تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

مشاهدات على هامش قمة الدوحة

كانت المرة الأولى التي أستقل فيها الطائرة، ولاشك أن إقلاعها يختلف عن إقلاع " السرفيس" الذي أعرف جميع تفاصيله، بل أحياناً أجدني أقرأ ما يخطه البعض على المقاعد من عبارات، يكتبها بعض المراهقين عن العشق، وهي على بساطتها وأحياناً سخافتها، ربما تكون أفضل من تلك المطولات والمحاضرات التي يدبجها البعض من أهل الأقلام.
ولأن الرحلة كانت على متن " الخطوط القطرية" فقد اعتقدت للوهلة الأولى أن أرى في الطائرة ما يوحي بأنها تتبع " الخطوط القطرية" باستثناء اللون العنابي، إضافة إلى العلم الموضوع على متنها ومؤخرتها.. وباستثناء ذلك، فما هو موجود لا يوحي إلا بأجواء جنوب شرق آسيا، حيث المضيفات بعيونهن الصغيرة الجميلة، ومفرداتهن " الانكليزية" التي تُلفظ بطريقة " فنادقية" متقنة، يبدو أنهن " تدربن" عليها كثيراً، فهي مصبوغة بابتسامة تفرضها طبيعة المهنة.
ولأنني لا أعرف عن قطر سوى "قناة الجزيرة" و"سوق واجف" الذي سمعت عنه من صديق، اعتقدت أن يكون هناك ملصقات وأفلام وثائقية تعريفية بقطر، فالفيلم الذي رافقنا طيلة الرحلة كان فيلم "أكشن" يتضمن حالة إعلانية لأحد أنواع السيارات الألمانية، وحمدت الله أن الفيلم تضمن مشاهد كثيرة عن حوادث السيارات ولم يتضمن أي مشهد عن حوادث الطائرات، فالخوف انتابني من لحظة صعود السلم، ورغم ذلك طلبت من أحد الزملاء المرافقين أن أتبادل معه المقعد، حيث النافذة القريبة من جناح الطائرة، فهي فرصة – ربما لا تتكرر- لكي نرى جزءاً من الأرض العربية من السماء، لكننا للأسف لم نر سوى صحراء قاحلة ربما لم تستطع أموال البترول أن تحد من مساحتها التي تزداد يوماً بعد يوم.
ومع دخول أجواء قطر كان الليل قد خيم، وأصبحت أضواء " الاوتوسترادات" المنظمة تبدو بوضوح، وضوح لم يشبه سوى حالة الاهتزاز التي رافقت الهبوط.

مدخنين مزمنين
ومع دخولنا أولى صالات مطار الدوحة كان وفد من السفارة السورية هناك يستقبل قسماً من الإعلاميين، وييسر الإجراءات المطلوبة في المطار، وهنا بدأنا نرى ملامح قطرية من خلال الموظفات اللواتي ارتدين الزي القطري التقليدي، وللأمانة فإن إجراءات الدخول كانت سهلة وميسرة من جميع النواحي، إلا من جانب واحد، وهو أن التدخين في صالات المطار ممنوع، الأمر الذي لا أحبذه ومعي نفر من زملائي المدخنين المزمنين.
ولأنني غير مستضاف مع "كبار الإعلاميين" ولا "صغارهم" فقد استضافني مشكوراً أحد الأصدقاء السوريين العاملين في إحدى الصحف القطرية، وربما كانت هذه الاستضافة فرصة للتعرف على طبيعة حياة المغتربين السوريين من ذوي الدخل المتوسط، الذي تحول مع ارتفاع الأسعار والأزمة المالية العالمية إلى دخل ضعيف جداً، فهم يجمعون على أن الغلاء الذي حدث في قطر "يأكل" ما يتقاضونه دون أن يستطيعوا توفير ما يبرر غربتهم، وما زاد الطين بلة لديهم إلغاء المؤسسات القطرية لما يسمى "بدل غلاء معيشة" والبالغ 450 ريالاً قطرياً أي 5850 ليرة سورية، وهو مبلغ لا يكفي لشراء ماء الشرب، فكل ما يصلح للشرب من ماء غير متوافر إلا بعبوات.
ما هو أهم من ذلك، أن سمعة الجالية السورية في قطر ليست في أحسن حالاتها-والكلام لصديقنا المصور- إذ هناك من ارتكب جرائم اغتصاب بحق قاصرات، وآخر سرق صرافاً آلياً باستخدام " البلدوزر" وآخرون قاموا بتزوير "شهادات السياقة" لكن رغم ذلك فهم " مرغوبون" أكثر من غيرهم من الجاليات، فالسوري لا يتقن " التملق الممجوج" الذي يتقنه أفراد جاليات أخرى.
حان وقت النوم، وكان عليّ أن أتصفح " الأنترنت" استعدادا ليوم طويل في المركز الإعلامي المخصص للإعلاميين المشاركين في تغطية أحداث القمة، فطلبت من مضيفي أن أتصفح "النت" وكنت معتقداً أنه سيكون بطيئاً، ربما بسبب حجم التغطية الإعلامية الكبيرة، لكنه كان سريعاً جداً ورخيصاً جداً، تماماً كما هو عندنا.. فالتكلفة الشهرية هي 1000 ريال، بغض النظر عن كمية الاستهلاك والتحميل وهي تكلفة مقارنة بمستوى الدخل زهيدة جداً.
وفي صباح اليوم التالي، اتجهنا إلى المركز الإعلامي في فندق الشيراتون، حيث مكان استضافة أعمال القمة، وفي الطريق تلفت الانتباه الأبراج المكسية بالبللور وهي أبراج عملاقة لا يشوه جمالها سوى الغبار الذي يغطي الأجواء، فطيلة أيام وجودنا هناك لم نر لون السماء الطبيعي، بل لونا أحمر غباريا يؤكد صديقنا أنه على مدار العام، ورغم ذلك فالشوارع نظيفة والسيارات فاخرة والازدحام خفيف..!
 
كوية بنطال
بعد إجراءات طويلة بعض الشيء تم تزويدنا بالبطاقة الإعلامية التي تخولنا الدخول إلى المركز الإعلامي، الذي لم تكن تجهيزاته قد انتهت رغم أن اجتماع المندوبين الدائمين كان في اليوم السابق، وهنا وفي أكثر من مكان أيضاً تذكرنا القمة العربية العشرين التي عقدت في دمشق العام الماضي، وتذكرنا تحديداً طالب قاضي أمين الذي أجاد وأتقن الحركة الإعلامية المرافقة للقمة، فلم نكن نجده إلا بين الصحفيين أو بالقرب منهم، فضلاً عن أن المركز الإعلامي بكل تفاصيله كان جاهزاً قبل بداية أي فعالية من فعاليات القمة.. ورغم الإمكانيات الكبيرة لقمة الدوحة، إلا أن التنظيم لم يكن جيداً، فلا المركز الصحفي هيأ للإعلاميين فرصة أن يقتربوا من مركز الاجتماعات على اختلاف مستوياتهم، بينما كنا نرى في دمشق تحركاً منظماً للصحفيين باتجاه مراكز الاجتماعات بحيث يستطيع الصحفي الموجود أصلاً للحصول على الخبر – وليس للاسترخاء في فنادق النجوم الكثيرة- أو تصريح أو "تسريبة" من وزير أو مندوب أو أي مسؤول بعد أن ينفض الاجتماع، وهذا ما لم يتحقق في قمة الدوحة.
ورغم ذلك كان المركز الإعلامي عبارة عن "خلية نحل" مزدحمة بالإعلاميين العرب والأجانب وكم كان جميلاً أن ترى رئيس تحرير صحيفة ما أو وكالة أنباء وهو يشرف على الكادر المرافق له، ويوزع المهام عليهم لنطلقوا في كل اتجاه للحصول على تصريح أو تسريب من هذا المكان أو ذاك، وبينما هو يدير هذه العملية لا يتوقف هاتفه النقل عن الاتصال بهذه الجهة أو تلك في سبيل الحصول على خبر ما من داخل إحدى القاعات المستضيفة للاجتماعات، وبهذا يمكن التعرف إلى المهنية الإعلامية على أصولها، وهو درس مفيد لمن يريد أن يستفيد، بل كثيراً ما نرى أن هذا الصحفي أو ذك والتعب باد عليه وعلى ثيابه على عكس آخرين- أو أخريات- لم تتغير " كوية بنطالهم".
انتهت القمة، وشاء القدر أن تكون يوماً واحداً، وهذا ما وفر القليل من الوقت لزيارة بعض الأماكن في قطر، وكان لابد من زيارة "سواق واجف" وهو عبارة عن سوق قديم يعج بالمقاهي والزوار- ربما لأنه يحمل طابعاً أثرياً- وهو المكان الوحيد الذي قد يوحي بشيء من الماضي فالدوحة اليوم عبارة عن أبنية ضخمة جميلة نظيفة، ولكن لا روح فيها، روبما هذا ما وفره "سوق واجف" لذلك كان الازدحام.. والجمال.
وهذا ما يدفعنا لتوجيه نداء أن نحافظ على روح مدننا القديمة، وألا نؤذيها بالترسانات البيتونية، ونفقدها طابعها وهويتها، ولمن يريد أن يزيد من الفنادق ذات النجوم الخمس والسبع فالأرض واسعة، ونرجو ألا تضيق العين بالاستحواذ على الحارات القديمة.
هدايا كثيرة، و"توصيات" أكثر كان علينا أن نحملها من العاصمة القطرية، ولاسيما أن هناك من اعتقد أن الإعلاميين " سيكافؤون" بمبلغ 4000 دولار، وربما يكون قد حصل ذلك، من يدري؟.. لكن ذاكرتي لم يمر على "أرشيفها" هذا المبلغ ولا أقل منه بمسافات طويلة..!! على كل حال كانت النصيحة أن نتوجه إلى ما يسمى بـ "السيتي سنتر" ففيه بضائع متنوعة وأسعارها معقولة، هكذا قالوا!! ولكن لا بضائعه أكثر مما هو موجود في بلدنا، ولا أسعاره أرخص، لذلك اكتفينا بجلب "بعض الألعاب".. والكثير من الخبرات.
 
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.