تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

سوريا والجامعة العربية: لقد عزّ التضامن في زمن الانقسام

مصدر الصورة
موقع الساحل -وكالة الساحل ميديا -موريتانيا

                                                                                   الأحد, 13 تشرين2/نوفمبر 2011

   إذا كان للعلمِ أحجيته الغامضة وللفن سحره الآسر فإن لسياسة العرب سذاجتها التي لا تحتمل، لقد ناكفنا طويلاً في جدلية اسمها الأمة العربية، كيان مشترك، وانتماء ومصير واحد، بل وجادلنا أكثر من ذلك كي نقنع أنفسنا بأن هذه الأمة وضعفها القائم هو حالة عابرة سرعان ما تتلاشى تحت عوامل القوّة والاستمرار التي نختزنها في ذاكرتنا على الأقل.

 

الا أن الواقع اليوم أراد أن يلقّننا درساً في سوء التقدير؛ ليس لأن الواقع أراد ذلك بل لأننا كشعوب اعتادت عقولها على الأحكام الناجزة والنتائج التي لا تسبقها المقدِّمات. لقد ظل تفكيرنا على هذا الحال حتى وصلنا إلى ما نسميه جدلاً بزمن التغيير في منطقتنا العربية، وزمن الثورات، وفصول الربيع المتتالية، أو الفردوس العربي المفقود. لكن عندما بدأنا هذا الزمن عاد العقل العربي إلى اجترار سلوكه القديم في سوء التقدير وبساطة التصرف، لأنه لم يدرك أن لكل بلد ظروفه ومعطياته الخاصة، فأسقط عوامل التغيير في تونس ومصر على مثيلاتها في ليبيا وسوريا، واعتبر أن كل حراك محدود في هذا البلد أو ذاك هو ثورة شعب بأسره، وأن كل قتيل يسقط هو جريمة يقترفها النظام القائم ضد إنسان أعزل لم يمتهن العنف ولم ينقّص حياة الآخرين.

 

في هذا السياق لن نتطرّق إلى حرب الجامعة العربية على النظام الليبي وأتباعه، ولن نتحدث عن جرأتها في تشريع التدخل الأجنبي واستجدائه وتمويله لتدمير بلد عضو يتمتّع بالسيادة الكاملة، ليس ذلك قدر ليبيا، لكنه في البدء كان إرادة العرب.

 

إلا أن ما يغثي حقاً ويبعث على الاشمئزاز في أيام الربيع العربي هو أن تُكرّر الجامعة العربية خطأها الشنيع هذه المرة مع سوريا، وأن تزيح عن وجهها آخر قناع للحياء السياسي.

 

ليس من الإنصاف أن تعمد الجامعة العربية إلى تجميد عضوية سوريا ومحاصرتها دبلوماسياً بناءً على تقارير إعلامية يجادل البعض في مصداقيتها. بل كان حرياً بهذه الجامعة أن تبدأ عقابها لسوريا بناء على معطيات تستقيها من أرض الواقع؛ ويكفي في هذا الخصوص أن ترسل لجاناً لتقصّي الحقائق لتقطع الشك باليقين، وتزيل عن الجميع ضباب الحيرة والشك، لأن كل مراقب للشأن السوري سيبقى مشتتًا أمام روايتين متناقضتين: رواية أولى ترويها المعارضة على لسان الجزيرة والإعلام الغربي، ورواية أخرى يرويها إعلام النظام السوري، وفي كلا الروايتين هناك قاتل ومقتول هناك ضحية وجلاد، ولا ندري حتى الآن منْ يقتل منْ، ومنْ تقف معه غالبية الشعب ومن تقف ضده.

 

إن وفد الجامعة إلى سوريا لم يتجاوز مقرات الضيافة ولم يكلّف نفسه عناء أخذ عينة من آراء المواطنين السوريين، لقد ذهب ليوصل عريضة أوامر ويعود. في تلك الأثناء كان الانقسام حاداً بين أعضاء الجامعة في مسألة الوفاق على تجميد عضوية سوريا إلى درجة أن (احمد بن حلّي) الأمين المساعد للجامعة العربية يصرح لوسائل الإعلام قائلا "إن خيار تجميد عضوية سوريا كما تطالب به قوى المعارضة مستبعد،" مشيراً إلى أن الجامعة تعتبر أن "المبادرة العربية لحل الأزمة السورية ما زالت في بدايتها ."ومحذرا في ذات الوقت من أن "غلق الأبواب في وجه تلك المبادرة سواء من خلال تجميد عضوية سوريا أو من خلال إغلاق الأبواب في وجه أطراف سورية معينة، سيعني فتح أبواب أخرى". تلك الأبواب ستفتح الآن لأن الجميع تفاجأ بأن القرار اتخذ على عجل خلافاً لنص ميثاق الجامعة حيث صوت عضوان ضده، لكن الأكثر مفاجأة هو أن هناك أقطار كانت تحسب في سلّة سوريا أيدت القرار. وقد علّل مراقبون ذلك بأن ثقل الضغط السوري الإيراني كان أخفّ وزناً من الضغوط الغربية ومن خزائن الخليج المترعة بالمال.

 

من حق  سوريا الآن أن تنتفض غضباً على هذا التجاوز الخطير لميثاق الجامعة، ومن حقها أن تبصق على مسودّة القرار وان تعتبره أقلّ ثمناً من الحبر الذي كتب به، إنه قرار تافه من وجهة نظرها لكن النظام في سوريا يعي في ذات الوقت أنه قرار شديد الخطورة، لأن غياب الغطاء العربي، وإن كان هذا الغطاء صوريا سيفتح المجال أمام التدخل الأجنبي في استنساخ واضح للنموذج الليبي.

 

بيد أن المضحك المبكي في هذا الشأن هو أن من كان يلوم أصحاب نظرية المؤامرة سيحني رأسه الآن أمام حقائق تتكشّف تباعاً؛ الجامعة العربية وجه آخر للاستعمار وذراعه الخفية في المنطقة، هكذا كان يردد أصحاب نظرية المؤامرة، ولا شك أنهم الآن يعيشون زمن صدق النبوءات، لأن هذه الجامعة لم تنجح خلال تاريخها الطويل سوى في استبعاد عضو أو تشريع العدوان على عضو آخر في تكريس فج لسياسة التماهي مع الموقف الغربي الذي يسعى في هذه الأيام إلى قصّ أجنحة إيران الطويلة في المنطقة من خلال إزاحة النظام السوري، حليفها القوي، أما الهدف الأبعد من ذلك فهو إحداث فوضى خلاّقة تسمح للولايات المتحدة بإقامة نظام جديد للشرق الأوسط كانت تحلم به منذ زمن بعيد.

                                                                                                

 

عموماً يبدو قرار الجامعة بتجميد عضوية سوريا كمن يزيح عن نفسه آخر ورقة توت كانت يستر بها جسده، فبين عقلية الارتجال التي أجبل عليها العقل العربي وبين صدق تنبؤات نظرية المؤامرة بات الموقف العربي الرسمي من ألأزمة السورية يتأرجح، فلا هو أعطى لهذه الأزمة معالجة تبعدها عن تكرار أخطاء الماضي وتبعد مؤسسة الجامعة العربية عن سهام الشك والريبة ، ولا هو في صدد تقييم فعلي مبني على حقائق ثابتة تبعده عن تجاذبات الإعلام الغائي الموجه. وبين هذين الاتجاهين نجزم بأننا كنا ولازلنا نعيش زمن التيه العربي وأن الربيع الذي حلمت به شعوبنا منذ بداية " الثورات" ليس سوى كذبة تغطي وجهها بمنديل.

 

                                                                                                   نجيب ولد حرمه

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.