تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

قانون الاعلام الجديد..إطار ممتاز ولكن..

منذ أن صدر قانون الإعلام في الأسبوع الماضي لم تتوقف مدائح الإعلاميين له، فقد وصفوه بأنه غير مسبوق على مستوى المنطقة لكونه يعطي مساحة واسعة من الحرية، ويحفظ حقوق الإعلاميين ويضيء الطريق أمام المهنة ويكفل ممارسة الصحافة لدورها كسلطة رابعة.
 

ويذلل الصعوبات التي كانت تعترض عمل الصحفي وتغلق الأبواب في وجهه.. إلخ. وأنا بدوري لا أملك إلا أن أشيد بإيجابيات القانون المتمثلة بإلغاء عقوبة حبس الصحفي، والتأكيد على حقه في الحصول على المعلومة وعدم أحقية أي جهة في سؤاله عن مصدر معلوماته إلا في جلسة سرية وأمام القضاء. إلا أنني رغم ذلك أود أن ألفت انتباه زملائي المحتفين بالقانون، إلى أن جوهر مشكلة الإعلام السوري لا تكمن في القانون فحسب، فأنا لا أذكر أن صحفياً سجن بسبب معلومة كتبها. مشكلة الإعلام السوري تكمن، برأيي المتواضع، في تقديم مبدأ الولاء على الكفاءة، صحيح أن أصحاب وسائل الإعلام في كل أنحاء العالم يضعون موالين لهم في مراكز القرار، لكنهم يحيطون هؤلاء بأصحاب الكفاءات، بحيث لا يستطيع أي طرف أن ينفرد بالقرار دون موافقة الآخر، فانفراد الموالي غير الكفء بالقرار من شأنه أن يؤثر في أصول المهنة، وانفراد المهني بالقرار قد يغريه بوضع وسيلة الإعلام في خدمة توجهاته، التي قد لا تنسجم مع توجهات أصحاب وسيلة الإعلام.
لاشك في أن قانون الإعلام الجديد مهم جداً، فالطريق الجيد قد يقلل من عدد حوادث المرور، لكن لا بد أن نأخذ بالحسبان أن السائق الغشيم قد يتسبب بحوادث مروعة حتى على الطريق المثالي. وتقدم القوانين لا يعني تقدم المجتمع بالضرورة، فقد أعطيت المرأة في بلادنا حق الترشيح والانتخاب لأول مرة في عام 1949 على حين إن حق الانتخاب لم يمنح للمرأة السويسرية إلا في عام 1971.
ولكي تعلم ماذا أقصد أيها القارئ العزيز سأضرب لك عدة أمثلة مفتاحية كنت شاهداً عليها أو طرفاً فيها.
من المعروف أن محرري وكالة سانا يعيدون صياغة بعض الأخبار التي يتلقونها من وكالات الأنباء العالمية، وقد حدث مراراً أن قام المحرر النبيه بنشر الصيغتين إلى جانب بعضهما!
وغالباً ما تترافق إمكانيات المحرر المتواضعة بأنا شديدة التضخم، فهو يتعامل مع وسيلة الإعلام كمزرعة خاصة له يدخل إلى ملكوتها من يشاء وينفي منها من يشاء، وقد يمارس هذا الدور بشكل مضحك عندما ينشر حَرْفياً الصيغة المعممة من الخبر نفسه، بعد حذف الاسم غير المرغوب فيه، وهذا ما فعله محرر الجريدة التي خدمتها أكثر من ثلاثة عقود، عندما تم تكريمي في مهرجان دمشق السينمائي السابع عشر، ثم أعاد الفعل نفسه في العام التالي عندما تم اختياري رئيساً للجنة تحكيم مسابقة أفضل فيلم عربي. والأسوأ من ذلك أن ينشر الصحفي معلومات يعرف جيداً أنها قديمة وغير دقيقة، لأنه، بكل بساطة، لا يريد أن يزعج نفسه بإعادة تحرير المادة التي بين يديه، كما حدث معي أواخر الشهر الماضي!
صحيح أنه ليس من إنسان يعرف كل شيء، إلا أن العاقل يعمد لزيادة معارفه واختبار المشكوك فيه منها. إلا أن بعض الزملاء يتصرفون كما لو أنهم قد ختموا العلم، فقد وردت في زاوية لي عبارة (ألم مُمِض) فما كان من الزميل المعتد بمعرفته إلا أن حولها إلى (ألم ممرض) ولو كلف نفسه عناء النظر في (لسان العرب) أو أي قاموس آخر لوجد أنها كلمة فصيحة إذ جاء في لسان العرب «الهمُّ يَمُضُّ القلب، أي يُحْرِقُهُ»!
قد يكون قانون الإعلام الجديد إطاراً جميلاً، لكن الأمر يتوقف على اللوحة التي سنضعها فيه، ولن تتغير اللوحة ما دام الموالي الكسول ذو الأنا المتضخمة يتحكم بمصائر أصحاب الكفاءات!

                                                                   حسن م.يوسف

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.