تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

بين الامتحان التحريري والمؤتمت.. علقت ورقة التوت

 المزاجية التي أدخلت الأتمتة على الامتحانات الجامعية تخرجها الآن من بعض المواقع

منذ سنوات وفكرة أتمتة الامتحانات مثار جدل في أوساط الطلبة، أسالت لعاب البعض وأغاظت البعض وحيّرت آخرين، المعجبون أحبوا أن يضبط امتحاناتهم فهو يحمل الإجابة وإن كانت حمّالة احتمالات، أحبوه كون كل من المجتهد والمهمل قابلاً للنجاح – ولم أقل التميز والتفوق – المجتهد يختار بتمكن فيتميز والمهمل يمر أحياناً بدعم من الحظ، لكن مروراً باهتاً، وبالفعل طبقوها في جامعاتنا وكانت البداية من كليات الطب لتعمم بعدئذ على باقي الكليات العلمية وبعض الأقسام الأدبية فكان ما كان. والآن وقد بدأت الامتحانات الجامعية لدورة 2009/ 2010 الأولى وأقبل معها الطلبة على المحاضرات والنوط والمراجع، فقد ترافق ذلك مع طروحات بإلغاء أسلوب الأتمتة من امتحانات بعض الكليات والأقسام وبالفعل حصل هذا في قسم اللغة الإنكليزية بكلية الآداب في دمشق.. ويبقى السؤال هل القرار كان صائباً.. وهل تجربة أُتمتة الامتحانات أشبعت دراسة قبل تعميمها، أو هل هي بالفعل قابلة للتعميم ؟.
 
قرار متأخِّر
إذاً، أسلوب الامتحانات التحريري عاد إلى قسم اللغة الإنكليزية قبيل البدء بالامتحانات وهذا بحسب الدكتور يحيى العريضي رئيس قسم اللغة الإنكليزية قرار متأخر إلا أنه "الأنجع" لأسباب منها ضرورة التواصل بين الطالب والمدرس في أقسام كلية الآداب على وجه الخصوص، إذ يتوجب على الأول إبراز مقدراته اللغوية والنقدية من خلال التفاعل مع المدرس الذي يتمكن بدوره من سبر ودراسة إمكانيات طالبه بالإضافة إلى الفروقات الفردية التي يعجز نظام الأتمتة عن رصدها أو تقييمها.
ويضيف الدكتور العريضي أن النمط التقليدي يساعد الطالب في تنمية القدرة التركيبية والتحليلية والنقدية على حد سواء، مشيراً إلى أن هذه الامتحانات هي بمثابة تجربة يتم تقييمها لدى نهاية العام الدراسي إما بالاستمرار أو بالعدول عنها وفق ما تقتضيه الضرورة.
 
بين موافق ومعارض
وعن ردة فعل طلاب الآداب حول العودة إلى الأسلوب التحريري في الامتحانات قال (علي م) طالب سنة ثالثة كلية آداب، قسم اللغة العربية... إن نظام الأتمتة يتفوق على النظام التحريري باكتشاف مدى دقة الطالب أثناء الدراسة وينمّي قدرته التحليلية ويضمن موضوعية التصحيح، لكنه قاصر في بناء القدرة التركيبية والاستنتاجية لديه بأن تم التدليل على الإجابة بإدراجها ضمن الاحتمالات الواردة في السؤال.
أما (زينة بدرة) طالبة آداب لغة إنكليزية سنة رابعة فتؤكد أن الموضوعية هي سبب أكثر من كاف لاتباع نظام الأتمتة، فعلى جامعاتنا أن تحذو حذو الجامعات العالمية وتسخِّر التكنولوجيا في خدمة السرعة والموضوعية..أما بالنسبة للأسئلة فإن النظام المؤتمت يضمن دراسة الطالب للمقرر دون إرباكه في عملية الحفظ الصم، مضيفة.. لدينا عدة وسائل للسيطرة على الوضع، فالخيار الصائب في الأسئلة متوسطة الصعوبة يهتف للطالب ويهمس له كي يقع الاختيار عليه، أما عندما تبلغ الحيرة أشدها- وهو أمر يواجهنا غالباً- يبرز دور البراعة في استخدام قانون الاحتمالات باستبعاد إجابة أو حذف إجابتين أو اتباع استراتيجية الابتعاد عن الإجابة المألوفة نظراً لذهنية الطالب التي تفترض الأسئلة "الفخ" وسوء الظن بالمدرسين إضافة إلى اتباع الحدس وانتهاءً بالتسليم باختيار مربع اعتباطي علّه يكون رمية من غير رام، لذا فإن نمط الأسئلة المؤتمتة، وإن كان في بعض الأحوال مربكاً، إلا أنه الأجدى من حيث وسائل تحصيل الدرجات !.
 
تأرجح المعدلات
وبينت بعض تعليقات الطلاب كفاءة الأسلوب التحريري رغم أنه "مصحح يدوياً وفشل الأسلوب المؤتمت في تقييم دقيق للطلاب نظراً للتناقضات والعيوب الكثيرة التي تكمن في إعداد الأسئلة، فها هي (هبة موحد) طالبة سنة ثانية قسم لغة إنكليزية تشير إلى براعة المدرسين وحذاقتهم بوضع الأسئلة التي من شأنها أن تحيِّر زملاءهم وتجعل الطالب يشك بالبديهيات تارة؛ ونزوعهم بالمقابل إلى تكرار أسئلة الدورات السابقة أو إعداد أسئلة بسيطة جداً لا تكلف الطالب أكثر من تصفح المادة. الأمر الذي جعل الطالب يعاني من تأرجح في منسوب الدرجات بين مواد: تفوق درجاته بها80% ، وأخرى يتوالى رسوبه فيها... ما يشكك بقدرة هذا النظام على تحديد مستوى واضح للطالب عينه، ناهيك عن نشر مواد تحقق معدلات الرسوب فيها أرقاماً عالمية تجعل الطالب يشعر بعبثية دراسة المحاضرات والمراجع والكتب والنوط المطلوبة التي تبعد كل البعد عن المصادر المعتمدة في إعداد الأسئلة الامتحانية المشار إليها وخصوصاً مواد الرأي التي تشكل أكثر من 70% في الكليات الأدبية.
 
رأي آخر
وعن رأي الكليات التطبيقية في الاختلاف بين النظامين يقول الدكتور صالح داود عميد كلية الطب: إن الكلية مستمرة في اتباع نظام الأسئلة المؤتمتة نظراً لموضوعيتها وكونها تمثل النموذج الحديث للتعلم، فهي تعلم الطالب كيف يفكر وكيف يستنتج كما يضمن هذا النظام إعطاء علامة ثابتة حتى بعد عدة أشهر من إعادة التصحيح، بالإضافة إلى الحاجة الملحة لمعرفة مدى دقة الطالب من خلال خضوعه لأسئلة تحتم عليه الاختيار ما بين الصحيح والأصح وتلزمه بالتمعن في تفاصيل المادة أثناء الدراسة، لافتاً إلى أن دور الاختبار العملي الذي يشكل30% من الدرجة العظمى والقائم على مبدأ امتحان الطالب من قبل لجنة تضمن دقة الدرجة الممنوحة إضافة إلى العلامات المخصصة للحضور، وبهذا يحقق الامتحان نوعاً من التكامل ما بين الأسئلة الشاملة والدقيقة والموضوعية من جهة والاختبار السريري من جهة أخرى.
ولفت داود إلى وجوب وضع أسئلة متوسطة الصعوبة بنسبة70% من إجمالي الأسئلة بصورة تناسب المستوى العام للطلاب إضافة إلى15% من الأسئلة المحكمة المشتملة على حالات طبية نادرة بغرض تمييز الطالب المتفوق عن سواه.
وكشف داود عن بعض نقاط ضعف هذا النظام مثل تكرار بعض المدرسين لأسئلة الدورات السابقة وهو أمر مرتهن بالضمير المسلكي لكل مدرس حيث يعمد البعض إلى اتباع هذا الأسلوب لتوفير الوقت والجهد اللذين يُبذلان لصالح عملهم الخاص في المشافي أو العيادات أو الجامعات خاصة، لافتاً إلى أنه "خطأ تدريسي وتربوي".
 
الكليات التطبيقية
وفي هذا الصدد تقول طالبة سنة رابعة في كلية طب الأسنان (ديمة هميلة): إن نظام الأتمتة يوفر الكثير من الجهد المبذول في حفظ وتكرار المعلومات استناداً إلى وظيفة الاحتمالات المرفقة في تذكير الطالب بالإجابة الصحيحة وبالتالي يكون الهدف التعليمي قد تحقق دون الحاجة إلى تعقيد الأمور على الطلاب.
أما (هبة ملحم) طالبة هندسة مدنية سنة 3 فترى استحالة في تطبيق نظام الامتحانات المؤتمت على أي من الكليات الهندسية لأنها كليات عملية بصورة بحتة وتعتمد على المواد التطبيقية؛ لذا فإن مسألة الامتحان التحريري في هذه الكليات لا تحتمل النقاش، بل وتذهب إلى أبعد من ذلك في مطالبتها بزيادة عدد النشاطات الميدانية لمشاريع قائمة أو قيد الإنشاء والابتعاد عن فرض معسكرات ورحل علمية النتيجة منها معروفة سلفاً.
ويقول (أمير حسين) وهو طالب اقتصاد سنة رابعة... لا أمانع في أي من الامتحانين لأني أسعى وراء المعدل؛ لكن أرى مشكلة في أتمتة بعض المواد الرياضية التي تضم مسائل وعمليات حسابية لا يتناسب طولها مع الزمن المحدد في هذا النوع من الامتحانات.
 
خمس سنوات إلى الوراء
في عام 2006 ألغت بعض أقسام كلية الآداب آخر مقرر تحريري لتصبح موادها خاضعة لنظام الأتمتة بالمطلق بما في ذلك المواد النقدية والمقالة ومقررات الترجمة، وبعد مضي 5 أعوام رأى عميد كلية الآداب باستمرارية الوضع القائم في كلّية نسبية مشكلة متفاقمة... بعد أن ضخت الكلية عشرات الآلاف من الخريجين إلى سوق العمل، وهناك وفقط هناك سقطت ورقة التوت وكشفت عيوب الجامعيين أمام متطلبات العمل وخصوصاً خريجي أقسام اللغات الأجنبية الذين يعجز قسم كبير منهم عن الكتابة أو النقاش باستخدام اللغة، فكان لابد من إعادة النظر بما سبق والاتجاه إلى النموذج التحريري في وضع الأسئلة بغية إسعاف الجيل الجديد.
يقول (فادي اللافي) وهو خريج قسم اللغة الإنكليزية عام 2007 ويعمل كمترجم في أحد المواقع الإلكترونية: إن هذا النظام أساء لجامعة دمشق المعترف بها دولياً والتي لطالما تفاخر وافتخر طلابها بانتمائهم إليها وبتخرجهم من أروقتها؛ إلا أنهم باتوا الآن موصومين بما اسماه "عار" نظام الأتمتة؛ رغم أن مدرسيها نالوا شهادات الدراسات العليا من أرقى جامعات بريطانيا وأميركا وهم لا يكلِّون من تزويد الطلاب بما لديهم من خبرة أو مطالبتهم بدراسة محاضرات تطول وفرضهم قائمة بالمراجع التي لها بداية ولا يعرف لها نهاية إذا ما قورنت بكمية المعلومات التي يتلقاها خريجو الجامعات السورية الأخرى.
وعلقت (فداء خليل) طالبة سنة 3 إعلام في إحدى الجامعات الخاصة على السجال المستمر حول أنظمة الامتحان المتبعة في الكليات الحكومية ومشاكل ما بعد التخرج قائلة: إن طلاب هذه الجامعات دخلوا إليها مجاناً وما عليهم سوى المتابعة الشخصية لكل ما هو جديد ومفيد دون الحاجة إلى إلقاء اللائمة على أية جهة.
 
أرض مشتركة
وكيل كلية الآداب للشؤون العلمية الدكتور محمد موعد يوضح أن كلية الآداب لم تلغ نظام الأتمتة بالمطلق فقد "أسندت عمادة الكلية القرار إلى كل قسم بالاستمرار في النظام المذكور أو إبطاله بحسب الضرورة، فلا تزال بعض الأقسام مستمرة في اتباع هذا النظام ببعض المواد باستثناء الأقسام الكبرى كاللغة العربية والإنكليزية والفرنسية؛ التي ارتأى رؤساء أقسامها أن الخير في إلغاء الأسلوب المؤتمت بشكل مطلق لاشتمالها على مواد لا تحتمل الأتمتة كالترجمة والمقالة والنقد الأدبي" لا يجب التضحية بنوعية المادة وطبيعتها على حساب الموضوعية التي اتخذها الطلاب المهملون شعاراً عريضاً ينادون به للاستمرار في نظام الأتمتة الذي ومع الأسف راكم نماذج متكررة من الأسئلة خلال السنوات الماضية، وجد فيها هذا الصنف من الطلاب وسيلة للاطلاع السريع على هذه النماذج دون الدراسة الدقيقة والتفصيلية للمقررات، لهذا تضمن الامتحانات التحريرية دراسة شاملة ودقيقة للمحاضرات والكتب دون استثناء أيٍّ منها، وفيما يتعلق بمسألة مدى موضوعية النظام التحريري لابد من الاعتراف بأنها نقطة ضعف لكونها خاضعة لحكم المدرس، إلا أن مجال التفاوف عن الدرجة المستحقة يبقى طفيفاً على الأغلب، حيث بات المدرس مطالباً بإعداد سلالم تضمن توزيع الأسئلة بشكل عادل نسبياً ولا أعتقد أن مدرساً جامعياً قضى سنوات من عمره بالأبحاث والدراسات يضع ضميره جانباً ويستعيض عنه بالمزاجية... فلا يوجد ما يدعوه إلى بخس أيٍّ من الطلاب حقه إلاّ إذا أردنا الاتجاه في حديثنا إلى الاستثناء وترك القاعدة العامة".
 
العكس صحيح
إن لم توجد دوافع في هضم حقوق الطالب سوى "الإهمال" فإن الدافع في الاتجاه المعاكس واضح جداً...فماذا عن الطلاب المدعومين الذين ينجحون بفضل قوى خفية؟ وما هو موقع الواسطة من الإعراب؟
لا يخفى على أي منّا أن الواسطة يمكنها في أغلب الأحوال خرق أكثر الأنظمة التعليمية منعة بما فيها نظام الأتمتة... وعند دائرة الامتحانات الخبر اليقين.
وعن مدى موضوعية المدرسين في التصحيح تقول (فاطمة محمد) طالبة أدب عربي سنة ثانية... لم أعان خلال السنة الأولى في المواد التحريرية من تفاوت في الدرجات لدى مقارنتي ما كتبت بالعلامة المستحقة، فكانت الدرجات متوافقة مع تقديراتي، إلا أن الأقاويل تكثر عن حالات الظلم التي يعاني منها الطلاب في السنوات اللاحقة، الأمر الذي جعلني أطور آلية دفاعية نفسية تمكنني من مواجهة أي صدمة مشابهة بيسر.
وتقول عبير عبد الله (إحدى طالبات الحقوق السابقين) إنها تعرضت لظلم واضح خلال سني دراستها، فمن ضمن هذه المرات وبسبب توالي رسوبها في السنة الثالثة "مقبرة الكلية" تمكن شقيقها عمار من إدراكها وفي قاعة الامتحان، جلسا متجاورين وتمكن الشقيق من نقل المعلومات التي دونتها عبير بحرفية وعندما صدرت النتائج نجح عمار واستنفدت عبير فرصها!
 
أكاديميون ولكن
تتغير أنظمة وأساليب وقرارات وفقاً لتغيير الكراسي والأمزجة ومواكبة التقدم والتطور والموضة، ويبقى شبح التشكيك يلاحقهم... هل يعود السبب في ذلك إلى قصور أذهان البعض في تقبل الأنظمة المستوردة ذات الانتشار العالمي تحت تأثير أفيون الحنين إلى الماضي؛ أم أن الأصالة في الماضي وبالماضي تكمن العراقة التي تكفل الإطاحة بأي تجربة فاشلة وإن كانت العيّنة عشرات الآلاف من فئران المخابر.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.