تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

عمر الفرَّا.. رحيل الشاعر الذي جعل البداوة أغنية والصحراء قصيدة

مصدر الصورة
السفير

 كتب اسكندر حبش في السفير:

في عيد الأب، في بداية الصيف، ومع يوم الموسيقى، يغادر الشاعر السوري عمر الفرَّا تاركاً خلفه كلّ الفصول، والأعياد، تاركاً كلّ هذه «الألحان» التي حملتها قصائده منذ أن بدأ يكتب وهو صغير بعد.

من قلب بيئته التدمرية، وصولا إلى حمص التي عاش فيها، عرف كيف يلتقط نبض اللغة الشعبية، المحكية، مثلما قبض على روحية المكان بتاريخه وأقاصيصه المتشعبة، التي تذهب عميقاً في تراث البادية السورية، التي توصل إلى عالم مفتوح، متسع. وما اتساعه إلا هذه اللغة التي التقط ثناياها الخفيّة ليصوغ منها، في شعره، واحدة من التجارب الشعرية المميزة، والحياتية أيضاً. فالشعر عند الفرَّا، لم يكن مجرد لعبة لغوية، نجح في عجنها، بل هو أيضا تجربة حياة. من هنا، بدا شعره وكأنه كان يرغب في القبض على «حقيقة وجود». هل لذلك استعاد هذه «البداوة» الجميلة، المترحلة في فلك الأماكن الشاسعة التي لا يحدها سوى أفق يبحث بدوره عن أفق آخر، إلى ما لا نهاية؟

قليلون هم شعراء المحكية الذين عرفوا كيف يصنعون من كلامهم شعراً حقيقياً، كبيراً. بيد أن مشكلتهم الدائمة، كانت في اعتبار أن اللغة المحكية تسيء إلى أدبنا، إلى ثقافتنا، وحتى إلى شرط وجودنا. لكن في العمق، لم تكن هذه القصيدة، سوى إيجاد معادل آخر للحياة، بعيداً عن نمطيات كانت تجعل من الشعر، في الواقع، مقيداً بالعديد من السلاسل. من هنا أتى شعره، في قسم كبير منه، وكأنه يعيد طرح معنى الكتابة، في ارتباطها بالحياة.

لكنها الحياة هي التي تغادر، لتترك خلفها ذكريات وكلمات. تترك بعض حرقة. ربما هي اليوم حرقة مزدوجة: رحيل شاعر كبير، في ظل أحداث لا تترك خلفها سوى الموت المستمر، سوى بلد، عسى أن لا يتحول بدوره إلى ذكرى أخرى، من ذكرياتنا التي نتناساها.

يغادر الشاعر، ليترك خلفه أكثر من حرقة.. ولنترك خلفه وردة، هي وردة الشعر بالضرورة..

محطات

شاعر شعبي سوري ولد العام 1949 في تدمر ودرس فيها، قبل انتقاله إلى مدينة حمص.

أولى قصائده الشعبية، كانت وهو في الثالثة عشرة من عمره، وقد اشتهر بطريقة إلقائه المميزة.

عمل بالتدريس (في مدينة حمص) لمدة 17 عاماً قبل أن يتفرغ للكتابة الشعرية والأدبية.

معظم قصائده بالعامية البدوية بلهجة منطلقة قوية إضافة لقصائد بالفصحى. تنوع شعره في العديد من المواضيع والأحداث والمناسبات والقصص الاجتماعية التي يعبر فيها أجمل تعبير.

اشتهر بقصيدة (حمده) وأصبحت هذه القصيدة التي تتكلم عن فتاة بدوية انتحرت بعدما اجبرت على الزواج من ابن عمها، والتي أصبحت رمزا له مثلما أصبحت قصيدة أخرى بعنوان «عمي طافش».

له العديد من المجموعات الشعرية منها: «قصة حمدة» و «الأرض إلنا» و «حديث الهيل» و «كل ليلة» بالعامية و «الغريب» و «رجال الله» بالفصحى.

وتحت عنوان: انتصر للمرأة في عزّ القبيلة، كتب لؤي ماجد سلمان:

لا يمكن الكلام عن الشاعر عمر الفرا من منحى واحد فتجلياته الشعرية وقصائده أوسع من أن يحاط بها في مقال، بالطبع لا نقصد الناحية النقدية أو الفنية التي ابتدعها الراحل في الشعر الشعبي الذي اشتهر به أكثر من غيره وأستطاع أن يحمله معه إلى عدة دول عربية ليؤكد حضور الوطن والحب والمقاومة والإنسان في دواوينه، بل المقصود القضايا الإنسانية والاجتماعية التي تبناها، وأعلن تمسكه فيها سواء قضية المقاومة والأرض ومقارعة المحتل والتي تعتبر من أكبر القضايا التي شغلت بال العالم والشعوب العربية الحرة.

لعل قصيدة «رجال الله» كانت جواز سفره نحو المقاومة اللبنانية ليعلن أن الألم واحد والعدو واحد. كما أن قصيدته المهداة إلى الشهيد محمد الدرة في ذكرى استشهاده كانت أكبر برهان على أنه البدوي المقاوم الذي حمل الهم الفلسطيني داخله كأي عربي نزيه، من غير أن يعتلي المنصات ويحاول كسب شرف المقاومة بالادعاء، فالقصيدة هي من يقول وليس الشاعر.

غير أن الأبرز في شعر الفرا الصرخات الاجتماعية التي أراد من خلالها تحرير المجتمع من التقاليد والعادات القبلية والموروث السلبي الذي يصر على وأد الأنثى العربية، فوقف ابن تدمر بوجه الأسطورة والموروث والتاريخ المشين وأطلق صرخة مدوية في قصيدته المشهورة «حمدة» ليعلن مناصرته للمرأة العربية والسورية، والبدوية على وجه الخصوص، لأنه اختار لسرديته اسما من عمق البادية السورية، ووقف في مهرجانات الشعر صارخاً بلسان حالها في وجه أحكام القبيلة التي أرادت تهميشها وإجبارها على الزواج بابن عمها فاختارت الانتحار على مصادرة رأيها كإنسان حر يرفض الانصياع لرغبات الذكورة ومنطق الفحولة التي تقرر ما تشاء ساعة تشاء، وبرغم أنه كان يكتب الشعر في اللغة الفصحى إلا أنه أراد لهذه القصيدة الاجتماعية أن تكون بلهجته البدوية حتى تتلاءم وتصل لكل البيئات الشعبية، مما يؤكد أن الهدف لم يكن من أجل رصف تاريخه فقط بشعارات بل أنها صرخة وجدانية خرجت من عمق حنجرة البادية.

غير أننا نجد في الديوان ذاته قصيدة «تسع تشهر» التي أراد فيها أن يسمعنا هواجس وألم الأم العاقر، حتى في قصائده الوطنية التي أراد فيها وصف الوطن اعتبر الشاعر الوطن أما إن أرضعت أو فطمت، إن حرمت أو وهبت «بأي حالة اسمها الأم» لقد أخلص ابن البادية لشروط التمرد فأول تمرده كان على الذات، وكان وفيا للشعر والقصيدة لأنه كتب عن قضايا العرب الكبرى من غير أن يتخمنا طوال حياته في الشعارات، أو أن يكون له هاجس القدوة، عاش كمعلم وعلم كمواطن ورحل شاعرا أمينا مخلفا لنا إرثا وطنيا وقضايا كبيرة، مؤكدا لقرائه أن الفن الجيد هو من يخدم القضايا العظيمة.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.