تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الدسـتور السـوري صناعـة سـورية..!!

مصدر الصورة
محطة أخبار سورية

نفت رئاسة الجمهورية العربية السورية عبر صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي صحة الخبر الذي يشير إلى مشروع دستور سوري مقترح من قبل روسيا والذي تناول صلاحيات الرئيس وإلغاء المادة الثالثة من الدستور الحالي والمتعلقة بديانة رئيس الدولة. وأشارت المسودة المزعومة إلى صلاحيات واسعة لـ (جمعية المناطق) أو ما يعرف بالإدارة اللامركزية الموسعة للإدارات المحلية ورئيس مجلس الوزراء. كما نزعت أي إشارات قومية واشتراكية ليسقط مثلاً من القسم الدستوري «العمل على تحقيق العدالة الاجتماعية ووحدة الأمة العربية، واستبدلت بنزوع أوضح نحو الاقتصاد الحر و«الوطنية» مكان القومية. وتشير مواد عديدة إلى تمثيل الأطياف الطائفية والقومية و«حجز مناصب» للأقليات، إضافة إلى تعديلات واسعة أخرى.

وبعد النفي الرئاسي السوري علمه بالمشروع وتعديلاته، ومن قبله النفي الروسي لصحة هذا الطرح والتأكيد على احترام السيادة السورية وعدم التدخل في الشأن الداخلي السوري، ذكرت مصادر صحفية أن من قام بهذا العمل وسربه للإعلام بعد نسبه للروس، هو مركز كارتر بإيعاز من المبعوث الدولي لسورية ستيفان دي مستورا، مع أن القرار الدولي رقم 2254 الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ 15/12/2015، أكد بكل وضوح التزامه القوي بسيادة واستقلال ووحدة الجمهورية العربية السورية، ووحدتها الترابية، وبالانسجام مع أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، أن الحل المستدام الوحيد للأزمة الراهنة في سورية يقوم فقط من خلال عملية سياسية شاملة بقيادة سورية، تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري والتي تقوم في غضون ستة أشهر بتشكيل حكومة شاملة غير طائفية وتتمتع بالمصداقية وتعمل على وضع دستور جديد للبلاد.

لذلك، وفي ضوء بيان الرئاسة السورية وبالاستناد إلى القرارات الدولية الخاصة بسورية، يكون من الضرورة بمكان تحديد صاحب الولاية الدستورية في اقتراح دستور جديد أو تعديل الدستور القائم، حيث تختلف الدساتير في تحديد الهيئة أو الجهة التي تزاول السلطة المنشئة للدستور؛ فبعض الدساتير تُسند هذه السلطة إلى البرلمان، والبعض يسندها إلى جمعية تأسيسية منتخبة لهذه المهمة، والبعض الآخر يسندها إلى الشعب وذلك بطريقة الاستفتاء الشعبي.. وهي الطريقة التي أشارت إليها الرئاسة السورية بصدد أي صياغة لمشروع دستور جديد، وهو ما ينسجم مع  القواعد الراسخة في الفقه والقانون الدستوري السوري ، والتي تعتبر أنه أياً كان أسلوب نشأة الدستور، فإن هنالك سلطة تأسيسية أصلية متمثلة في الحاكم أو الحاكم والشعب.. وهذه السلطة وحدها تملك مطلق الحرية في إنشاء الدستور وتنظيم أحكامه دون الالتزام بأية نصوص وقواعد مسبقة، وأن أي هيئة أو لجنة سوف تقوم بإعداد الدستور السوري ـ وحتى بحسب القرار الأممي السابق ـ لابد أن تستمد وجودها من موافقة رئيس الجمهورية على إنشائها، وعلى مضمون التعديلات المقترحة؛ فالمادة الخمسون بعد المئة من الدستور السوري تنص أنّ (لرئيس الجمهورية كما لثلث أعضاء مجلس الشعب حق اقتراح تعديل الدستور ويتضمن اقتراح التعديل النصوص المراد تعديلها والأسباب الموجبة لذلك ويناقش المجلس اقتراح التعديل فإذا أقره بأكثرية ثلاثة أرباع أعضائه عد التعديل نهائياً شريطة اقترانه بموافقة رئيس الجمهورية).

وبناء عليه، فإن خلاف ذلك  يكون هو والعدم سواء، ولا قيمة دستورية له على اعتبار أن رئيس الجمهورية يمارس السلطة نيابة عن الشعب ضمن الحدود المنصوص عليها في الدستور.  وحصر اقتراح دستور جديد أو تعديله بالسيد رئيس الجمهورية صاحب السيادة ورمزها تقتضيه الضرورة والمنطق وطبائع الأشياء؛ فالفقيه بودان يقول في كتاب الجمهورية: ((إن الباخرة لا تكون أكثر من خشب ليس له شكل المركب عندما ينتزع منها الوتد الخشبي الطويل الذي يثبت جانبيها ومقدمتها ومؤخرها وسطحها. كذلك الجمهورية بدون سلطة مطلقة توحد جميع أعضائها وأجزائها وجميع الأسر والمجامع في هيئة واحدة لا تظل جمهورية؛ فالقدرة على سنّ الدساتير وفسخها تشكل أولى علامات السيادة الحقيقية، وأهمها قدرة الحاكم صاحب السيادة الأولى على سنّ القانون بوجه العموم ودون موافقة أي شخص من الرعية سواء أكان مجلس الشيوخ أو من الشعب))..  وبالتالي فإن نظرية السيادة مهما بدت قانونية تتجاوز الزمان ومهما كانت منفصلة عن الحوادث الطارئة وعن مطامح السلطة المشخصة، تظل تعبر عن بعض الأفكار السياسية المسبقة، ويظل مقدراً لها أن تحدث أصداء سياسية.. لذلك فهي لا تقبل القسمة لأن الانقسام فيها هو الشر الأعظم الذي يصيب الدول، والسبب المؤكد الذي يؤدي إلى خرابها. وهو ما دفع الفقهاء الرومان الذين كانوا يحملون لها مشاعر شديدة القوة وعظيمة الجلال إلى تسميتها (Majestas –  الجلالة).

          والحقيقة، فقد أثبتت الوقائع والتجارب صحة هذا القول؛ فعندما تدخلت الدول الأجنبية في صياغة دساتير العراق أو ليبيا وغيرهما من الدول، لم ينشأ عن هذه الدساتير إلا مؤسسات ودول عاجزة تتسم بانعدام الهوية والنهج، وتحكمها الولاءات الحزبية والطائفية و الأثنية، وديدنها التناحر فيما بينها حتى وصلت في بعض الأحيان إلى العجز عن إزالة النفايات أو حتى اختيار موظف أو التوافق عليه، أو القدرة على تشغيل مرفق عام أو تأمين احتياجات المواطنين والمطالبة بالتقسيم والانفصال عن الدولة المركزية. فهي، بديمقراطيتها المزعومة، جرّدت ربان السفينة فيها من الأدوات الدستورية التي تخوله السهر على احترام الدستور والسير المنتظم للسلطات العامة، وحماية الوحدة الوطنية، وبقاء الدولة، وتركت مصير هذه الدول رهينة للإيعازات والإملاءات الأجنبية والمصالح الشخصية، وليس مصالح الشعب وتقدمه في تحقيق الرخاء والأمان المنشود.

          وختاماً، نقول لكل المعنيين في الشأن السوري من اللاعبين الدوليين: إن الغالبية العظمى من أبناء الشعب السوري التي قدمت أبنائها على مذبح الوطن، وضحّت بالغالي والنفيس في سبيل وحدة سورية وبقائها خلف قيادة الرئيس بشار الأسد، لن تقبل المساس بحقها في السيادة، أو الوصاية عليها، أو وضع دستور نيابة عنها، وأن من يملك ممارسة هذا الحق فقط هو رئيس  الجمهورية؛ فلا يحق للسيد ديمستورا أو أي دولة أوجهة أو شخص في العالم صياغة دستور سوري نيابة عن  الشعب السوري وقيادته ومؤسساته الدستورية. 

 

 

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.