تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

في أسباب الأزمة السورية!!

خاص/ محطة أخبار سورية

 

 

قيل:"في زمن الفتنة يميل كثير من الناس إلى منهج السلامة،

وتميل الصفوة إلى سلامة المنهج، ففـي سلامة المنهـج نجاة،

وفي منهج السلامة هلاك ولو بعد حين"

تمرّ سورية بمرحلة يتفق معظمنا أنها دقيقة وحساسة، ويتفق الكثيرون أن ما خرج للعلن بعد بدء الأزمة من سلوكيات شاذة، هو غريب ودخيل على طبيعة المجتمع السوري البسيط والمسالم والودود والمضياف، وليس له علاقة حقيقية بالمطالب الشعبية والحياتية؛ فليس حَمَلَة الساطور ممن يريدون الخير لسورية ولشعبها، وليس هؤلاء معنيون بالإصلاح والتغيير وتحسين وضع العباد والبلاد.

وحتى لا نسترسل كثيراً يحق لنا أن نطرح بعض الأسئلة الجوهرية: لماذا قام البعض بانتهاج سلوكيات غريبة ومارسوا القتل وتشويه الجثث...الخ. هل يعاني المجتمع السوري من الجوع والحرمان حقاً، وما الذي جعله يفرز أنواعاً مختلفة من الأشخاص الذين فقدوا الحسّ بالمسؤولية وبدؤوا يتصرفون ""ببهيمية" واضحة!؟ هل حقاً تحقيق الحرية والوصول إلى الديمقراطية يكون بهذه الطريقة من إلغاء الآخر واستئصاله أو عبر سفك الدماء البريئة!؟ هل يمكننا تحميل الخارج رغم كلّ دوره الكبير والواضح في مسار الأحداث الداخلية؛ تفكيراً وتخطيطاً وتمويلاً وتنفيذاً ونشراً وبثاً عبر الإعلام المسؤولية وحده!؟

يمكن القول إن كلّ هذا الأشياء، وغيرها الكثير أيضاً، تشرح أسباب الأزمة التي تجتازها سورية، وتفسّر الحال الذي وصلنا إليه، لكن السؤال الجوهري يبقى ما سبب تأثير كلّ هذه العوامل! أو ببساطة لماذا اجتمعت كلّ هذه الأسباب لتكون فاعلة في المجتمع السوري الذي لطالما بدا بعيداَ عن الاهتزاز والتوتر!؟

يمكن القول بصراحة إن السبب الحقيقي الفعلي هو قصور الوعي والخلل الثقافي والأخلاقي والقيَمي والديني والفكري؛ لدينا مؤسسات ثقافية بدون ثقافة حقيقية، لدينا مؤسسات تربوية بدون تربية فعلية، لدينا مؤسسات دينية بدون تطبيق الدين السليم، لدينا مؤسسات نقابية ولكن بدون انتماء أو حضور نقابي وبدون تربية وطنية صحيحة، ولدينا أطرٌ أخلاقية لكن العمل بها متوقف وغائب. لا تقوم أي من المؤسسات المعنية بواجبها ولا تؤدي دورها بالشكل الصحيح والسليم، والأهم أنه لا يتم الاعتراف بذلك، بل يدّعي الجميع أنه الأفضل ويغطّي على العيوب ويستّرها ويخفيها. من هنا نمت ثقافة عرجاء تمجّد الأنا والأنانية، وتترك الضمير في سبات عميق وطويل.. ثقافة تروّج للفساد والفوضى وتقتل روح التعاون والنشاط والمحبة والمبادرة الخيّرة بين الناس.

هذا الغياب الفعلي للدور، والتخلي عن الواجب من قبل المعنيين على مساحة الوطن، وفي مختلف المؤسسات والمراكز الفكرية والتربوية والقيميَّة، تركَ بعضُ جيلٍ من السوريين بدون أي اهتمام وبدون أي رعاية، فكبرت الفجوة ومال الميزان وسقط البعض في "الفراغ" الذي عرف الآخرون كيف ينفذون منه ويستغلّونه لمصلحتهم وللضرر بالوطن وبهذا المجتمع السوري العريق.

ويسعنا الحديث عن فراغ أخلاقي وآخر علمي وتربوي وفراغ وظيفي... الخ، وعن وجود إحساس قاتل لدى الكثيرين بالتهميش والعدمية، مما حوّلهم إلى "مشاع" تمكّن من يريد إساءة استخدامه من ذلك وبالطريقة التي يريد. ويحدث ذلك، فيما الكثيرون ـ ولاسيما من الشباب ـ يراقبون تنامي الثروات في أيدي فئة قليلة تتحدث عن القيم والشرف والوطنية وتنظّر لها.

وربما من حسنات الأزمة التي تقطعها سورية أنها كشفت لنا عيوبنا وأملت علينا مسؤولية تجاوزها؛ كشفت أخطاءنا وأماكن تقصيرنا وإهمالنا وقصور الدور الذي كان على المؤسسات الكبيرة القيام به ولكنها لم تفعل.

لذلك، فإن الإصلاح الأول الذي ربما علينا البدء به هو الإنسان؛ نفسيته، ثقافته تربيته وفكره، ليكون مواطناً صالحاً قوياً "غَيْرياً" محصناً لا تلويه الأفكار العابرة من كلّ الاتجاهات والقادمة من كلّ حدب وصوب، والتي تهبّ على وطننا بشكل قاصف كالعاصفة الهوجاء. للأمريكي ثقافته، وللروسي ثقافته وللصيني ثقافته وللإفريقي ثقافته... ويجب أن تكون لنا ثقافتنا الخاصة بنا التي نعتز بها ونؤمن بها ونمارسها ونعيشها ونعتنقها، بعيداً عن التأثير الخارجي السلبي، ولاسيما بقايا التأثير الاستعماري الغربي منه، والذي يحاول أن يطل برأسه من جديد وبأشكال مختلفة!

سورية بلد إرثٍ وحضارة وتاريخ عريق يمتدّ إلى آلاف السنين، ولذلك فإننا نحتاج أن نعيد إنتاج ثقافتنا المستقبلية عبر الاستفادة من تاريخنا وتجاربنا ومخزوننا الكبير والثري لتأكيد هويتنا وإيجاد ذاتنا المستقلة التي تمكّننا من القيام والنهوض بدورنا الحضاري والحياتي ومن إعادة بناء بلدنا بأفضل الطرق وليكون قدوة للآخرين الذين طالما تعلموا منّا ونقلوا عنّا من أول الأبجديات إلى آخر العلوم.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.