تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

بيرم التونسي ( 1893– 1961 )

 

 

 

يعد الشاعر والزجال الشعبي المصري المعروف بيرم التونسي من أهم شعراء العامية في العصر الحديث، والذي رفع من سوية وعمق الأدب والشعر المكتوب باللغة العامية إلى مرتبة ومصاف جديدة جعلت أمير الشعراء أحمد شوقي يقول عنه:  " أخشى على الفصحى من عامية بيرم ."

ولد "محمود محمد مصطفى بيرم التونسي" في حي شعبي بالإسكندرية في 3 آذار/مارس 1893، وسمي التونسي لأن جده لأبيه كان تونسياً انتقل الى الحجاز ثم جاء الى الإسكندرية فاستقر بها مع عائلته، كان لبيرم أخت واحدة من والده وكانت تكبره بحوالي عشرين عامًا.

تلقى بيرم التونسي تعليمه الأول في كتّاب لأحد الشيوخ المحليين، لكن قسوة وسوء معاملة شيخ الكتاب للأطفال نفرت بيرم من الدراسة وجعلته يخرج من الكتاب دون أن يتعلم سوى مبادئ القراءة والكتابة ليعمل في الدكان الذي كان يملكه أبوه، ويعاود أبوه محاولة تعليم بيرم فيرسله إلى المعهد الديني التابع لـ "مسجد المرسى أبو العباس" حيث بقي يتلقى التلعيم هناك إلى سن الرابعة عشرة عندما مات والده فجأة، فانقطع عن المعهد وأصبح بيرم هو المسؤول عن أمّه ماليًا؛ إذ إن الأب لم يترك لهم شيئًا، وبدأ الشاب اليافع بالتنقل بين الأعمال المختلفة وتعرف بيرم مصادفة خلال إحدى تلك الأعمال على أحد عمال البناء الذي كان يجيد الغناء وبخاصة الأغاني التراثية من أدوار وطقاطيق؛ مما يشعل نار الرغبة بالمعرفة في نفس بيرم حيث يبدأ بشراء كتب الأساطير الشعبية مثل "ألف ليلة وليلة" و"أبو زيد الهلالي"، وحفظ ما فيها من أبيات الشعر، وكذلك أشعار ابن الرومي، التي وصفها بيرم بعد سنوات طويلة بأنها من أمتع ما قرأ.

في سن السابعة عشرة توفيت والدته وتزوج هو من فتاة من الحي، وفي تلك الفترة تملكت هواية القراءة الشاب بيرم حيث أخذ يقرأ كل ما يقع تحت يديه من قصاصات الورق والكتب التي كانت تستخدم لتغليف المشتريات في الدكاكين التي كان يعمل بها، مما تسبب في خسارته لعمله عدة مرات، وبدأ بيرم بالتردد على المكتبة العامة بالاسكندرية، وكان يقرأ بها كتب الأدب ، ودواوين الشعر والزجل ، ومقامات الحريري والهمداني وغيرها وبدأ محاولاته في كتابة شيء يشبهها.

أولى قصائده المنشورة " بائع الفجل " أثارت ضجة كبيرة حيث انتقد فيها فيها المجلس البلدي في الإسكندرية الذي كان خاضعاً مباشرة للحكم الإنكليزي، وتميزت ببساطتها ووضوحها الشديد حيث يقول في ختامها:

يا بائع الفجل بالمليم واحدةً      كم للعيال؟ وكم للمجلس البلدي؟

وسرعان ما يتعرف على أحد نوابغ مدينته الاسكندرية الموسيقار والفنان سيد درويش ويبدأ بكتابة القصائد الوطنية التي يلحنها الموسيقار ومنعها قصيدة الجنود الذي يقول فيها:

اليوم يومك يا جنود   متجعليش للروح تمن   عارٌ على الجندي الجمود   إلا إذا لفّه الكفن

ويصادف في تلك الفترة نشوب ثورة 1919 فيقوم بيرم التونسي بإصدار جريدة "المسلة" في 4 تموز/مايو 1919م يكون شعارها "المسلة – لاهي جريدة ولا مجلة "، الذي يقوم بكتابتها وطباعتها وتوزيعها بنفسه، لكنها لا تستمر طويلاً حيث تغلق بعد العدد 13 إثر هجوم شنته بشكل ساخرة على الأسرة المالكة في مصر،  فيصدر بيرم جريدة باسم جديد ويواصل هجومه على الأسرة المالكة مما تسبب في طرده في 25 آب/ أغسطس 1920 بدعوة أنه تونسي وليس مصرياً، وفي تونس لا تسمح له الحكومة التابعة للاستعمار الفرنسي بمزاولة أي عمل صحفي، مما يدفعه إلى السفر لجنوب فرنسا بحثاً عن عمل، ومن هناك ينجح في التسلل عائدا لمصر، لكن السلطات تقبض عليه وتعيده لفرنسا حيث يعاني الأمرين من الغربة هناك.

في عام 1932 تم ترحيل الشاعر من فرنسا إلى تونس لأن السلطات الفرنسية قامت بطرد الأجانب، وينتهي به المقام في سورية ولبنان، حيث يتابع من سورية كتابة الزجليات الساخرة واللاذعة بحق حكومة الانتداب الفرنسي التي تقرر نفيه إلى إحدى مستعمراته في إفريقيا، لكنه ينجح في الهرب والعودة متسللاً إلى مصر عام 1938م، حيث استطاع الاستفادة من عفو ملكي مكنه من الحصول على الجنسية المصرية ووظيفة في إحدى الصحف المصرية، بالإضافة إلى كتابة عدداًَ من الأعمال الشعرية للإذاعة المصرية، منها (سيرة الظاهر بيبرس) و(عزيزة ويون).

تعرف بيرم التونسي بكوكب الشرق السيدة أم كلثوم عام 1941 عن طريق صديق الطرفين الملحن والمؤدي القارئ    الشيخ زكريا أحمد وكون الثلاثة فريقا غاية في التآلف قدم للموسيقى العربية كنوزا من الأعمال التي اتسمت بالشعبية الجارفة في الكلمات والألحان وبعضها أدتها السيدة أم كلثوم في أفلامها السينمائية :سلامة 1944" و"فاطمة 1947".

غنت له الست أم كلثوم ما يزيد عن الثلاثين أغنية وطقطوقة كانت آخرها بعد عشرة أعوام من وفاة بيرم وهي أغنية  "القلب يعشق كل جميل" التي لحنها رياض السنباطى ومن تلك الأغاني: (اكتب لي من غير تأخير – الأمل -              انا في انتظارك - انا و انت – الآهات - اهل الهوى - الاولّه في الغرام - ايه اسمّي الحب - برضاك يا خالقي -   حبيبي يسعد اوقاته – حلم - سلام الله على الحاضرين - عيني يا عيني - غني لي شوية شوية - في نور محياك -      قل لي ولا تخبيش يا زين - كل الاحبه اثنين - نصرة قوية - هو صحيح الهوى غلاّب - الورد جميل - بالسلام احنا بدينا - بطل السلام - بعد الصبر ما طال - الحب كده - شمس الاصيل - صوت السلام - ظلموني الناس - نورك يا ست الكل - يا جمال يا مثال الوطنيه...).

منح بيرم التونسي عام 1960م جائزة الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسورية) التقديرية لمجهوداته في عالم الأدب، وبقي إلى آخر لحظة في حياته يكتب وينظم الزجليات البلغية والهادفة التي جعلت منه محبوباً ومتابعاً من الجماهير والحكومات العربية إلى أن توفى الله في 5 كانون الثاني / يناير 1961م.

مختتمين بكلمات غنتها السيدة أم كلثوم:

هو صحيح الهوى غلاب ما عرفش انا

والهجر قالوا مرار وعذاب واليوم بسنة

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.