تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

هـل انتهت "وظيفية" الدولـة الأردنيـة..؟!

مصدر الصورة
محطة أخبار سورية

تتواصل في المملكة الأردنية، الفعاليات الاحتجاجية المطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية والرافضة لقانون ضريبة الدخل رغم استقالة حكومة هاني الملقي، وتكليف عمر الرزاز خلفا له. تجدد الدعوة إلى الاعتصام بمثابة استفتاء على قرار القيادة الأردنية وشخص الرئيس المكلف؛ لكنّ الصورة باتت أوضح: الاحتجاجات الشعبية تطالب بالعودة عن قرارات اقتصادية اتخذتها حكومة الملقي، وليس تغييراً يطاول الرئيس وفريقه الاقتصادي؛ فما الفائدة من تغيير الأشخاص إذا كانت السياسات ستستمر هي نفسها..؟! بالطبع تدرك القيادة الأردنية أنّ المطالب الشعبية مشروعة ولكن ليس باليد حيلة، ولذلك سيكون ردّها مزيداً من الوعود، وتشديد القبضة الأمنية، والتسويف بانتظار "غودو" أن يحمل جديداً..؟!

الأردن الشقيق بلد فقير بالمجمل، ويعتمد على المساعدات الخارجية منذ وقت طويل، ولم يتمكن من بناء اقتصاد ذاتي قوي يعتمد على الموارد الذاتية القليلة حقاً، والتي لم تستطع الحكومات الأردنية المتعاقبة زيادتها، ولذلك هي تتحمّل جانباً كبيراً من المسؤولية. وعليه، فإن تطوّر الأوضاع في الأردن يعتمد بشكل كبير على التوجهات الإقليمية والدولية تجاه الأردن والدور المنوط به ومدى قدرة النظام الأردني على تلبية الشروط الجديدة، ناهيك عن تراجع أهمية الأردن "الوظيفية" في المنطقة. وفي هذا السياق، هناك مجموعة معطيات وملاحظات يمكن الإضاءة على بعضها:

أولاً، إن المساعدات الخليجية للأردن، ولاسيما السعودية منها، قد تراجعت كثيراً بسبب تراجع الموارد المالية الخليجية نفسها والإنفاق على السلاح والمشاريع التي تفرضها الإدارة الأمريكية، وبسبب رفض الأردن الانصياع كلياً للسياسات الخليجية ـ السعودية، لاسيما في مسألة تعاطيه في الشأن السوري؛ قبل عدة سنوات، تحدث الخليجيون عن إمكانية ضم الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي، لكن تبيّن أنّ ذلك الكلام، بقي كلاماً وأنّ مجلس التعاون نفسه يعاني المشاكل والانقسامات، بل إنّ الأردن يجد نفسه في مأزق اتخاذ الموقف؛ هل يقف مع نظام قطر أم مع النظام السعودي!! بالمحصلة لا يجد الخليجيون ــ كما هو واضح حتى الآن ــ سبباً لدعم الأردن مادياً. أضف إلى ذلك، تراجع الدعم الأمريكي والمساعدات الأمريكية لعمّان المثقلة بالضغوطات والأوضاع الصعبة والاحتياجات الكبيرة، لاسيما مع وجود آلاف النازحين السوريين الذين أسرع الأردن باستقبالهم وهو ينتظر الوعود الغربية والعربية التي لم ينفّذ منها شيئاً؛ تزايد الاحتياجات وتراجع الموارد.

ثانياً، لعب الأردن في العقود الماضية دور "الدولة الوظيفية" في المنطقة، وكان نقطة التقاء مهمة، وعبره يتم تمرير العديد من الرسائل، وعلى أرضه تتم اللقاءات السرية والاجتماعات الأمنية

وتحاك الخطط والمشاريع في الغرف المظلمة؛ هذا الدور تراجع نسبياً بعد التطورات الكثيرة، ولاسيما بعد ثورات الربيع العربي وإيجاد قنوات تواصل مباشرة "معلنة" بين الإسرائيليين والخليجيين، وتحديداً النظام السعودي، وبعدما أصبحت السعودية عملياً طرفاً في اتفاقية كامب ديفيد بعد إعادة جزيرتي تيران وصنافير المصريتين للمملكة، وبعد وصول ولي عهد النظام السعودي محمد بن سلمان إلى سدّة القرار في البلاد؛ لم تعد هناك حاجة للأردن كهمزة وصل، طالما تتواصل الأطراف الأخرى مع بعضها وتنسق مواقفها وسياساتها ضد إيران ومحور المقاومة والعديد من القضايا.

ثالثاً، إن تراجع الدور الأردني ليس فقط بسبب التطورات الإقليمية والدولية، بل هناك تعمد في إضعاف دور المملكة الهاشمية؛ هناك سعي "إسرائيلي" حثيث لإضعاف دور الأردن لسببين جوهريين، أولهما، مرتبط بإضعاف ولاية المملكة على المسجد الأقصى والرعاية الأردنية له بعد قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس المحتلة واعتبار المدينة عاصمة للكيان "الإسرائيلي"، وثانيهما، لطرد الفلسطينيين من الضفة الغربية وباقي المناطق الفلسطينية إلى الأردن (الوطن البديل)، وفرض ذلك على النظام الأردني المهدد بالسقوط إذا ما تواصلت الضغوطات عليه؛ لم تعد "إسرائيل" تشعر بالحاجة إلى الأردن كعمق دفاعي لها، ولا إلى الأردن كساعي بريد لنقل الرسائل. ولم يعد النظام السعودي يشعر بأنه يحتاج عمّان كحائط صدّ للتهديدات التي قد تأتي من الشمال، لاسيما وأن بني سعودي يتذكرون وقوف الأردن مع عراق صدام حسين يوم احتل الأخير الكويت..؟!

هناك مطالب شعبية محقة، أجل، والقيادة الأردنية لم ولا تستطيع أن تنكر ذلك، ولا هي أنكرته، ولكنها غير قادرة على تلبية هذه المطالب سواء غيّرت الحكومة أم لا؛ فحتى لو رأس الملك عبد الله الثاني الحكومة بنفسه، لا يستطيع أن يجترّ المعجزات وليست لديه عصا سحرية لتلبية المطالب الشعبية المتزايدة، وستستمر التحديات وتتزايد إذا كان القرار الدولي ـ الغربي السعودي الإسرائيلي يقضي بإضعاف الأردن وتهميشه لدرجة تجعله يقبل فرض شروط جديدة وواقع جديد عليه.

إنّ تطورات الأوضاع في الأردن ــ سواء باتجاه التبريد أم التصعيد ــ هي مؤشر مهم لما هو قادم، ولما يُخطط للمنطقة، ومن المؤكد أنّ الكيان "الإسرائيلي" لن يدخر جهداً، إن أمكنه، لتمرير مخططاته في الأردن، وفي تهويد الجولان العربي السوري المحتل، وبالطبع في استمرار سياسة التهويد القائمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.