (كل فعل أو امتناع من شأنه الاعتداء على الأموال المادية أو المعنوية يكون ناتجاً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن تدخل التقنية المعلوماتية). ويوسع البعض مفهوم الجريمة المعلوماتية لتشمل إساءة استخدام الحاسب فتعرّف عنده بأنها: (أي فعل متعمد مرتبط بأي وجه بالحواسيب في تكبد أو إمكانية تكبد مجني عليه حصول أو إمكانية حصول مرتكبها على مكسب).

وقد عرّفها مؤتمر الأمم المتحدة العاشر لمنع الجريمة في فيينا لعام 2000 بالقول: يقصد بالجريمة السيبرانية، أي جريمة يمكن ارتكابها بواسطة نظام حاسوبي أو شبكة حاسوبية أو داخل نظام حاسوبي. وتشمل تلك الجريمة من الناحية المبدئية جميع الجرائم التي يمكن ارتكابها في بيئة الكترونية.

  وهكذا نجد أن النماذج المذكورة من تعريف الجريمة المعلوماتية تكشف عن تعدد المصطلحات المستخدمة للدلالة عليها ووسمها, وتبايناً في تحديد مفهومها. فهي توسم بـ جريمة الحاسب, وإساءة استخدام الحاسب، والجريمة المرتبطة، أو المتعلقة بالحاسب، وجريمة المعالجة الآلية للبيانات، والجريمة المعلوماتية. ومع أن كل تسمية من هذه التسميات يمكن أن يجد لها مستخدمها ما يسوّغ إطلاقها, إلا أن الأخيرة من بينها ربما تكون الأدق في تقديرنا لأنها تشمل الحاسب وسائر المبتكرات والتقنيات الراهنة والمستقبلية المستخدمة في التعامل مع المعلومات.  وهي التي أخذ بها المشرّع السوري  في المرسوم التشريعي رقم/17/ لعام 2012 حيث  عرفها في المادة الأولى منه بأنها:

(جريمة ترتكب باستخدام الأجهزة الحاسوبية أو الشبكة أو تقع على المنظومات المعلوماتية أو الشبكة).

وهذا التعريف ينسجم مع الاتجاه الذي تتبناه الأمم المتحدة في تعريفها الموسّع للجريمة المعلوماتية.

        ومهما تغيّر الوصف الذي يلحق بالجريمة، وسواء اشتملت على عناصر إضافية تستتبع إسباغ وصف ما عليها، فإن الجريمة بصفة عامة مفهوم مجرد واحد. أي أن هذا المفهوم المجرد للجريمة هو الفكرة العامة والأساسية هي أن الجريمة فعل يعاقب عليه القانون لما في هذا الفعل من اعتداء على مصلحة مشمولة بالحماية القانونية.

                       

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.