تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

مجلس الشعب السوري ومعركة إثبات القدرة على التغيير

محطة أخبار سورية

في ظروف استثنائية تمر بها سورية عقد مجلس الشعب السوري المنتخب جلسته الافتتاحية يوم الخميس 24/5/2012، في ظل دستور جديد لا وجود فيه للمادة الثامنة التي تسمي حزب "البعث" قائداً في الدولة والمجتمع. ويعلق الشارع السوري آمالاً كثيرة وكبيرة على مجلس الشعب الحالي، الذي تشكك الغالبية بقدرته على إحداث تغيير، ويشعر قلة بالتفاؤل حيال نتائج عمله.

 

 كتب طه عبد الواحد

في هذا الشأن رأى الدكتور محمد حبش، العضو السابق في مجلس الشعب السوري، أن "الانتخابات جرت في ظروف غير مناسبة ولم تتمكن السلطة من إقناع المعارضة بالمشاركة وظل المجلس لوناً واحداً، لذلك من المؤكد أنه لن يستطيع تحقيق الأهداف الكبيرة. وهذا هو سبب اعتذار معظم الأعضاء المستقلين عن المشاركة في انتخابات هذه الدورة". وبعد أن تمنى الدكتور حبش للمجلس الحالي "حظاً طيباً وأن يتمكن من فعل شيء لوقف حمام الدماء والقتل اليومي" شكك بإمكانية أن يكون المجلس قادرا على القيام بهذه المهمة في المرحلة الحالية.

 

من جانبه رأى الإعلامي خليل الهملو إنه "رغم كل استثنائية مجلس الشعب والظروف الذي تمر بها سورية منذ أكثر من 15 شهرا، ليس هناك ما يبشر بأن هناك تغييرا سوف يحصل في هذا المجلس، ذلك أن حزب البعث الحاكم حصل على 162 مقعدا فيه ما يدل - وحسب قواعد اللعبة الديمقراطية – على أن له الأكثرية باعتبار أن عدد الأعضاء هم 250، وسوف يحصل هذا الحزب أيضا على رئاسة الحكومة،  فأي محاسبة سوف يقوم بها هذا المجلس لحكومة تدعمها أكثرية برلمانية؟".

 

وعبر الهملو عن أمله في أن "يكون المجلس على قدر الأعباء التي تنتظره من تدهور الحالة السياسية والأمنية وكذلك الاجتماعية، وقيادة مصالحة حقيقية ليست إعلامية لترميم وردم الفجوة التي بدت تتسع كل يوم ويمكن أن تجر إلى صراع طائفي يبدأ من بعض المناطق وينتشر في أغلب المحافظات السورية".

 

أما المحلل السياسي جانبلات شكاي العارف والخبير بالشؤون السورية الداخلية فقد توقف عند حالة الانقسام "الشاقولي" التي يعيشها المجتمع السوري والتي ترسخها عمليات القتل المتبادل في كثير من المدن السورية، ليشير إلى أن "جزءا لا يستهان به من الشارع السوري بات في حالة خصام وعداء مستفحل مع السلطة وكل إفرازاتها، سواء منها القديمة أو المستحدثة تحت عنوان الإصلاح بما فيها الدستور ومجلس الشعب الجديدين، بل إن هذا الجزء من الشعب السوري بات لا يعترف بشرعية النظام الحالي وكل ما يقوم به. وعلى الضفة الأخرى مازال هناك أيضا جزء كبير من الشارع السوري يقف وراء النظام ويبارك خطواته كلها بما فيها تلك المتعلقة بالسعي لضبط الشارع السوري في المناطق الساخنة وملاحقة المجموعات المسلحة، ويثمن هذا الجزء من الشعب السوري الإجراءات الإصلاحية التي تمت خلال السنة الأخيرة بل ويعتبرها حالة فريدة من أشكال الديمقراطية ونموذجا يحتذى به على مستوى الأنظمة العربية كافة".

 

وعليه يرى جانبلات شكاي "أن مستقبل الأوضاع في سورية هو ما سيحدد مدى فاعلية مجلس الشعب الحالي من عدمه، أي إذا نجح الحراك المعارض في سورية، بمساعدة الخارج، في تغيير النظام فإن كل ما نتج عن هذا النظام سيذهب أدراج الرياح، مع أنني لا أرى أية مؤشرات جدية حتى الآن حول قدرة المعارضة والعامل الدولي المساند لها بإجراء ذلك التغيير. أما إذا كانت نهاية الأزمة عبر فرض حل وسط على طرفي النزاع في سورية من خلال التدخل الدولي وتطبيقا لخطة المبعوث الدولي كوفي أنان، بوقف دوامة العنف الدائرة حاليا في البلاد والتوصل سواء عبر الحوار أو التفاوض إلى حل سلمي يرسم مستقل البلاد، فأعتقد أيضا أن كثيرا من الإصلاحات التي قام بها النظام وربما كل الإجراءات الإصلاحية ستكون محل نقاش على طاولة الحوار وعلى الأغلب ستتم إعادة النظر بها بما فيها الدستور ومجلس الشعب الجديدان. ويبقى السيناريو الثالث أي نجاح النظام باستيعاب الحراك الشعبي المعارض وإعادة الإمساك بزمام المبادرة وبالشارع وضبطه، ففي هذه الحالة فإن "الإصلاحات" التي نفذها النظام خلال العام الأخير ستبقى على حالها، لكنني مقتنع تماما بأن التاريخ لا يمكن أن يعيد نفسه، والأحداث التي مرت بها سورية ستترك أثرها على مستقبل البلاد، وبالتالي فإن مجلس الشعب بدورته الحالية سيكون غير مجلس الشعب بدورته السابقة وستلعب السلطة التشريعية، وخصوصا في مجالي محاربة الفساد الحكومي والتشريع القانوني، دورا أكثر بالتأكيد من دورها خلال المرحلة السابقة، لكن الأمر لن يصل إلى درجة الانقلاب على الوضع الذي اعتاد عليه السوريون خلال العقود الأخيرة".

 

ويتفق المحللان السياسيان جانبلات شكاي وخليل الهملو على فكرة وجود شخصيات "نظيفة" في مجلس الشعب الحالي، إذ يرى جانبلات أن "انتخابات مكتب المجلس انتهت إلى وصول شخصية ذات سمعة طيبة إلى رئاسته" لكنه يشكك بقدرة هؤلاء على إحداث تغيير جذري في آليات عمل مجلس الشعب السوري معتبراً أن "آلية الوصول وأسلوب إدارة العمل في الجلسة الأولى لم تُترك للصدفة، فبدا أن كل شيء معد مسبقا ففاز مرشح حزب البعث الحاكم بأغلبية ساحقة على منافسه، ثم اعتلى المنصة لإلقاء كلمة مكتوبة تم إعدادها مسبقا". أما خليل الهملو فقد اعتبر "وصول بعض البعثيين المشهود لهم بالنزاهة الايجابية الوحيدة في هذا المجلس"، لكنه كان أكثر تفاؤلاً حين وصف مواقف هؤلاء البعثيين بأنها ستكون "القاطرة التي تجر ورائها المترددين من المستقلين وبقية الأحزاب في قيادة تغيير في هذا المجلس".

 

أما على مستوى المواطنين وعامة الناس فهناك من رأى في الجلسة الأولى لمجلس الشعب السوري دلالات تؤكد أنه لن يكون مثل المجالس السابقة، "إذ أن نقاشاً حاداً دار بين رئيس المجلس وبعض الأعضاء الذين وجهوا انتقادات حادة لكيفية بدء الجلسة وآلية انتخاب رئاسة المجلس، إضافة إلى أن بعض الأعضاء رفضوا المشاركة في التصويت تعبيراً عن احتجاجهم، وهذه سابقة  في عمل مجلس الشعب"، حسب قول أبو ماجد، صاحب مخبز حلويات في سوق من أسواق دمشق، الذي عبر عن أمله في أن يستمر عمل المجلس بنفس الأسلوب وأن تُسمع أصوات تقول "لا" وتحتج عند الحاجة، "ما سيضمن الانتقال تدريجياً إلى مجلس شعب مؤثر على القرارات المصيرية التي تتعلق بمعيشة المواطن وتأمين ضروريات نشاطه المهني" والكلام ما زال لأبو ماجد. أما المواطن علي الذي كان يقف بجوار بائع لحوم ويشتكي غلاء الأسعار بينما يُعد له البائع طلبه فقد عبر عن إعجابه بما وصفه عرض غير مسبوق "في مسرح مجلس الشعب حين قرر أحد الأعضاء أن يُقسم على كتابين مقدسين هما القرآن الكريم والإنجيل" ومع إعجابه الصادق بهذا القسم وما يجسده من حالة وحدة وطنية، شكك علي بإمكانية أن يحقق مجلس الشعب الحالي أي تغيرات معتبراً أن "البرلمان الجديد لا رح يقدم ولا يأخر في هذا البلد. لأنو اغلب أعضائه دايرين على مصالحهم وميزاتهم فقط. المواطن اللي متل حكايتي رح يضل معتر طول ما في فساد بهذا البلد. الفساد مستشري وصعب جدا قلع جذوره، وما أظن إن النواب الجدد رح يحالوا مكافحة الفساد لأن بضر أو وأخيرا بمصالحهم كتجار كبار".

 

على خلفية هذه الآراء ووجهات النظر، وبينما أكد أكثر من عضو في مجلس الشعب السوري الجديد نيته العمل من أجل الإصلاح في سورية وتأمين مستلزمات المواطن ومتابعة قضاياه وهمومه اليومية والعامة، فإن مجلس الشعب الحالي الذي تم انتخابه ضمن جملة إصلاحات أقرتها القيادة السورية يبدو أمام تحديات كبيرة وفي مقدمتها معركة ربما يخوضها ليُثبت للمواطن كما للمراقب والمحلل السياسي أنه مجلس مختلف نوعياً ومهنياً عن المجالس السابقة، سيما وأن سقف التوقعات من هذا المجلس مرتفع جداً ويتراوح بين التغيير الجذري في الحياة السياسية ليصل إلى تأمين مواد رئيسية للمواطن مثل المسكن، الغاز والمازوت والكهرباء وغيره.. فهل سينتصر المجلس في معركته هذه؟

 

(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.