تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

هل انطفأت "القدس العربي"!!

 

                                                                                                             3/8/2013

تحدُثُ في العالم ظواهر غريبة تكون لافتة أو مدعاة للتساؤل في معظم الأحيان وتستحق الدراسة لمعرفة أسبابها وظروف نشأتها؛ أقصد الظواهر التي تأتي من صنع بشري. ولنكون أكثر تحديداً فإننا نشير إلى الظواهر التي يقودها أشخاص مختلفون أو مميزين عن الآخرين في مجتمعاتهم، فتلبس الظواهر لباسم وتتلون بتلوينهم وتأخذ طابعهم الشخصي وتسمى لاحقاً باسمائهم: ظاهرة جمال عبد الناصر والناصرية، ظاهرة هوغو تشافيز والتشافيزية.. مانديلا، غاندي، ياسر عرفات، وغيرهم. تتضخم هذه الظواهر، تكبر وتنتشر، بعضها يدوم سنوات عديدة وربما عقود وقرون، وبعضها ينتهي برحيل صاحبها!

يشكّل أشخاصٌ مثل هؤلاء نمطاً من المدارس في التفكير والتصرف والتأثير في المجتمعات التي تحيط بهم. لهم عقلية خاصة وكاريزما تميزهم عن غيرهم؛ مثل نبرة الصوت وحركات الجسم وطريقة خطاب لافتة.. ويجمع بين الكثير منهم خصائص معينة، أهمها التعرض لظروف قاسية في بداية حياتهم بشكل عام، تسبغ على تفكيرهم الجانب المجتمعي وتربط شخوصهم بقضايا هامة وضاغطة في مجتمعاتهم يصيرون محور النضال في سبيل تحقيق أهداف محددة أو تغيير واقع معين..

ومن هذه الظواهر ظاهرة عبد الباري عطوان. أياً يكن موقفك من الكاتب الفلسطيني عبد الباري عطوان ومن كتاباته ومواقفه، فإنك لا تستطيع أن تنكر أنه كان ظاهرة مميزة في الإعلام العربي؛ كان عبد الباري عطوان نموذجاً للصحفي المشاكس الذي يريد أن يضفي لونه ويترك تأثيره وبصمته على المسائل التي يتناولها؛ كان حاداً في نقاشاته، عاطفياً أحياناً ونارياً أحيانا أخرى، ساخطاً على الواقع العربي والأنظمة العربية مع أنه تعامل مع بعضها وعايش معظمها واختلف مع أكثرها في فترات كثيرة. وكانت صحيفته "القدس العربي" تشبهه إلى حدّ كبير. كانت افتتاحية القدس العربي تحمل أسلوبه ونبرته وتعرف أنه كاتبها بمجرّد أن تقرأ عباراتها وجُملها حتى ولو لم تكن تعلم أنها القدس العربي. صحيح أن بعض الكتّاب ممن يحملون أحقاداً ضد أنظمتهم وبلدانهم، منذ عدة أعوام، كانونا يفرّغونها على صفحات القدس العربي ولم يبدّلهم عطوان، لكن تلك الأحقاد السمجة، كان يمتصها ويخففها وهجُ عطوان وديناميته!!

قبل فترة، أعلن عطوان أنه غادر القدس العربي؛ قيل إنه اضطر لبيعها، وقيل أنه اضطر لمغادرتها بعد تهديد بإيقاف التمويل القطري وإنه تعرض لضغوط من عزمي بشارة في هذا السياق، وقيل إن عبد الباري عطوان أدرك أنه أعطى كل ما لديه، ولم يعد عنده ما يضيفه، فاغتنم الفرصة لبيع الصحيفة وتأمين مدخرات مالية لآخر العمر قبل فوات الأوان... الخ!! أيا يكن السبب، فإن عبد الباري لم يعد يكتب في القدس العربي، ولم تعد الصحيفة تنطبع بظاهرته "العطوانية"!! فما النتيجة وأي خطّ بعد عطوان ستسلك القدس العربي؟!

من الواضح حتى الآن أن القدس العربي بعد عبد الباري عطوان لا تملك هوية جديدة، لكن الكتابات التي تظهر فيها تقول إنها تأخذ منحى خاصاً مناهضاً لبعض الأنظمة العربية. الكتّاب والمراسلون ما زالوا هم أنفسهم، لكن رئاسة التحرير الجديدة لم تظهر بعد. الواضح والظاهر فقط هو غياب النبرة واللمسة "العطوانية" عن الصحيفة؛ أحد ما قلّد لوحة الجوكندا، نجح بالتقليد ولكن بدون ابتسامتها الشهيرة!!

هل انتهت ظاهرة عبد الباري عطوان ولم يتمكن ذلك الصحفي الفلسطيني المهاجر من تأسيس مدرسة تحمل لونه وأسلوبه وطريقة تفكيره، وتبقي وهجَ القضية الفلسطينية في طيّات صحيفةٍ تحمل اسم واحد من أقدس الأماكن في العالم العربي والإسلامي؛ القدس الفلسطينية العربية؟! أم إنه كان ظاهرة صوتية مثل الكثير من الظواهر الصوتية في عالمنا العربي، والإعلام المرئي هو الذي نفخ فيه وضخّمه؟!

ليس نحن، بل الزمن والتاريخ وما سيتكشّف، هو من سيحكم!!

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.