تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

هكذا تقتل ســورية..!!

                                                                                                                               31 /7/2013

جميع الديانات السماوية منها أم الوضعية حافظت على اتقادها وتوهجها الدائم من خلال رموز وإشارات نشرتها في بيئتها ، هذه الرموز اتخذت أشكال عدة منها الحجري ومنها الكتابي ومنها الفكري، جميع هذه الديانات اتفقت على تقديس هذه الرموز، وجميعها وحتى الباطنية منها اتخذت من الرمز طريقة وغاية للوصول، أي عبادة الله.

فعندما نذهب إلى الحج لا يعني أننا نعبد الكعبة، بل ننفذ ركنا من أركان الإسلام والمتمثل برمزية الكعبة تاريخياً ودينياً، وكغاية نحاول من خلالها التقرب إلى الله عز وجل، حالنا حال الكثير من الديانات السماوية التي لها رموزها الخاصة وجميعها اتفقت على تقديسها واعتبارها وسيلة للتقرب من الله حالها حال الجامع أو الكنيسة ..

ولطالما كانت سورية أهم منابع الرموز في العالم نظراً لموقعها الحضاري التراكمي، وتعتبر كل من دمشق وحلب من أقدم المدن السكنية في العالم وموئل المجتمع الزراعي، ويكفي أن نعلم أن أول أبجدية وأول نوتة موسيقية في العالم هي سوريّة لكي نعلم أننا نعيش على كنز عظيم. هذا التراكم الحضاري جعل من الأرض السورية مستوعبا هائلا ضم رموز هذه الحضارات وثقافاتها.

أسوق هذه المقدمة الطويلة، للقول إن سورية تتعرض اليوم برمزيتها العظيمة إلى هجمة شرسة تستهدف إرثها الحضاري والثقافي العريق، سواء بيد بعض أبنائها أو بأيدي غيرهم من الدخلاء. هجمة تستخدم غطاء الدين أو الطائفة، كان من أهم نتائجها تشويه ممنهج للتاريخ السوري بكل جوانبه؛ الديني، الفكري، والثقافي والعمراني، وهذه العملية تتم على مرحلتين:

أولاً، تشويه الرمز حيث يقوم هؤلاء بحملات تكفيرية عرقية أو طائفية ـ سمّها ما شئت ـ ونسب هذا الرمز إلى طائفة معينة أو عرق معين، واتهام هذه الطائفة بعبادته، أو تحت حجة أخرى، هي  إدعاء الخوف من عبادته مستقبلا، مشبهين هذه الرموز بالأصنام! فقط لمجرد أنها حجرية. ولكن السؤال هل كانت تعبد هذه التماثيل أو الأضرحة في السابق؟ الجميع يعلم أن الجواب "لا" . وبالقياس، هل يمكن لهؤلاء أن يدمروا الكعبة مستقبلاً، بحجة أننا ندور حولها وخوفهم بالتالي من أننا نعبدها وذلك كما فعلوا مثلا بمساجد الصحابة السبعة التي حولوها الى صرافات آلية؟؟ والجواب المنطقي أيضاً هو "نعم" .

ثانياً: تدنيس الرمز، فبعد العمل على تشويه الرمز فكرياً يصبح البعض مهيأ لتدميره. وقد شهدنا في سورية والعراق حملات متكررة لتدمير الأضرحة، بسبب رمزيتها المهمة فقط لدى طائفة معينة. ولم يقتصر هذا التدنيس على الرموز الدينية، بل طال الرموز الفكرية مثل تماثيل الشعراء والعلماء، والرموز الأثرية والمنحوتات التي سرقت من المتاحف السورية (والعراقية سابقاً) والتي بيعت في الخارج بهدف جلب المال والسلاح لمقاتلي المعارضة كما أصبح معروفاً بشكل واسع.

إن هذه العملية لا تتم بلا هدف؛ فالإنسان يتشبث بأرضه من خلال مجموعة الدلالات الثقافية والتاريخية والحياتية التي تربطه بها. وتعتبر الرموز الدينية والأثرية من أهمها. وتفريغ المنطقة منها هو بمثابة سحب الجنسية من الإنسان، وبذلك تنعدم الهوية والرابط اللذان يربطانه بأرضه، وهو ما يحرم الأجيال القادمة من معرفة الجانب المشرق والمضيء في تاريخها، ويقتلعها من جذورها. وهذا يعتّم أيضاً على عطاء الأجداد ويحبط الأجيال الجديدة من مراكمة المزيد بعدما تم تشويه إرثهم وتجويف تاريخهم.

إن وجود رموز أو دلالات لا نؤمن بها لا يعني أنها فقدت قدسيتها أو رمزيتها، فوجود من آمن بها يعطيها القدسية والحرمة سواء كان من آمن بها موجود أم لا، والقدسية أو الرمزية هنا لا تعني العبادة إطلاقاً، فهنا نتحدث عن حرمة المكان والزمان، فوجود مذبح كان مخصص للعبادة في وسط عمريت الواقعة في مدينة طرطوس، لا يعني أن أهل المنطقة يعبدونه، بل هو رمز لحقبة زمنية ولتجربة تاريخية مرت فيها البشرية جمعاء، ومن هنا تستمد هذه الصروح والتحف قيمتها عبر التاريخ والأجيال، وإن أي تخريب يطالها هو تحريف للتاريخ، ولطالما كان التاريخ هو من يصنع عراقة الشعوب ويختزن مخزونها المعرفي. لذلك يجب أن يدرك الجميع أن ما يسرق ويخّرب في سورية هو ليس سوى سرقة وتهديم السوريين أنفسهم.

                                                                                             وسيم سليمان

 

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.