تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

العرب: الجفاف يقلب حياة المزارعين على ضفاف وادي مجردة في تونس

مصدر الصورة
العرب

تصاعدت مخاوف المزارعين في تونس من أن يحدث الجفاف المرشح للتفاقم تغييرات واسعة بخارطة الإنتاج والتي ستمس حياة السكان، ومن أبرزها آفاق إنتاج أصناف من الخضروات والفواكه، والتي ظلت لسنوات رموزا لمحاصيل البلاد على ضفاف وادي مجردة.

تونس – يسيطر القلق على معظم الأسر التونسية التي تمتهن الزراعة بمحاذاة أهم مجرى مائي في البلاد بعدما تركت التغيرات المناخية آثارا قاسية على كميات المياه والقطاع برمته مما يفاقم ضغوط تأمين سلة غذاء السكان.

ويعكف عُمال على الانتهاء من أشغال بناء سد جديد في وادي مجردة، الذي ينبع من سوق أهراس شمال شرق الجزائر، ويمتد على 500 كيلومترا قبل أن يصب في خليج تونس، لكن لا أحد يعلم ما إذا كانت المياه ستعود إلى مجاريها مثلما كان الأمر في السابق.

وتعتمد خطة الحكومة على التحكم في مياه الوادي عبر تجميعها ومنع الهدر المجاني لها بتركها تنساب إلى البحر دون أي استغلال، في وقت تواجه فيه البلاد نقصا كبيرا في الموارد المائية المتآكلة.

حسين الرحيلي: سيكون من المهم مراجعة طريقة تخزين المياه السطحية

لكن المخاوف هي أن تكون هذه الخطوة قد تأخرت لسنوات بسبب التراجع الكبير لحجم تساقط الأمطار على عكس الوفرة التي كانت سائدة قبل نحو عقد وكانت تؤدي بشكل موسمي إلى حدوث فيضانات.

وتبدو الصورة الآن معاكسة تماما، فقد هبط منسوب المياه في الوادي إلى أدنى مستوى له على نحو غير مسبوق، وبعض أجزائه خاوية تماما، فيما تبرز للعيان التربة المنشقة في قاعه بفعل الجفاف المستمر منذ ثلاثة مواسم.

ويشكك الخبير الجامعي المتخصص في الموارد المائية حسين الرحيلي في مدى جدوى وفعالية بناء السد بينما تلقي التغيرات المناخية المتطرفة بظلالها على حجم تساقطات الأمطار.

وقال الرحيلي لوكالة الأنباء الألمانية إن “اللجوء إلى تجربة السدود كان حلا فاشلا. فإسبانيا أكبر دولة تملك سدودا في أوروبا لكنها تعاني من العطش لأن السدود مصدر تبخر للمياه”.

وأضاف “سيكون من المهم اللجوء إلى مراجعة طريقة تخزين المياه السطحية، الحل الأمثل في الموائد المائية”.

وعلى أطراف الوادي توقفت محركات ضح المياه إلى الأراضي الزراعية القريبة في خطة للتقشف أعلنتها السلطات. وتجري الإمدادات بكميات محدودة ما تسبب في خسائر كبيرة للمزارعين الذين يعتمدون بشكل كامل على مخزون الوادي أو الأمطار.

ومع تعثر إمدادات الوادي، الذي يعتبر شريان الحياة الاقتصادية والزراعية للعديد من الولايات (محافظات)، وانحباس الأمطار لفترات طويلة بات المزارعون في مواجهة مصير مجهول.

وتعتبر أراضي حوض مجردة الأكثر خصوبة بالبلاد، بفضل روافد هذا النهر والتي تقدر بنحو 8.5 في المئة من الموارد المائية، لكن الوضع تغير كثيرا مع تواصل موجة الجفاف.

ويقول المزارع كمال الفايدي الذي يدير مزرعة بمحاذاة الوادي إن الوضع كارثي و”نتلقى المياه بمعدل مرتين أسبوعيا ونستخدم صهاريج صغيرة للري وهي غير كافية والآن توقفنا عن زراعة الخضروات وليس لدينا خيار آخر”.

وتابع الفايدي بنبرة يائسة “زادت الأشغال في الوادي الوضع سوءا. لقد أوقفوا الإمدادات المائية حاليا، ولا نعلم ما الذي ينتظرنا في الأشهر المقبلة”.

انعكاسات تقلص المساحات المزروعة

  •  60 في المئة تراجع إنتاج الطماطم الفصلية
  •  45 مليار دولار مخصصات نفقات الدعم
  •  30 في المئة انخفاض إنتاج الخضر الورقية
  •  20 في المئة انخفاض إنتاج الفواكه الصيفية

* أرقام عن اتحاد الفلاحة التونسي

ومثل الفايدي تسيطر حالة من الحيرة على المئات من المزارعين بمنطقة قلعة الأندلس شمال العاصمة، حيث تمتد الأراضي الزراعية على كيلومترات بموازاة الوادي.

ومن أجل الحفاظ على المخزون المحدود من المياه قررت السلطات منع زراعة بعض الخضروات مثل الطماطم والفلفل والقرعيات. وحوّلت هذه الخطوة مساحات شاسعة إلى مجرد أراض جرداء قاحلة.

وجراء ذلك تراجعت المساحات المروية المخصصة لزراعة الطماطم الفصلية مثلا من نحو 13 ألف هكتار إلى 7 آلاف، أي قرابة 60 في المئة، والمساحات المخصصة لزراعة الفلفل بنسبة 45 في المئة وزراعة الخضر الورقية بنحو 30 في المئة بحسب اتحاد الفلاحة.

كما تقلصت المساحات المخصصة لزراعة الفواكه الصيفية كالبطيخ بنسبة 20 في المئة مقارنة بالعام الماضي، وهذا يعني أن الأسعار ستكون في مستوى مرتفع ما يبقي التضخم عاليا عند أكثر من عشرة في المئة.

وقال المزارع فيصل عرافة من قلعة الأندلس “كل المزارعين كانوا يعولون على الإنتاج لسد الفجوة الكبيرة مع التكاليف، لكن الآن جميعنا نغرق ومهددون بالسجن بسبب القروض غير المستخلصة”.

ويهدد الجفاف أنشطة قرابة نصف مليون مزارع في تونس من منتجي الفواكه والخضروات والحبوب ومربي المواشي بسبب ندرة المياه والأعلاف، ويتوقع أن يكون لهذا تداعيات على الأسعار ونسبة البطالة.

واعتبر اتحاد الفلاحة، وهو نقابة المزارعين الأكبر بالبلاد، أن قرار التقليص في المساحات المزروعة كان له أثر على تشغيل اليد العاملة متسببا في تسجيل نقص بواقع 25 في المئة في عدد أيام العمل.

ويخشى المزارعون من اتساع نطاق الأزمة في فصل الصيف في ظل تقلص الموارد المائية في كامل سدود البلاد إلى مستوى أقل من 30 في المئة من طاقة استيعابها.

ويبرز حجم الكارثة أكثر في أكبر سد في البلاد، سيدي سالم، المزود الرئيسي لمناطق الشمال، إلى مستوى 17 في المئة فقط من طاقة استيعابه قبل حلول الصيف.

وتشير الأرقام إلى خطورة أزمة المياه في تونس مع تراجع معدل استهلاك الفرد سنويا إلى قرابة 400 متر مكعب بينما يبلغ المعدل الاعتيادي عالميا والضامن للاحتياجات الحياتية، ما بين 700 و900 متر مكعب، وفق منظمة الأغذية والزراعة (فاو).

وقال الرحيلي “نحتاج إلى تصور جديد في القطاع الزراعي وعلينا أن نتوجه إلى الزراعة الأقل استهلاكا للمياه ويتعين الوقف عن الزراعات المصدرة وذات قيمة مضافة ضعيفة”.

وينصح بأن تكون هناك مراجعة للتهيئة الترابية حتى يتم استغلال كافة مياه الأمطار في المدن لتخفيف الضغط على السدود وشبكات توزيع المياه العمومية.

ويتابع “علينا أن نفكر في مصادر مياه غير تقليدية، مثل المياه التي تتم معالجتها ولكن تُلقى في البحر بكميات تقدر بما بين 300 و350 مليون متر مكعب سنويا، ويمكننا أن نوفر سنويا 400 مليون متر مكعب أي ما يعادل طاقة استيعاب أربعة سدود”.

وأضاف “على المدى المتوسط هناك فرص لتوفير كميات مهمة من المياه الضائعة وتنويع مصادر المياه ويجب أن نعطي قيمة للمياه وعلى المواطن أن يشعر بهذا، وهذا يحتاج إلى عمل ثقافي”.

لكن إلى حين تحقيق تلك الإصلاحات، فإن وضع الزراعة وأنشطة المزارعين ستظل على حافة الهاوية إذا لم تدفع الدولة بحلول مؤقتة.

وقدر اتحاد الفلاحة نسبة الخسائر للموسم الزراعي في منطقة سليانة ذات الأراضي الزراعية الشاسعة غرب العاصمة، بنسبة مئة في المئة بسبب الجفاف وشح المياه في السدود والآبار.

وقال رؤوف الحسني عضو الاتحاد الجهوي إن الجهة ستشهد نقصا في إنتاج القرعيات والفواكه والخضروات الصيفية أمام تواصل ارتفاع درجات الحرارة وتراجع مخزون السدود.

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.