تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

خير الدين الزركلي (1893 – 1976)

ولد الشاعر والمؤرخ والسياسي والديبلوماسي خير الدين الزركلي يوم 25 حزيران/يونيو 1893م في بيروت لأبوين دمشقيين، حيث كان والده التاجر الدمشقي المعروف في زيارة للبنان، ونشأ الزركلي في دمشق، وتعلم في مدارسها الأهلية، وأخذ عن معلميها الكثير من العلوم خاصة الأدبية منها، كان مولعا منذ الصغر بكتب الأدب، وبدأ بنظم الشعر في سن مبكرة،  أتم دراسته (القسم العلمي) في المدرسة الهاشمية بدمشق، ثم عمل فيها مدرساً بعد التخرج، وفي نهاية الحكم العثماني أصدر مجلة "الأصمعي" الأسبوعية لكن الحكومة العثمانية لم تعجبها التوجهات القومية العربية للمجلة رغم طابعها الأدبي فقامت الحكومة العثمانية بإغلاقها ومصادرتها.

انتقل الزركلي  إثر ذلك إلى بيروت حيث تابع دراساته هناك، وتخصص في دراسة آداب اللغة الفرنسية في الكلية العلمانية (اللاييك)، بعد تخرجه عينته الكلية أستاذاً للتاريخ والأدب العربي فيها، وما أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها وقامت  الحكومة العربية في دمشق بقيادة الأمير فيصل بن الحسين حتى عاد إلى دمشق، حيث أصدر أول الأمر جريدة يومية أسماها      "لسان العرب"، ثم شارك في إصدار جريدة "المفيد" اليومية وكتب فيها الكثير من المقالات الأدبية والاجتماعية، كما كان من كبار المناهضين للانتداب الفرنسي حيث شارك في الاجتماعات وكتب المقالات التي تحذر من مخاطر هذا الانتداب وتشحذ همم أبناء الوطن لمواجهة الاحتلال، وعلى أثر فاجعة ميسلون ودخول الفرنسيين إلى دمشق حكمت عليه سلطات الانتداب الفرنسية بالإعدام وحجز أملاكه غيابياً، لكنه نجح في الفرار إلى فلسطين بصحبة الملك فيصل والعديد من رجالات الحكومة العربية ومنها إلى مصر ومن ثم إلى الحجاز، وقد قال الزركلي حين وصله الحكم عليه بالإعدام من قبل الفرنسيين:

نذروا دمي حنقاً علي وفاتهم  أن الشقي بما لقيت سعيد

الله شاء لي الحياة وحاولوا     ما لم يشأ ولحكمه التأييد

التجأ الزركلي سنة 1921م إلى الحجاز حيث أعطاه ملكها الشريف الحسين بن علي الجنسية وانتدبه لمساعدة ابنه الأمير عبد الله بانشاء الحكومة الأولى في عمّان (إمارة شرقي الأردن)، حيث كلّف مفتشاً عاماً لوزارة المعارف ثم رئيساً لديوان الحكومة (1921ـ 1923). وألغت الحكومة الفرنسية عام 1923 قرار الإعدام بحق الزركلي فتمكن من العودة من المنفى إلى سورية، لكن المقام لم يستقر به طويلاً هناك حيث انتقل في العام ذاته إلى مصر وأنشأ بها "المطبعة العربية" في مصر حيث طبع فيها بعض كتبه وكتباً أخرى، لكن صحته ساءت نتيجة العمل في المطبعة فأغلقها عام 1927.

 وخلال تلك الفترة نشبت الثورة السورية الكبرى، فكان الزركلي من كبار رجالات سورية المناصرين لها في الخارج، حيث نظم اللقاءات والمناسبات لدعم الثورة وألقى خلالها القصائد التي تشحذ همم الثوار، واستضاف فيها كبار رجالات مصر، والجدير بالذكر أن أمير الشعراء أحمد شوقي ألقى في إحدى تلك المناسبات قصيدته الشهيرة التي مطلعها:

سلام من صبا بردى أرق                        ودمع لا يكفكف يا دمشق

وكانت نتيجة جهد الزركلي في دعم الثورة السورية من مصر حصوله على حكم ثان بالإعدام من قبل سلطات الانتداب الفرنسي التي طلبت رسمياً من المندوب السامي المصري إما إسكات الزركلي أو طرده من مصر.

انتقل خير الدين إلى الحجاز حيث أصبح يحمل التابعية السعودية بعد أن وحد الملك عبد العزيز شبه الجزيرة العربية تحت اسم المملكة العربية السعودية، وبقي فيها ثلاث سنوات حيث انتقل عام 1930 إلى القدس الشريف حيث أنشأ مع رفيقين له جريدة (الحياة) اليومية، إلاّ أن الحكومة الإنجليزية عطّلتها فأنشأ جريدة يومية أخرى في يافا.

عينه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن عبد العزيز آل سعود (الذي أصبح ملك السعودية فيما بعد) عام 1934 مستشاراً للبعثة الديبلوماسية السعودية بمصر، كما عُيّن مندوباً عن السعودية في مداولات إنشاء جامعة الدول العربية، وكان اسمه من ضمن أسماء الموقعين على ميثاق تأسيس الجامعة، وفي عام 1946م عين مديراً للخارجية السعودية في جدة، وفي عام 1951م عين وزيراً مفوضاً ومندوباً دائماً لدى جامعة الدول العربية، وتابع حياته الديبلوماسية من عام 1957م وحتى عام 1963 حيث عين سفيراً ومندوباً ممتازاً للحكومة السعودية في المغرب، وإعطي بعدها إجازة مرضية مفتوحة حيث أصبح يتنقل بين بيروت ودمشق، بالإضافة إلى زيارات متعددة لمصر وأوروبا.

اختير الزركلي عضواً في المجمع العلمي العربي بدمشق سنة 1930م، وعضواً في مجمع اللغة العربية بمصر عام 1946، وعضواً في المجمع العلمي العراقي عام 1960.

أصدر خير الدين الزركلي في حياته المؤلفات التالية:

ما رأيت وما سمعت (كتاب رحلات) 1923 – عامان في عمان (مذكرات) 1925 – ديوان شعر 1925 – ماجدولين والشاعر   (قصة شعرية قصيرة) – شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز (كتاب تاريخ).

لكن أهم إنجازات خير الدين الزركلي هي موسوعته "الأعلام" التي بدأ بإصدارها عام 1927 واستمر يعمل فيها لمدة نصف قرن حيث جمع فيها من ضمن ثمانية أجزاء تراجم لشخصيات تاريخية عربية ومستشرقة بدءاً من العصر الجاهلي والعصر الإسلامي وصولاً إلى زمننا المعاصر، حيث تعتبر هذه الموسوعة من أهم مراجع تراجم الشخصيات التي كتبت باللغة العربية.

ونختم بأبيات للشاعر والمؤرخ والعلامة خير الدين الزركلي قالها لبلده سورية وهو في القاهرة:

يا طائراً غنى على فنن       و(النيل) يسقي ذلك الغصنا

أذكرتني (بردى) وواديه      والطير آحادا به وثُنى

إن الغريب معذب أبداً        إن حل لم ينعم وإن ظعنا

لو مثلوا لي موطني وثناً    لهممت أعبد ذلك الوثنا

توفي خير الدين الزركلي في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 1976 في القاهرة.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.