تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

لماذا تم اختراقنا؟!

                                                                                                                                    15/8/2013

 

يمكن للمرء أن يذكر ألف سبب وسبب للأزمة المستفحلة في سورية؛ التدخل الخارجي، المخططات والمؤامرة الخارجية، الإعلام الكوني الموجّه ضد سورية، خيانة بعض الإخوة العرب والأصدقاء مما كنّا نظن أنهم قد أصبحوا حلفاء، الدور الأمريكي وحماية إسرائيل، النفط والغاز، الموقع الجيوـ إستراتيجي لسورية... الخ. كل هذا صحيح ولكن يبقى السؤال لماذا تم اختراقنا دون إجابة. نضيف داخلياً؛ لأن هناك مشاكل وفساد في الداخل وكنّا بحاجة إلى الإصلاح، ولأن هناك مطالب شعبية ولأن الناس تريد العيش الأفضل والحرية والرفاه والغنى والسفر... الخ. ولكننا لم نجب على السؤال؛ لماذا تم اختراقنا؟!

كلّ الأسباب الداخلية والخارجية كانت موجودة ومنذ زمن، ولكن لم يتم اختراق الداخل السوري والمجتمع السوري ولم يحصل أن تعامل بعض السوريين و"تزلموا" للخارج وارتهنوا له كما يحدث الآن. حتى المعارضة السورية التي تقيم في الخارج وتخضع له وتنفّذ أوامره، ينطبق عليها السؤال؛ لماذا تم اختراقها بهذا الشكل؟! هل يمكن أن نجد مثلاً معارضة بريطانية تعمل كما تعمل المعارضة السورية؟!!

أرى أن الجواب على السؤال العنوان، يكمن في مشكلتين رئيسيتين: أولاً، ضعف التربية الأخلاقية والدينية وثانياً، ضعف التربية الوطنية، ومنهما تتفرع باقي كل المشاكل.

أولاً، تَراجعُ التربية الدينية والأخلاقية: إن ما ظهر من ممارسات وارتكابات قام بها بعض السوريين على شاشات التلفزيون وما قيل من تصريحات لأعضاء الجماعات التكفيرية والمسلحين يُظهر بشكل واضح فهماً مغلوطاً للدين الإسلامي ولغاية رسالته السمحاء. فقد أكد الرسول الكريم محمد بن عبد الله (ص) أنه بُعث لإتمام مكارم الأخلاق، ولم يقل أنه بُعث لأمر آخر. وعليه فإن جوهر العبادة والغاية من الصلاة والصوم والحج والزكاة ـ وهي فرائض ووسيلة للتقرب من الله ـ إصلاح النفس البشرية وتزكيتها وهدايتها إلى طريق الخير والحق، لأن الله غني عن العالمين ولا حاجة له لعبادتنا، فكيف إذا ساءت أعمالنا. وأضاف الرسول الكريم إن "مَن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له"؛ إذن مِن أين أتى بعض السوريين بكل هذا الشرّ والقتل والحقد والفساد والسرقة والخطف وكلّ هذه الأفكار المشبوهة ونحن نوصف بالاعتدال؟! بكل تأكيد من الأفكار الخاطئة التي علّمها لهم أشخاص عندهم جهل بجوهر الدين، وقصور في فهمه وحقيقة غايته؛ سواء في بعض المساجد أو في بعض المدارس أو في البيوت ومن خلال التربية الأسرية، وهذا ليس بقليل. ومن هنا أيضاً ومن خلال هذا الضعف كان لدى هذا الجزء من السوريين الاستعداد للسير خلف الآخرين القادمين من كلّ بقاع الأرض لتخريب هذا البلد الطيب.

ثانياً، خلل التربية الوطنية. لدينا كتب للتربية الوطنية والقومية، لكن على ما يبدو فإنها لا تحقق المطلوب من وجودها. لدينا منظمات شعبية ونقابات عمالية وأحزاب وأطر كثيرة وبرامج تلفزيونية وبرامج لهذه المنظمات وصحف تتكلم بالنبض الوطني والقومي، ولكن زيادتها لم تساهم في زيادة الوعي الوطني والقومي، على الأقل كما ظهر في العديد من المناطق والمدن السورية. الأزمةُ أظهرت أن لدى البعض عندنا مشكلة كبيرة في الشعور بالانتماء لهذا الوطن وفي الدفاع عنه وعن مصالحه، ولذلك كانوا مستعدين للتعامل مع الغرباء ـ حتى لو كانوا الإسرائيليين ـ  ضد مصلحة الوطن وخيره وأهله. هل أُجري يوماً استفتاء على تأثير كتاب القومية في الصف الثالث الثانوي، مثلاً، هل يفيد مضمون الكتاب؟ هل يقدّم معلومات تثقيفية تعزز شعور المواطنة والتعلق بالوطن، أم أن دارسيه يجدونه عبئاً، يضطرّون لقراءته مكرهين، فقط لأجل تحصيل العلامة المطلوبة في نهاية العام؟!

أما المراكز الثقافية المنتشرة في المدن السورية فماذا عن دورها ؟! يجب ألا تكون متاحف حجرية أو آثار صمّاء بمن فيها، أو أماكن للكسل يعّين فيها من لا يريد أن يعمل! هل تعمل كما يفترض وجودها، هل تقوم هذه الصروح بما عليها القيام به من نشر الفكر المستنير والثقافة والتطور! بالتأكيد لم تقم بدورها، ولم تحقق الغاية منها أيضاً.. والأمثلة كثيرة على القصور الفكري والتثقيفي والتوعوي.

ونسأل؛ هل هذا البعض من السوريين خائن بطبعه، أو قاتل بطبعه، أو مرتش بطبعه، أو فاسد بطبعه، أو متآمر بطبعه، أو مرتهن للغير بطبعه... الخ؟! بالتأكيد لا يمكن قبول أن يكون كذلك. ولكن الخلل في التربية الدينية والأخلاقية والوطنية والثقافة التي تربى عليها وحملها هو ما جعله هكذا. الجهل قاتل، والجهل فاسد، والجهل أعمى، والجهل مدمّر، والجهل كافر، وهؤلاء جاهلون، فلماذا نستغرب!! هؤلاء تعلموا أن تكون مصلحتهم فوق مصلحة الجميع وتربوا على الأنانية والانغلاق والتعصب للعائلة والعشيرة والإقليم والأنا الذاتية... الخ. لم يتعلموا "الغيرية" ولم يسمعوا عنها، فماذا نرجو منهم؟! مَن يقدّم مصالحه على مصالح الوطن غير واع، وهو جاهل حتى لو كان معلماً أو مديراً أو وزيراً، لأنه يكون كمن يخرق أسفل القارب وسط البحر!!

دعونا من كلّ الكلام الكبير، ولنسأل سؤالا بسيطاً حول قضية صحية تنعكس آثارها على صحة المجتمع السوري؛ عندما تتكرر في مجتمعاتٍ سوريةٍ معينة، ومنذ عدة سنوات، ظاهرة مثل زواج الأقارب ـ كما يحدث في مناطق درعا وإدلب ـ وينجم عن هذه الظاهرة وبشكل لافت أولاد مشوّهون، هل عَمِلنا أي شيء لعلاجها؟! إذن كيف نتعامل مع المسائل الأخرى؟!

إن حلّ أيَّ مشكلة يفترض أولاً معرفة أسبابها، ومواجهة الحقيقة تقتضي الاعتراف بها. ونحن في الربع الساعة الأخير من الأزمة، علينا وضع كل مشاكلنا على الطاولة وعدم نكرانها او التعمية عليها، ومعرفة أسبابها قبل الشروع في حلّها، إذا أردنا أن نبني "غداً" أفضل لسورية ولأبنائنا، يمنع تكرار الأزمة كل عشرين عاماً، ويمنع الآخرين التسرّب ـ متى أرادواـ إلى مجتمعنا وكياننا ووحدتنا والعبث بكل مكوناتنا واستقرارانا من خلال بعض الشقوق الموجودة بيننا وفي فكرنا وثقافتنا والتي لم نعمل على ترميمها. بدون تربيةٍ ووعيٍ وثقافةٍ صحيحة، دينية وأخلاقية ووطنية،  لن نتخلص من مشاكلنا مهما عملنا، لأن الأساس لأي خرق قادم يبقى موجوداً.

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.