تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تقديم المساعدة أو الإسعاف في القانون السوري..!!


28/4/2015

ثمة حالات خاصة نادرة عاقب فيها المشرع السوري على مجرد الامتناع عن المساعدة, أو عدم المبادرة إلى الإسعاف أو مدّ يد العون, دون أن يشترط لقيام المسؤولية وفرض العقاب أن يفضي الامتناع إلى إحداث أي نتيجة ضارة, ودون أن يتطلب توافر قصد القتل أو الإيذاء في نفس الممتنع.

وفي هذا السياق، يأتي ما نصت عليه المادة 552 من قانون العقوبات، حيث جاء فيها: "كل سائق مركبة تسبب بحادث ولو مادي, ولم يقف من فوره, أو لم يعن بالمجني عليه, أو حاول التملص من التبعة بالهرب, يعاقب بالحبس التكديري وبغرامة لا تتجاوز الخمسين ليرة ". وإذا كان قد نجم عن الحادث ضرراً أو إيذاءً غير مقصودين, فإن امتناع السائق عن إسعاف المجني عليه يوجب تشديد العقاب عليه وفقاً لأحكام المادة 553 من قانون العقوبات.

ومن الجدير ذكره أن عقوبة الامتناع تُفرض على هذا السائق سواء أكان الحادث ناشئاً عن خطئه أم لم يكن، وسواء نجم عنه إزهاق روح أو إيذاء أو لم ينجم. وكأنما رغب المشرع في أن يعالج هذا الوضع ذاته في صلب قانون السير الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /11/ لعام 2008 في المادة /199/ فقرة2، حيث عاقب بالحبس من ثلاثة أشهر حتى السنة وبالغرامة من 50 ألف ليرة سورية حتى 100 ألف ليرة كل من تسبب بحادث أو ضرر لشخص ما ولم يتوقف لإسعافه. فجعل من واجبات كل سائق مركبة التوقف عن السير إذا سببت مركبته حادثاً نشأ عنه ضرر لشخص ما, والعناية بأمر هذا الشخص, وتأمين نقله إلى أقرب محل يمكن إسعافه. وعاقب في ذات المادة ـ فقرة 2، بالحبس من شهر حتى ثلاثة أشهر وبالغرامة 25 ألف ليرة سورية وحجز مركبة كل من لم يوقف مركبته إذا سببت ضرراً لشخص أثناء سيرها, ولم يسعف المصاب إذا لم يكن هناك خطر يهدد حياته.

ومن الطبيعي أن يتساءل الباحث أي النصين هو الأولى بالتطبيق: نص المادة 553 من قانون العقوبات أم نص المادة 199 من قانون السير؟

لم يشأ المشرع السوري أن يترك حل هذه المشكلة خاضعاً للقواعد العامة والأحكام العامة في تنازع النصوص الجزائية, كما عبرت عنها المادة 180 من قانون العقوبات, وإنما أوجد لها في صلب قانون السير حلاً مال فيه إلى الشدة, فقرر في مقدمة المادة 199 من أحكام هذا القانون أنه إذا نص قانون آخر على معاقبة أحد الأفعال التي يعاقب عليها قانون السير، فيجب تطبيق النص الذي يقضي بالعقوبة الأشد، وعلى هذا فإن نص المادة 199 من قانون السير هو الأولى بالتطبيق. وفي هذا الإطار عاقب المشرع السوري في صلب قانون السير بالفقرة 8 من المادة 199 بالغرامة 2000 ليرة في حال عدم إسعاف المصاب من قبل سائق مركبة أخرى شاهد الحادث.

        ومن الحالات النادرة التي عاقب فيها المشرع على مجرد الاستنكاف عن المساعدة أو العون, ما نصت عليه الفقرة ب من المادة 755 من قانون العقوبات، والتي تعاقب بالغرامة من خمس إلى عشرة ليرات كل شخص, سواء أكان من أهل الفن أم لا, يستنكف أو يتوانى بدون عذر عن الإغاثة أو إجراء أي عمل أو خدمة يطلبها منه رجال السلطة عند حدوث حادث أو غرق أو فيضان أو حريق أو إغاثة أخرى، أو عند قطع الطريق أو السلب أو الجرم المشهود أو الاستنجاد أو عند تنفيذ الأحكام القضائية.

وفي قانون التجارة البحرية أوجب المشرع على كل ربان سفينة اصطدمت بغيرها أن يغيث السفينة الأخرى وبحارتها وركابها بقدر ما يتيسر له ذلك دون أن تتعرض سفينته وبحارته وركابه لخطر جدي.

ولعل من أصعب الأمور وأدقها إقامة البينة على القصد الجنائي في حال الامتناع، وهو موقف سلبي محض لا يفصح فيه الجاني عما استكن في جنانه أو استقر في ضميره, لأنه لم يقم بأي فعل خارجي محسوس ينم به عما تنطوي عليه جوانحه من نوايا ومقاصد. كذلك يصعب أيضاً قيام الدليل على وجود الرابطة السببية بين هذا السلوك السلبي المحض وحصول الوفاة أو الأذى. وإذا استثنينا الحالات التي ألمعنا إليها في المعاقبة على الامتناع عن مساعدة الغير عملاً بمبادئ التضامن الإنساني, فإن التشريع الجزائي السوري خال من أي نص يعتبر فيه الامتناع عن مساعدة الغير جريمة مستقلة بذاتها, كما هي الحال في أكثر التشريعات الجزائية الحديثة. ولذلك فإن الامتناع المحض حيث لا يوجد واجب أو التزام قانوني لا يوجب في نظر التشريع السوري أية مسؤولية جزائية.

        ما من شك في أن مبادئ التضامن والتعاون الإنساني وما تقتضي من تخطيط وتنسيق وتوجيه لفعاليات الأفراد والجماعات تستلزم تجريم الامتناع الآثم عن إسعاف الغير وإسداء يد المعونة له, وإن لم يكن على عاتق الممتنع التزام أو واجب قانوني حيال هذا الغير. ولعل من الأفضل أن يتلافى المشرع السوري هذا النقص في التشريع الجزائي الراهن, وأن يعمد إلى سن قانون صريح يقضي بمعاقبة كل من يمتنع قصداً عن معاونة إنسان في خطر وهو قادر على ذلك دون أن يعرض نفسه أو سواه لأي أذى.. وهذا هو عينه الأسلوب المتبع في ألمانيا.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.