تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

" طوق الياسمين " : استسهال جرّد العمل من صفاته الفنية

منيت النفس بسُكرٍ من خمرة الفن يذهب بسُكرِ الاختناق وينسيني حرارة الجو وينفث في الصالة أنفاساً إبداعية بدل تزاحم أنفاس
الحاضرين اللاهثة.
صالة دار الأوبرا كانت سوقاً على رصيف تفتحت فيه على أيدي الحاضرين كافة أنواع المراوح ووسائل تخفيف الحر الممكنة في ظل " عطل طارئ " على أجهزة التبريد والتكييف في الصرح الفني الوحيد والرائد على مستوى القطر. مما قطع شكوكنا بيقين خلو الصالة من أي مشاهد حاضر هذه الليلة صاحب سيادة أو سعادة أو معالٍ ، وإلا لكان الحال قد تبدل بقدرة أقرب إلى قدرة العلي العظيم.
تناسيت مع من حولي الظرف المناخي المنفر وجلست أرقب " طوق الياسمين " المسرحية الغنائية الراقصة لفرقة أورنينا والتي حظيت بدعم إعلامي وإعلاني ضاعف شوقنا وترقبنا . لكن بدأ العرض وتوالت المشاهد وانتهت بعد ساعة ونصف دون أن تقع حواسنا العطشى على أي جرعة فنية تذكر.
فالموضوع المتناول ( تاريخ الشام منذ ما سمي بالعصر البدائي مروراً بنشأتها واستمرارها خلال العصر الروماني ثم الأموي والعباسي والمغولي والعثماني حتى الفرنسي ثم الاستقلال ، كما جاء في البروشور التعريفي للعرض ) هذا الموضوع كان فضفاضاً ، هلامياً ، غائم المعالم ، وغامض الحدود مما قاد إلى اختيار اعتباطي للأحداث ، وأدى إلى قفزٍ غير متوازن فوق الكثير من المراحل والحقب ، وألقى بإشارات الاستفهام والتعجب عند أسباب استعادة بعض التفاصيل دون سواها ، فهل كان مثلاً تقديم مشهد ( شام وبولس ) مقصوداً لمواكبة الاحتفال هذا العام ببولس الرسول ؟ أم جيء به على سبيل التذكير بقدم وعراقة حالة التعايش بين الأديان في دمشق ؟ فبدا مدسوساً عنوة على مشاهد العرض التي خلا وجود بعضها من أي معنى وخلا غياب أخرى من أي مبرر فكانت الرؤية الأساسية لفكرة العرض مفرطة في الشمولية ومشوشة في الإعداد.
وفي خوض أبعد بين سطور النص فإن السيناريو كان ضعيفاً ومترهلاً ، والحوار فقيراً وساذجاً لم يخرج إلا نادراً من أفخاخ المباشرة ومطبات التكرار حتى أن صوراً بلاغية تم اجترارها في العمل نفسه كأن يجري تشبيه دمشق بالصخر _ وبالصخر فقط _ عشرات المرات دلالةً على المنعة والقوة.
وفي مكامن ضعف أخرى جاءنا صوت نزار قباني في قصيدته ( هذي دمشق ) بعد مشهد ( العشاق أو سيف وياسمين ) فكان إقحاماً فجاً خارجاً عن السياق الدرامي للعمل وربما كان هذا التطعيم الشعري ،على كلاسيكيته، يصلح للخاتمة التي حملت اسم ( تحية ) .
أما على المقلب الفني فإن معظم الرقصات التي أداها اثنان وثلاثون راقصاً وراقصة لم تبلغ الاحترافية الفنية العالية ، وخلت من أي خطوات أو حركات مبتكرة حتى أن بعضها كان استحضاراً أو استنساخاً للوحات مسرحية شهيرة ومثال ذلك لوحة أبي خليل القباني التي كانت فاقعة الشبه بلوحة ( راية السودا الحزينة ) لدريد لحام ومحمد الماغوط في مسرحية غربة.
وقد أشهرت لوحات أخرى الإفلاس الفني والفكري حيث خلت تماماً من أي طرح إبداعي جديد ولم تجترح أي منها أسلوباً فنياً غير منتظر . فما الجديد أو الفريد في لوحات الدراويش أو المقهى الدمشقي أو العرس والتي فقدت لكثرة استهلاكها أي قدرة على الجذب أو انتزاع المتابعة.
وتوخياً لوضوح الرأي ، لا بد أن أشير إلى أن تصميم الديكور والإكسسوارات رغم اقتصاره على الحدود الدنيا لما يلزم ويفيد ، ورغم عزوفه عن أي مغامرة تحقق إبهاراً بصرياً ، فإنه بالمجمل كان تصميماً جيداً وبسيطاً وبعيداً عن الغلو والمبالغات لكنه لم يستطع بمفرده أن يكون رافعة العمل وحامله.
" طوق الياسمين " عمل أودى به الاستسهال إلى سطحية التناول والمعالجة ، وقذف به التسرع إلى لجة الضحالة و القحط الفني والإبداعي فبدا وكأنه استخفاف بالمتلقين واعتماد مطلق على سهولة جرهم إلى الثناء والتصفيق، ورهان على حتمية تأثرهم عند استحضار أمجاد التاريخ والتغني بها .
 
 
 
 
زينة حموي
zeinahamwi@gmail.com
30 / 6 / 2009

 

 
 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.