تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

حديث الثلاثاء ...سورية بلد زراعة؟؟ أم صناعة 2؟ ؟


يؤكد فشل الخطوات الحكومية في كبح جماح سيل المنتجات الصينية التي تغزو الأسواق السورية أن عقلية التاجر في سورية غلبت إلى حد كبير عقلية الصناعي ...لأن استسهال الحصول على الربح بالتجارة جعل المئات من رجال الأعمال وأصحاب الثروات يتجهون إلى العمل في المجال الأسهل... وافتتاح مئات المكاتب والشركات تحت عنوان ) مكتب كذا للتجارة " استيراد وتصدير"( ومن يقرأ ما يرد في شهادة التسجيل تحت بند غاية الشركة سيشعر بالخجل من محدودية إدراكه لما هو مكتوب والذي يمكن زيادته ونقصانه كيفيا دون أية معطيات فمثلاً : إحدى الشركات كانت غاية إنشائها : "التجارة في الحبوب والبذور واستيراد البراغي وأشرطة التسجيل والزيوت والخرداوات والنوفوتيه والأجبان وأجهزة الكمبيوتر ...وكل ما تسمح به القوانين والأنظمة "... وهات يا تجارة ليس فيها من التجارة إلا السمسرة والنصب والاحتيال واستيراد المنتجات ذات النوعيات المتدنية وبيعها في الأسواق للإخوة المواطنين السوريين بأسعارعالية وتحقيق مرابح خيالية خلال فترات زمنية قصيرة، وللأسف لايقتصر دور بعض التجار السوريين على استيراد أسوأ المنتجات بل هم فعلوها ويفعلونها حتى اليوم عند تصديرهم بضائع سورية إلى الخارج ولم ننس بعدُ ذلك التاجر الذي أساء إلى الصناعة السورية عندما صدر إلى إحدى دول أوربا الشرقية كمية من الأحذية بيعت هناك بأسعار رخيصة لاتصدق مقارنة بالأسعار الرائجة وتبين بعد نفاد الكميات أنها أحذية من (كرتون) يتم تحضيرها خصيصاً لإلباسها للموتى قبل الدفن ونترك لكم تخيل ردة فعل جمهور تلك الدولة وكيف صار يتعاطى مع البضائع السورية عند عرضها له .

وكنا في مقال سابق تساءلنا عن السر في هذا التوسع غير المسبوق وغير المفهوم في افتتاح محلات بيع المنتجات الصينية ذات الدرجة العاشرة بأسعار فوق الوسط لجمهور دخله المحدود يؤهله للبحث عن أي سلعة منخفضة الثمن ولو كانت أقل جودة , وطبعا هذا التوسع في بيع هذه المنتجات جاء على حساب البضاعة والمنتجات المحلية التي تعاني كصناعة وطنية من أمرين اثنين : أولهما ارتفاع تكاليف الإنتاج وثانيهما المنافسة غير العادلة مع منتجات تنهمرعلينا من جميع الدول بأسعار رخيصة وجودة منخفضة .
وكل ما ذكرناه هنا هو مقدمة لذلك السؤال هل سورية بلد صناعي ؟ حقيقة الأمر هي أننا بلد صناعي زراعي تجاري.... وفريقنا الاقتصادي " لكرة القدم " لم يعطنا حتى الآن مع وصفته الشهيرة لاقتصاد السوق الاجتماعي أية تفاصيل تتعلق بهذا الموضوع وكل ما نعرفه أننا الآن نتحول " أجاركم الله " من الاقتصاد الاشتراكي ذو التخطيط المركزي إلى اقتصاد حر.... ذو تخطيط مركزي أيضا. وهذه المرحلة من التحول كما هو معروف تأخذ في طريقها عدداً كبيراً من الضحايا . . نحمد الله أننا لم نصل إلى مرحلة الضحايا بعد وإن كانت البشائر بدأت بزيادة عدد العاطلين عن العمل وارتفاع مستوى الفقر بين المواطنين...
ورغم كل الأرقام البراقة التي عرضها كابتن الفريق الاقتصادي والتبريرات غير المفهومة التي قدمها أمام مجلس الشعب فإن المؤشرات جميعها تؤكد أن النية تتجه على ما يبدو نحو التضحية بعدد لا بأس به من الفقراء الذين سيزدادون فقراً و الذين سيحل محلهم ويأخذ مكانهم بالنزول تحت خط الفقر العدد اللازم من أفراد الطبقة الوسطى التي بدأت تختفي من مجتمعنا حيث لم يشفع لها ولأفرادها كل ما قدموه للوطن في السنين الماضية وبدأت جحافل الطبقة الوسطى  تتهاوى بين خطي الفقر اللذين اخترعهما لنا مشجعو فريقنا الاقتصادي حيث صار هناك خط فقر أعلى وخط فقر أدنى والشاطر يحزر " مين فوق ومين تحت " لأن المهم في الموضوع أن الغالبية من السوريين سيحمدون الله أنهم أصبحوا بين الخطين ... وتحتهما بالتأكيد .
 
ونعود إلى الصناعة السورية والتي إلى سنوات خلت كان القطاع العام رائداً فيها , معامله منتشرة على مساحة الوطن وإنتاجه لا يسمح لأحد بمنافسته , تخطيطه مركزي بحيث يتحكم مديرمؤسسة الصناعات الغذائية من مكتبه المكيف بدمشق بمعمل الكونسروة في الحسكة ويعطي تعليماته عن بعد بزيادة الإنتاج أو تحسينه أو تطويره , وكلنا في سورية حمدنا الله عندما حصلنا على براد من شركة "بردى" نقداً أو بالتقسيط دون أن نتأثر بالباب المخلوع للثلاجة في 90 بالمئة من برادات الشركة , وكم كانت متعتنا كأطفال كبيرة عندما يتمكن أهلونا من شراء حذاء لنا من شركة "باتا المؤممة" متجاوزين أغلب الأحيان عن اختلاف اللون بين فردتي الحذاء أو أن إحداهما أصغر من الأخرى وبدون "شواطة" رباط ....
 
أما الأقمشة والألبسة من إنتاج معامل النسيج في دمشق وحلب فلها حديث آخر , خاصة أنها حتى تاريخه ما زالت تنتج وتكدس في مستودعاتها وتعرض في صالاتها قمصاناً وبدلات تصلح أكثر ما تصلح أن تهدى للأصدقاء في كوريا الديمقراطية الذين يحبون البساطة والتشابه التام فيما يلبسون ... وكما قلنا فإن قطاعنا العام -ولانريد أن نكون له ظالمين- استطاع أن يؤمن لنا الكثير مما كنا نحتاجه من الصناعات التحويلية والخفيفة لسنوات طوال وكان مصدر ثقة لجميع المواطنين لأن منتجات المصانع الحكومية تميزت
-وما تزال- بعدم الغش في مكوناتها الأساسية سواء كانت غذائية أو غير ذلك وكان التزام الصناعات الحكومية بالمواصفات دقيقاً، وكثير من هذه الصناعات ما زال محافظاً على ثقة الجمهور مثل منتجات الكونسروة والمحارم والبيرة والملابس الداخلية المعروفة "الشرق" وغيرها ...
إلى أن ...بدأ الفساد يضرب يميناً وشمالاً وبدأت معاملنا الحكومية تتحول إلى بقرة حلوب للفاسدين من كل الأشكال وكانت حرائق الماس الكهربائي - وما تزال- تمحو مع نهاية كل عام جميع السرقات والنهب " المنظم عشوائياً " لكل المرابح التي كانت تحققها الشركات والمؤسسات الصناعية الحكومية ، وصارت الخسارة هي العنوان الأبرز لأغلب المصانع والمعامل الحكومية حتى أن بعضها لم يعد يستطع دفع رواتب العاملين فيه وتبرع "صاحب بيت مال المسلمين" بالقياس على حالات مماثلة درسها في رومانيا برواتب هؤلاء إلى أن يفرجها الله عليهم وعلى معاملهم  وعلى القطاع العام الصناعي .
 
قلنا لن نظلم قطاعنا الصناعي العام فهو الذي حمانا لسنوات طوال ودعم اقتصاد سورية ’ ومايزال يشكل العمود الفقري للصناعة السورية التي صار للقطاع الخاص دور ملموس فيها .
 
وإذا كانت الزراعة في سورية خاصة لأكثر من 95 بالمئة منها  فإن الصناعة ليست كذلك والقطاع الخاص رغم اشتراكية الاقتصاد السوري لسنوات طوال كان له دور مقبول في تطوير صناعات أمنت حاجة الوطن لسنوات عديدة وكانت قوة الاقتصاد الوطني في قطاعه العام ... حيث بقي هذا القطاع  لسنوات طوال سانداً ظهره إلى الحائط مستنداً إلى أنه لامنافس له وكل ما ينتج يباع بل على العكس عاش مدراء تلك المؤسسات وقتها .. سلاطين يمنحون بركاتهم لأصحاب الواسطات ويؤمنون لهم كل بحجم واسطته براداً أو تلفزيونا "سيرونكسيا" أو"سطل" دهان من معمل أمية.
 
ونعود إلى الكلمة الملعونة ولكن.. ولكن هذه المصانع والمعامل والمؤسسات بدأت تعاني ما تعاني من مشكلات تبدأ في تأمين المواد الأولية لصناعتها ولا تنتهي مع مشكلة تصريف مخازينها من منتجات لم تعد تناسب الأسواق وليس هناك من يشتريها لا في الداخل ولافي الخارج وغير مسموح بناء على قوانين وأنظمة بلاد "الواق واق" أن تبيع منتجاتك بالسعر الرائج لأن هذا يعني خسارة كبيرة وبدأ مسلسل لم ينته حتى الآن من أحاديث عن صناعة حكومية تعاني من مشكلات كثيرة دون أن يجد أحد حلاً لمشكلاتها التي تراكمت عبرسنين طوال... فأصبحت أكبرمن أي حل وكلنا منذ سنوات ننتظر هذا الحل السحري لمشكلات صناعات القطاع العام التي تتزايد يوماً بعد يوم ونحن نكابر ونؤجل حلولاً كانت جراحة صغيرة لها كافية منذ عدة سنوات فتحولت نتيجة التخبط والعشوائية في العلاج إلى مرض لا علاج له إلا البتر ... فمن يستطيع اليوم وهو يسمع حديث الفريق الاقتصادي عن اقتصاد السوق أن يفسر أو يشرح أو يغطي خسائر معامل تعبئة المياه (رغم أن المثل يقول شريك الماء لا يخسر فكيف إذا كان الماء هو أساس العمل ) أو خسائر معامل النسيج أو معامل الكونسروة أو معمل سيرونيكس (الذي أنتج لسنين طوال موبيليا كان يتسلى بها عماله أصحاب الخبرات الإلكترونية) أو معمل الكبريت أو معمل الأحذية أو غيرها الكثير ...
 
إن ما وصلت إليه المؤسسات الصناعية الحكومية لم يأت من فراغ ولم يأت بين ليلة وضحاها ، بل هو استغرق سنوات طوال كانت العشوائية والقرارات الارتجالية هي التي أودت بكل السمعة الطيبة لهذه المصانع وإذا أردنا أن نذكر الأسباب فهي كثيرة وأكثر من أن تحصى في عجالة مثل عجالتنا ونسأل كيف تنتج معامل لم تطور آلاتها منذ عشرات السنين ؟؟، كيف تنتج معامل لم يؤهل عمالها وتطور خبراتهم لسنوات طوال ؟؟، كيف تعمل معامل يحكمها نظام مالي ومحاسبي واحد لا يفرق بينها ولا يأخذ خصوصية كل منها؟؟ والسؤال الأخير كيف تنتج معامل تخضع لشروط في الإنتاج لا يخضع لها غيرها وتتساوى مع الآخرين (نقصد المستورد من الخارج ومنتجات القطاع الخاص ...) في شروط توزيع المنتجات وبيعها بأسعار أقل من الكلفة المرتفعة لها والناجمة عن آلاف العمال الذين تحمّل أجورهم على هذه المنتجات ويتحكم الفساد بالباقي في عوامل الخسارة؟؟ .
 
وهل بعد هذا كله نحن بلد صناعي ؟؟ علماً أننا لم نتحدث بعد عن القطاع الصناعي الخاص الذي عاش مؤخراً ازدهاراً نجم عن ميل مؤشر شروط المنافسة باتجاهه مما جعله يحقق أرباحاً خيالية ذهبت في مسارب شتى... لكن هذا القطاع الخاص ومع بوادر أول أزمة مالية بدأ بالصراخ طالباً نجدة الحكومة والعودة إلى قوانين الحصر والمنع وتقييد الاستيراد ليتمكن من البقاء والاستمرار وضخ الملايين في جيوب أصحابه حماية لهم من السقوط تحت خط الفقر !!...ويبدو أنه لا جواب حتى الآن هل نحن بلد صناعي أم زراعي أم تجاري ؟؟ ونعتقد أن الجواب  سيكون نحن كل ذلك ... معاً
 

قفشة :  من روائع النظام المالي السوري أن جميع الجهات العامة من معامل ومصانع ومؤسسات وهيئات كلها أمام هذا القانون سواء فهو نفسه الذي يطبق في معمل الأسمدة في حمص ومعمل الجرارات في حلب ومعمل الكونسروة في الحسكة والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السوري بدمشق ومعامل التبغ في اللاذقية ولا فرق بين هيئة أو مؤسسة أو مصنع إلا ... بالاسم أما آليات العمل وأنظمته فهي واحدة .. فالرب واحد .. والحساب والتفتيش واحد .. ومن يفتش هنا يفتش هناك والرحمة تعم الجميع.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.