تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

خطاب مرسي يثير بهجة وفكاهة وهتافاً ودعاء

بدا وكأن التاريخ أوقف ماكينات التشغيل لبرهة، تسارعت خلالها دقات القلوب وتدفقت الدماء إلى العروق واتسعت حدقات الأعين وانهمرت حبات العرق زخات زخات وساد جلال الصمت المهيب والترقب الشنيع. لكن فجأة ومن دون سابق إنذار، انشقت ظلمة ليل القاهرة البهيم وسكونه البائس بقهقهات جماعية وضحكات هستيرية لا تتواءم وحساسية الخطاب.

 

ليلة الخطاب كانت ليلاء بكل المقاييس والمعايير، فالأجواء الرومانسية التي أضفاها «الواد (الولد) الذي يتقاضى 20 جنيهاً ليفصل سكين الكهرباء ليطقق (يغضب) الناس» بقطع التيار الكهربائي عن بيوتهم لست ساعات متتاليات بحسب ما أكد الرئيس محمد مرسي، ازدادت شاعرية بمشاهد التواصل الاجتماعي والتلاحم الإنساني. هذه المشاهد وصلت ذروتها ليل أول من أمس بتجمهر أهل المحروسة الذين هم في محطات الوقود مصطفين محتقنين لاعنين ليستمعوا ويستمتعوا بلحظات تحولت في ما بعد إلى ساعات خطاب أول رئيس مدني منتخب ظنوا واهمين حالمين مخطئين أنه سيكون خطاب الخلاص مما هم فيه.

 

وبين أهل الرئيس وعشيرته الذين اكتظت بهم نصف القاعة مزلزلين إياها بعشرات الهتافات من نوعية «اضرب يا ريس» و «طهر يا ريس»، وشعب الرئيس ومواطني مصر الذين اكتظت بها الميادين ومحطات الوقود وطوابير ماكينات الصرف الآلي ومخابز العيش وتفوهوا بعبارات كان يعاقب عليها القانون وقت كان مفعلاً، توحد الجميع على سماع كشف حساب أول رئيس مدني منتخب يخطب يومي الأربعاء والخميس بلا توقف.

 

لكن ما توقف ليل أول من أمس هو قدرة كثيرين على الفهم بعدما أسكرتهم كلمات الرئيس. وجاء رد فعل بعضهم هتافاً هستيرياً: «أيوه كده يا ريس» أو صمتاً استاتيكياً في عوالم السكون. فالشيء وضده أصاب كثيرين بدوار. الرئيس قال إن وزير الداخلية و «رجالته» لا ينامون من كثرة العمل وأدائهم لمهامهم في حفظ الأمن والأمان (تصفيق حاد)، لكنه يؤكد أيضاً أن البلطجية في كل مكان (تصفيق حاد)، ويبهر الجميع بمعرفته «فودة» في المنصورة و «عاشور» في الشرقية وواحد في المعادي (جنوب القاهرة) الذين قال إنهم يؤجرون البلطجية (تصفيق حاد). وبالحدة ذاتها تعاملت جموع الشعب المندهشة من دقة معلومات الرئيس لدرجة معرفته بالبلطجية العاملين في المحافظات.

 

وعلى رغم معرفة أول رئيس مدني منتخب بأسماء موردي البلطجية، إلا أنه لم يهددهم ولم يتوعدهم، بل هدد وتوعد آخرين على إيقاع ضحكات الأهل والعشيرة وهتافاتهم التشجيعية «طهر يا ريس» و «اضرب يا مرسي».

 

وإذا كان «ألتراس الإخوان» يهتفون «اضرب يا مرسي» على سبيل التشجيع، فإن الضرب فعلياً كان سباقاً، فالرئيس مرسي أكد وسط هتافات أنصاره أنه لا يوجد معتقلون سياسيون، لكن «المنظمة المصرية لحقوق الإنسان» تشير إلى مقتل 143 مصرياً على يد وزارة الداخلية في عهد أول رئيس مدني منتخب و3462 معتقلاً خلال عام واحد من حكمه.

 

وخلال دقائق قليلة من خطبته المذهلة، انطلقت دعوات كثيرة في ربوع مصر، فهناك من دعا للرئيس بتوفيق الخطى وسداد الرمي وهزيمة العدو، وهناك من اكتفى بالدعاء من على كنبات غرف الجلوس «اللهم بلغنا نهاية الخطاب» أو في طوابير الوقود «حسبنا الله ونعم الوكيل» أو لمن جاء دوره بحسب «الواد بتاع سكينة فصل الكهرباء»، داعياً «اللهم اعط الرئيس بقدر ما قدمه لنا».

 

ما قدمه الرئيس في كشف حساب عام مضى حوى الكثير من التهديد والوعيد للمعارضين والسخرية من الإعلام والتنديد بالحكم السابق والأرقام التي لم يفهمها أحد، بمن في ذلك جموع «الهتيفة» والمصفقين في القاعة. لكن الخطاب لم يكن كله كشفاً وتصفيقاً، بل فجّر نكاتاً وترفيهاً، سواء في الشارع بحكم تواجد الملايين في محطات الوقود على مدار الساعة، أو على مواقع التواصل العنكبوتي. كثيرون طالبوا بتعيين مرسي رئيساً فخرياً لحركة «تمرد» بعدما فجر الخطاب موجات من الإقبال على توقيع الاستمارات، وبعضهم توقع أن يتحايل الرئيس على دعوات تنحيه قبل إتمام مدته بأن يستمر في الخطاب لمدة ثلاث سنوات، لكن انتهى حديث مع الساعات الأولى لليوم التالي، واستيقظت الجموع في «صباحية الخطاب» وقد هرم من هرم، وشاخ من شاخ، وانضغط من انضغط، وظل السؤال الذي يطرحه الجميع «ماذا يعني الخطاب؟».

                                                                      القاهرة - أمينة خيري

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.