تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

رأي البلد :ما بعد الاتفاق النووي الإيراني الدولي!!

24/11/2013

رغم كل الحديث عن الصعوبات والضغوط التي قيل إنها كانت تواجه اجتماع المعنيين في جنيف، فقد كان واضحاً التوجه العام نحو تحقيق اختراق وتوقيع الاتفاق الذي  أعلن عنه فجر اليوم بين إيران ومجموعة 5+1 ( الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، الصين، روسيا + ألمانيا). المسألة في الجولة الأخيرة من المفاوضات كانت مقررة لتنتهي بالتوقيع. لكن ما بعد التوقيع ليس كما قبله؛

أولاً، من الطبيعي أن أطرافاً راهنت وعملت على "تفشيل" الاتفاق، بدأت تتحسس رأسها منذ الآن؛ وأعني المملكة السعودية! لقد أصبحت القيادة السعودية بعد الاتفاق بين إيران والدول الست في موقف لا تحسد عليه، وهي انتهجت سياسة غبية وضيقة ومنعزلة، لم يشاطرها أحد فيها، وربما خدعها الفرنسيون وقبضوا منها ثمن مواقف باعوها لها، وهم ينسقون مع الأمريكان، فمن غير المعقول أن يحسبوا حساب السعودية وأن، ينسوا واشنطن. السعودية الخاسر الأول وحليفها الكبير، أي الولايات المتحدة بات في الحضن الإيراني بعقد شرعي، وهي أكثر من الزوج المخدوع؛ بل هي الزوج المنبوذ. وهذا سينعكس بالطبع على علاقاتها الإقليمية والدولية وحتى على الداخل السعودي إنْ كانت هناك ما تزال بعض حياة في العائلة المالكة لمحاسبة المسؤولين عن هذا الفشل الإستراتيجي، أو لتغيير التوجهات.

ثانياً، إن المنطقة والعالم سيشهدان تطورات مهمة إذا ما تم العمل والبناء على الاتفاق الجديد. وهذا ما أكده الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف. فالرئيس الأمريكي تحدّث عن تسوية شاملة قد يقود الاتفاق إليها، فيما اعتبر لافروف أن جوهر الاتفاق بين "السداسية" وإيران يستند إلى فكرة طرحها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. هذا الكلام معناه، أن الاتفاق ليس وليد ساعته ومفاوضات جنيف، بل هو نتيجة مخاض وتحولات كبيرة على مستوى العلاقات الدولية. جنيف كانت للتفاصيل التقنية، لكن القرار كان سابقاً. وهذا يقود إلى استنتاج بديهي وطبيعي يقول بتقدم إيران وحلفائها درجات على سلم الانتصار السلمي، مقابل تراجع السعودية وخطّها الإرهابي.

وهذا معناه أن المرحلة القادمة ستشهد مزيداً من التبدلات في أحجام وأدوار ومواقع العديد من القوى إذ ما معنى أن يدعو الملك السعودي أميري قطر والكويت للاجتماع العاجل أمس في الرياض، مع أن قطر لا تستحي في كل مناسبة من انتقاد العائلة السعودية؟ هل سأل الملك السعودي أمير قطر أين يقيم والده ليذهب إليه؟ هل يستطيع مجلس التعاون الخليجي أن يصمد في وجه التحولات التي تقودها روسيا وتنضم إليها الولايات المتحدة، وتعاكسها المملكة السعودية الخرفة؟ أين سيكون الأردن بعد الاتفاق الأمريكي الإيراني وهل سيصرّ على الحديث عن الهلال الشيعي، أو هل سيوفّر مكاناً آمناً لرئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان للمشاغبة على أوضاع العراق وسورية ولبنان؟ أما بعض الأطراف اللبنانية فقد قرأت التحول الأمريكي منذ زيارة السفير الأمريكي السابق في لبنان جيفري فيلتمان إلى إيران قبل أشهر وبدأت بالدوران في مكانها بانتظار المزيد من الوضوح كما فعل وليد جنبلاط، فيما الأطراف الأخرى التي تدور في الفلك السعودي تعاني من العمى نفسه الذي أصاب القيادة السعودية، ومن الإحباط نفسه.

ثالثاً، إن هذا التطور الذي أقدمت عليه إيران سيقتضي على الأغلب تغيراً في لهجتها وسياساتها ضد الغرب والولايات المتحدة تحديداً إذا ما نجح تنفيذ الاتفاق ووفّى الغرب بالتزاماته، فهل سيبقى حلفاء إيران بعيدين عن قطف العنب كما يشتهي "مُطبلوا ومُزمروا" السياسة السعودية!! الانتصار الإيراني سيصرف في خدمة حلف المقاومة والداعِمَين الروسي والصيني له. ولكن هذا قد يقتضي تغييراً ما في أدوات وأساليب هذا الحلف لتنفيذ سياسات المرحلة الجديدة، التي من المبكر الحديث عنها.

رابعاً، مهما فعلت إسرائيل، فلن يعصمها الارتباط السري بعلاقات مع مشايخ الخليج ولا مع الأسرة السعودية "السريرية". إسرائيل، ستضطر لأن تعيد النظر بموقفها وسياساتها، ولأن تخضع للواقع الجديد الذي لم تعد فيه القاعدة الغربية المفضّلة التي تتحصن بالقرارات والعم الغربي والأمريكي. أما تركيا فهي أكبر الخاسرين من مغامرتها العدوانية ضد سورية، ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، في موقع عليه الاختيار بين سيئين؛ إما تغيير السياسة التركية والإقرار بفشل سياساته السابقة وهذا سيقود إلى تنحيته وانتهاء مستقبله السياسي، أو مواصلة السياسة الحالية وهذه ستقوده إلى الانتحار السياسي أيضاً.

خامساً، ربما أكثر ما فاجأ الساسة الأمريكيين في المرحلة القريبة الماضية، ليس التحدي السوري والإيراني وكل حلف المقاومة، فالأمريكيين تعودا على هذا التحدي ويعلمون مدى قوته وصلابته وهذا ما جعلهم يذعنون للسلم. ولكن ما فاجأهم هو حقيقة مواقف أصدقائهم السعوديين والإسرائيليين الذين كانوا طوال العقود الماضية يتلطون بحماية الأمريكان ويصوبون على الآخرين من زاويتهم، وعند لحظة الحقيقة، كشّر هؤلاء عن أنيابهم ورفضوا المواقف الأمريكية التي بدا أنها لا تخدمهم.

 

بالمختصر إن اتفاق اليوم بين ايران والعالم (ممثلا بدول 5+1)  يعني أننا نعيش صناعة تاريخ جديد للمنطقة والعالم , وأن كثيرا مما كنا نعرفه من معطيات ومعلومات قد تغير وعلى الجميع خاصة اولئك الذين عاندوا منطق الحق والتاريخ أن يعيدوا حساباتهم وتحليلاتهم وتهويماتهم ..المنطقة والعالم الى تغيير آت .. وكل آت قريب...

 

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.