تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الرمز.. والشخصنة المدمرة..!!

                                                                                                                                20/2/2014

تدل تجربة الكثير من بلدان العالم، على أن الشعوب والأمم تدين في تطورها ونهضتها لأشخاص مميزين ولدوا وترعرعوا في هذه الأمم وألهموها من إلهامهم وقادوا ـ عبر تفانيهم وإخلاصهم وإفناء حياتهم لأجل بلدانهم ـ هذه البلدان إلى مراحل جديدة ومهمة ومتقدمة على سلم المجد والحضارة ووضعوها بين الأمم المتقدمة. ولذلك فإننا نجد كل بلد من البلدان يكنّ الكثير من الاحترام ويقدّر جلّ التقدير الشخص الذي كان له باع طويل أو ترك بصمة مهمة على تطوره وتقدّمه. فكلّ بلد يكرّم العظماء من أهله ويجلّهم ويحترمهم بطريقته ويستلهم منهم وينهل من مقدراتهم ومآثرهم للاستمرار في رفد مسيرة الحياة والتقدم لديه، مضيفاً إلى ما قدّموه ليكتمل الصرح المرجو.

وإذا كنّا نتحدث عن الأمجاد والرموز الوطنية، فإن هذه "الرموز" تضم شخصيات فكرية ثقافية أو فنية أو علمية أو اجتماعية أو سياسية...الخ، وهبت البشرية وقدّمت لها تجربة فريدة. ولا داعي لتحديد أسماء معينة أو محددة من الأسماء العالمية الكثيرة، لأن كل أمة أو بلاد لديها رموزها وثقافتها وموروثها الغني الذي تنهل منه وتضيف عليه. لكن المشكلة تتجسد عموماً عندما تعمل أمة أو أمم أو بلدان معينة على تدمير رموز وتراث وثقافة وحضارة أمم وبلدان أخرى من خلال سياسات ممنهجة للتغلب عليها وإفقارها، بل وحتى تدميرها وسحقها.

ما نعنيه هنا هو السياسات الغربية التي تقودها الولايات المتحدة وبقية الغرب الاستعماري ضد أمم وشعوب العالم الأخرى ولا سيما البلدان النامية منه؛ تعمد الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون إلى تدمير أي رمز وطني في أي بلد من بلدان العالم عبر سياسة ممنهجة تقوم على التركيز على أن بلداً ما ـ مصر مثلاًـ هو مصدر الشرور والخطر في كل العالم وعليه. ثم تنتقل بعد ذلك لتركيز هذا الخطر وتكثيفه في شخص "الرمز" الوطني ـ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مثلاً ـ الذي يكون الشعب ملتفّ حوله. فتقوم بعملية "شخصنة" مريعة للخطر والخوف وتجسّد كل ذلك في الرمز الوطني للأمة أو للبلد الذي تسعى إلى تدميره، في عملية تشويه وقلب لكل الحقائق والوقائع والواقع.

"جبران خليل جبران: الأمة التي لا تكرّم العظماء من رجالها مصيرها الخراب"

وتعمل الولايات المتحدة وحليفاتها الاستعمارية من خلال الحملات الممنهجة السياسية والدبلوماسية والإعلامية والحصار الاقتصادي والعسكري والاجتماعي، وحتى اللجوء إلى الحرب المباشرة للوصول إلى مرحلة تجعل الأمة المستهدفة تشعر وكأن رمزها الوطني أصبح عبئاً عليها يجب التخلص منه، فيتحول الحلم إلى كابوس والأمل إلى رعب والمنقذ إلى مسبب في البلاء. وهكذا تقتل أو تحاول سياسات الولايات المتحدة وحليفاتها الاستعمارية قتل روح الشعوب وأملها ومصدر إلهامها ونهضتها. فعل الاستعمار القديم ـ الجديد ذلك ضد كل الثورات التحررية والنضالية، لكن التجربة التي لم يتمكن هؤلاء من وأدها أو طمسها أو تدميرها، والتي عرّت كل السياسات الغربية كانت تجربة القائد والزعيم الإفريقي الراحل نيلسون مانديلا. لقد بقيت الولايات المتحدة والكثير من البلدان الأوروبية التي تدعي التقدّم والديمقراطية وحقوق الإنسان ـ ولسنوات طويلةـ  تصنّف الأب الكبير مانديلا على إنه رجل إرهابي ويقود حركة إرهابية، فيما بقيت شعوب العالم كلها، وما تزال وستبقى، تستلهم من تجربته ومن العقود الثلاثة التي قضاها في السجن، ومن نضاله في سبيل تحرر شعبه لتشق طريقها إلى المستقبل.

بعد كل ذلك، ألا يستدعي منّا التصنيف الأمريكي ـ الغربي لأي زعيم أو قائد أو مفكّر أو سياسي على إنه إرهابي أو ديكتاتوري....الخ، إعادة النظر بهذا التصنيف والتدقيق به وعدم تبنّيه؟! كذلك، ألا يستدعي التصنيف الأمريكي والغربي لأي شخص على إنه ثوري أو إيجابي إعادة النظر أيضاً بهذا الإطراء والبحث عن أسبابه الحقيقية؟! ألا يستدعي كل ذلك أيضاً السؤال الجوهري؛ لماذا رموزهم في الغرب مقدّسة ومصانة، وعلينا دراستها وحفظها وتذكرها عن ظهر قلب، ورموزنا ـ كل رموزنا ـ يجب أن تدمر وتسحق وتنسى؟!!

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.