تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

هل يتحسس بعض العرب رؤوسهم!!

                                                                                                          18/8/2013

إذا أردنا أن ننفخ في نار الخلافات العربية فذلك يسير وما أسهله؛ من الخليج إلى المحيط وما أكثر هذه الخلافات؛ بين المغرب والجزائر، وليبيا ومن حولها وبين السودانيين، والصومال، وسورية والسعودية، وسورية وقطر، وقطر السعودية، والسعودية ونصف اللبنانيين، والسعودية ونصف اليمنيين، ومصر وقطر، والكويت والعراق... الخ. وإذا أردنا أن نفتح باباً للصلح، فما أوسع أبواب الإخوة العربية من المحيط إلى الخليج وما أكثر الروابط والعوامل المشتركة. ولكن في هذا وذاك ثمّة عوامل خارجية تتحكم بالعلاقات العربية ـ العربية رغبنا أم لم نشأ ذلك. وأهمها السياسات الدولية التي تقودها الدول الكبرى والتي تنعكس على السياسات العربية، فتعزز الروابط أو تصلي نار الخلافات.

ولنكن أكثر تحديداً، فإذا نظرنا إلى العلاقات العربية مع سورية منذ عامين وحتى الآن، أمكننا الحديث عن تدهور هذه العلاقات إلى حدّ القطيعة ومحاربة معظم هذه الدول للدولة السورية والضغط عليها. ولكن مع مرور الأيام وبعد أكثر من عامين على الأزمة السورية وثبات قوة الدولة السورية وثبات مواقف حلفائها، وبعد انهيار حكم الإخوان في مصر ووضوح المطامع الاستعمارية العثمانية التركية في المنطقة وبعد انكشاف أبعاد وأهداف "الربيع العربي"، أو "الفوضى الخلاقة" في حقيقة الأمر، تغيّرت الموازين والتحالفات والأهداف، وبانَ أن الحلف الذي تشكل ضد سورية تضعضع ولم يعد موجوداً.

فلم يعد سراً أن الخلافات التي بين أطراف هذا المحور أكبر من أن يسترها ساتر، وهي خرجت للعلن في عدة ملفات، أهمها الشأن المصري: فالخلافات بين قطر وتركيا ومن ورائهما فرنسا والغرب من جهة، وبين بقية دول الخليج وسورية وروسيا بشأن مصر من جهة أخرى لم تعد سراً. والخلافات التركية مع الحكم الجديد في مصر أصبحت ظاهرة. أما موضوع الخلاف الثاني، فهو الوضع في سورية: فالخلافات السعودية الخليجية ـ التركية(باستثناء قطر) بشأن سورية لم تعد سراً، وكثيرون من الدول العربية ينتظرون اللحظة المناسبة للعودة إلى سورية. وحركة حماس الإخوانية محاصرة في غزّة بعدما خرجت من دائرة الترحيب من قبل كلّ الأطراف، وهي التي تنكرت للدعم السوري وخانت التعاون والمصالح. إذن كما يبدو فإنه رغم الكثير من التضارب والمنازعات، ثمة تلاقٍ غير مقصود في عدد من الأهداف بين الدول العربية والإقليمية والعالمية.

سقوط الإخوان في مصر لاقى ترحيباً سورياً سعودياً رغم اختلاف الأسباب، ولكن بالمحصلة رحّب الطرفان بحضور الجيش المصري في الواجهة المصرية ولعِبه دوراً قيادياً في التغيير في مصر، وفرحا أيضاً بهزيمة الإخوان المدويّة. سورية لم تبدّل مواقفها، وكانت منذ البداية تتحدث عن مخططات تقسيمية غربية للمنطقة العربية تقودها الولايات المتحدة لصالح إسرائيل. لكن هل بدأت السعودية تدرك أن ألسنة اللهب ستصل إليها، أم وصلت حقاً، فسارعت إلى تطوير مواقفها العربية والإقليمية!! هل تريد السعودية التراجع عن سياستها في سورية بعدما أدركت أبعاد وأخطار المشروع الذي كانت تسير فيه بوحي وقيادة أمريكية غربية. هل كشفت أزمة مصر نوايا الغرب العدوانية الاستعمارية أمام السعودية؟ كيف تجمع السعودية بين بدعم الجيش المصري لمحاربة التكفيريين في مصر ومحاربة الجيش العربي السوري الذي يحارب نفس الجماعة في سورية، بل وتقنع نفسها بدعم هذه الجماعة مالياً وإعلامياً وسياسياً وعسكرياً؟ هل ساعدت الأزمة المصرية السعودية على وضوح الرؤية فيما يخص سورية وبالتالي هل يمكن أن تتغيّر السياسة السعودية تجاه سورية والمشرق العربي برمته؟!

في الزيارة الأخيرة لرئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان لروسيا ولقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قيل الكثير وسُرّب الكثير، وأغلبه من باب التكهن أو لدفع الطرفين للنفي أو للتأكيد، فيتم الحصول على معلومة، لكن حقيقة ما جرى في اللقاء بين الشخصين لا يعلمه إلا أشخاص قلائل. ولكن بالعودة إلى مكانة الرجلين؛ نجد أن الرئيس الروسي رئيس دولة عظمى تعيد أمجاد الاتحاد السوفيتي وبشكل أقوى وأفضل وبعيداً عن كل نقاط الضعف التي تسببت بانهيار الاتحاد السابق. وغني عن القول أن لقاءاته كرئيس لدولة تستعد لأن تكون الأقوى في العالم وتقود تياراً جديداً في العلاقات الدولية مع الصين ودول البريكس، يحكمها مصالح هذه البلاد بالدرجة الأولى. أما بندر بن سلطان فإن أهميته تأتي من موقعه على رأس الاستخبارات السعودية ومن أهمية بلاده النفطية والإسلامية والإقليمية، وعليه فإن المنطق يفترض، أن عليه في علاقاته مع الشرق والغرب، الحفاظ على المملكة للمحافظة على دوره ووجوده. ولربما من الضروري أن نسأل ونتكهّن هنا عمّا دار بين الرجلين: هل سمع بندر من الرئيس الروسي ما يقلق من خطط غربية تهدف لتفكيك السعودية والخليج العربي؟ هل سمع بندر أن السعودية لا يمكنها أن تواصل سياسة الحرب على سورية دون أن تدفع الثمن الباهظ؟ هل قيل لبندر ما هو ذلك الثمن؟ هل سمع بندر كلاماً عما تملكه سورية وأصدقاؤها إذا ما قرروا الردّ على سياسة الحرب السعودية ؟! هل سمع بندر أن السعودية أصبحت وحدها وأن الأمريكان لن يتدخلوا لحمايتها إذا ما سقطت في الأزمة أو الفوضى الخلاقة للربيع العربي؟!! هل سمع بندر أن روسيا ليست بحاجة للنفط السعودي وأنها لا تريد تفكيك السعودية، وأنه ليس لها أي مصالح استعمارية في المنطقة؟!

للعاقل أن يتعظ من تجارب غيره. الغرب ليس سعيداً بالنظرية الوهابية ولا بالدين الإسلامي ولكن يستخدم كل ما يستطيع من أفكار وخلافات موجودة أو يُوجِدها ويغذّيها لتفريق الدول العربية، ويستخدم كل ما يستطيع للحصول على الثروات والخيرات العربية. بالمبدأ، فإن رفض السعودية التدخل التركي في الشأنين المصري والسوري هو صحيح وجيد، والدعم السعودي للحكم الجديد في مصر جيد وإيجابي، شرط ألا يكون هدفه استمالة هذا الحكم بهذا الاتجاه أو ذاك. يمكن للسعودية أن تغتنم الفرصة المصرية، وزيارة بندر لروسيا وما سمعه هناك، لإعادة بناء سياساتها الإقليمية لتكون أكثر واقعية وتوازناً وعروبية، ولاسيما تجاه سورية والتوقف عن دعم المسلحين والإرهابيين الذين سيرتدون يوماً عليها. الجيش العربي السوري الذي تحاربه السعودية الآن هو الذي وقف إلى جانبها عام 1991 بعد غزو العراق ـ صدام حسين للكويت. فلمصلحة مَن تضعف السعودية الجيش الوحيد الذي تخافه إسرائيل في المنطقة؟ أليس إضعاف الجيوش العربية هدفاً إسرائيلياً؟!

نأمل أن تقرأ السعودية التغيرات الجيوسياسية في المنطقة بشكل صحيح وأن ترْجَحَ كفة العقلاء في المملكة على غيرهم، وأن يفكّر هؤلاء بمصالح السعودية الحقيقية الدائمة والإستراتيجية.. وهي مع سورية القوية الصامدة المحروسة بتكامل جيشها وشعبها وقيادتها الحكيمة.

 

 

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.