تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

لأول مرة...الإدارة الأمريكية تضع شرطاً لنقل سفارتها إلى القدس العربية المحتلة.

 

                                                                                                                                                                             
 
لأول مرة الإدارة الأمريكية تضع شرطاً لنقل سفارتها إلى القدس العربية المحتلة
 
 
قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتأجيل نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس ستة شهور، لا يختلف عن قرارات من سبقه من رؤساء الولايات المتحدة، الذين اعتادوا على اتخاذها أوتوماتيكياً منذ صدور قرار الكونغرس الذي قضى بنقل السفارة في العام 1995.
الشيء الوحيد الذي ميّز قرار أوباما الأخير أنه جاء معّللاً بسبب منطقي وينسجم مع ما قاله في أطروحاته حول ضرورة تطبيق حل الدولتين، وقد أكّد عليه في خطابه الموجّه للعالمين العربي والإسلامي، وهو "عدم التوصل إلى اتفاق نهائي بين الإسرائيليين والفلسطينيين حول وضع المدينة".
قرارات الرؤساء السابقين التأجيلية كل ستة شهور ترجع لأسباب عديدة، لا تقتصر على وجوب توقيع الرئيس على قرار الكونغرس حتى يُصبح نافذ المفعول بموجب القانون – والتوقيع هنا يعني إقرار الولايات المتحدة رسمياً بالقدس عاصمة لإسرائيل، بينما مجمل الأسرة الدولية لا تُقرّ بذلك، ولم تعترف بعملية ضمّ شطري المدينة، عندما أعلن الكيان الصهيوني توحيدها في العام 1968.
 
حلفاء في خانة المعارضة لأمريكا
هنا لا بدّ من التنويه إلى أن الموقف الأوروبي من قضية القدس بشكل عام يتقدّم مواقف معظم الأسرة الدولية، فهو واضح ويتطابق مع قرار مجلس الأمن 242 لسنة 1967، الذي لا يُجيز احتلال أراضي الغير بالقوة، ويُطالب إسرائيل بالانسحاب من المناطق التي احتلتها، ومن القدس تحديداً بالاسم.
أما بالنسبة لقرار الكونغرس القاضي بنقل السفارة الأمريكية، فيأتي الموقف الأوروبي متطابقاً مع قرارات الأمم المتحدة، ومنها القرار السابق الذي يقضي أيضاً بوجوب امتناع الكيان الصهيوني عن الإتيان بأي تصرّف من شأنه التغيير في وضع القدس الديمغرافي والديني والحضاري... إلخ.
وقد أعطى هذا الموقف قوة اعتراضية أكبر على قرار الكونغرس نتيجة تشديد كل من بريطانيا وفرنسا – أبرز حليفين أوروبيين للولايات المتحدة – على رفضه، حيث اعتبرته الأولى "تدخّلاً من قبل الولايات المتحدة في قضية حسّاسة مثل القدس"، وطالبت الثانية بعدم الإقدام على أية خطوة يمكن أن تؤثر على مجرى مفاوضات الحل النهائي للمدينة المقدسة.
وطالما أن الوضع النهائي لم يُبَتّ به بعد، فمن التناقض الكبير والمفضوح أن تقوم الولايات المتحدة وحدها باستباق الأمور، وتعمل على نقل سفارتها إلى مدينةٍ مختلف على مصيرها ومستقبلها بين المتنازعين. لهذا بات كل رئيس أمريكي مضطراً إلى اتخاذ قرار التأجيل تحت مبرّر أوتوماتيكي ما، كقول بوش في آخر مذكرة وجهها لوزيرة خارجيته كونداليزا رايس: "... إنه قرار ضروري لحماية المصالح الوطنية الأمريكية"؟
طبعاً، عبارة "المصالح الوطنية" عبارة مطّاطة، تفتح المجال أمام قائلها لتجاوزها في أي وقت، وبعد أية ستة شهور إذا تطلّب الأمر ذلك، وسمحت به الظروف. أما عبارة أوباما التي ربط فيها التأجيل بعدم التوصل إلى اتفاق أو حلّ، فهي محدّدة ومشروطة، وليس في ذلك تزكية لأقواله إن لم تقترن بالأفعال. وهذا الشرط تُوضع صيغته للمرّة الأولى في تاريخ "التأجيلات" المتتابعة منذ العام 1995.
 
عقد العقار... الدبلوماسي!
والحقيقة الغائبة عن ذهن معظم الناس، إن لم يكن كلّهم أن قصّة السفارة لا يعود تاريخها فقط إلى العام 1995، حيث اتخذ الكونغرس قراره، بل إلى ست سنوات قبل ذلك، وتحديداً إلى أواخر ساعات ولاية الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، والأدق إلى اليوم الأول من ولاية بوش الأب، وهو 19 كانون الثاني/يناير 1989.
في ذلك اليوم، كان السفير الأمريكي بتل أبيب وليم براون يوقّع في مبنى السفارة عقداً مع الحكومة الإسرائيلية، وحسبما دُوّن في أرشيفي الورقي فإن العقد قضى باقتطاع قطعة أرض مساحتها 14 هكتاراً، تُؤجّر للحكومة الأمريكية لمدة 99 عاماً، من أجل استعمالها لبناء "عقار حكومي" مقابل دولار واحد. وقد اعتبر السفير الأمريكي يومها أن اسمه قد دخل التاريخ بتوقيعه هذا العقد.
 
وبقي العقد على حاله حبراً على ورق ملزم للطرفين، إلى أن وقّع الرئيس كلينتون في شهر تشرين الثاني من العام 1994 مرسوماً يحدّد المبلغ المقرّر لإقامة "مبنى السفارة" على الأرض المشتراة في العام 1989، والتي قيل إنها عقار للوقف الإسلامي تمّت مصادرتها، وإنها تقع فيما يُسمّى "اللومبي كمب" (... وأهل القدس أدرى بذلك منا).
هذا من حيث "تاريخ" قصة السفارة الذي يعود لعشرين سنة خلت. أما اليوم فإن قرار أوباما الجديد وإن جاء في سياق "أوتوماتيكي" كأسلافه، إلاّ أنه لم يأتِ في ظروف يمكن للولايات المتحدة فيها أن تُنفّذ عملية النقل إن أرادت، بل في وقت اضطرت فيه آخر سفارتين لدولتين من دول العالم "الرابع" إلى العودة لتل أبيب على أثر بقائهما في القدس، بعد أن عادت سائر السفارات الأخرى إلى تل أبيب على خلفية قرار ضمّ المدينة المقدسة، وهما كوستاريكا والسلفادور. فهل يُعقل أن يتحمّل الرئيس الأمريكي الجديد وِزر استفراد الولايات المتحدة بخطوة شاذّة كهذه دون سائر دول الأرض، فيُناقض نفسه وما قاله على الملأ؟
 
هاجس إسرائيل
شيء آخر يستوجب الإشارة إليه، وهو أن وجود سفارة أمريكية في القدس أو عدم وجودها لا يُغيّر من النواحي الإدارية شيئاً بالنسبة للمعاملات والعلاقات بين البلدين الحليفين الولايات المتحدة وإسرائيل، نظراً لوجود قنصليتين أمريكيتين، واحدة في الشطر الشرقي من المدينة المقدسة والأخرى في الشطر الغربي. غير أن عملية النقل هذه – إن تمّت – ستعكس أمام العالم موقفاً سياسياً، لا بدّ أن تتبعه مواقف مشابهة لدول غربية وشرقية، الأمر الذي يُكرّس اعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني، وهو ما يستميت هذا الكيان على تكريسه. إلاّ أنه - رغم ثقله وثقل كل لوبياته وحلفائه في كل مكان - لم يُفلح في ذلك.
وآخر دليل على ذلك فشل مساعي إسرائيل لدى منظمة اليونسكو من أجل تسجيل المدينة المقدسة في لائحة التراث العالمي باعتبارها مدينة إسرائيلية. في الوقت الذي تمّ فيه، رغم عدم وجود لوبيات لنا، لا داخلنا ولا داخل أمتنا، والحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه، إعلان القدس عاصمة للثقافة العربية هذا العام، وفي ذلك اعتراف بحقنا وتقدير لشعبنا وتاريخنا.
أما إذا كنّا لم نُحسن التصرّف إزاء هذه الفرصة بعد ذلك، ولم نستغلّها كما يجب، ولم نضع رؤوساً تليق بهذه المهمّة وزناً وعلماً وخبرة، فهذه مصيبتنا نحن، لأن أحداً منا لم يسأل نفسه : لو أن القدس اعتُبرت "عاصمة الثقافة الإسرائيلية" – لا قدّر الله -، هل كان الصهاينة يتركون مهمّة إدارتها لمن هبّ ودبّ، ويعملون الواسطة والاستزلام والقرابة بدل اختيار الكفاءات؟!
وعلى ذكر حسن التصرّف أو سوئه، وعدم وضع من يليق في المكان المناسب، نُذكّر فقط ونلفت الانتباه استناداً إلى معرفتنا المتواضعة أن العالم كله لم يعترف بالقدس الموحّدة عاصمة للكيان الصهيوني، وأن موقف فرنسا لا يقل إن لم يزد عن غيرها من الدول في هذا المجال، وذلك أن مفوضيّة فلسطين في باريس تُعنوِن رسائلها الرسمية الموجهة إلى جهات أو مكاتب دبلوماسية في القدس – حسب النموذج الذي بين أيدينا – على الشكل التالي:
فلان الفلاني
العنوان الفلاني
القدس – إسرائيل
إذا كان هذا موقف بعضنا، هل نلوم بعدها أمريكا إذا نقلت سفارتها إلى قلب القدس الشريف؟
 

نبيل أبو جعفر - مجلة البيادر السياسي المقدسية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.