تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

صحيفةالسفيراللبنانية داخل مطبخ قانون الإعلام الجديد

 

محطة أخبار سورية

نشرت صحيفة السفير في عددها الصادر اليوم الجمعة للزميلة غدي فرنسيس التقرير الآتي ..

بينما تنشر هذه الكلمات عن الحرية المقبلة، ثمة رقيب إعلامي يقرر ما إذا كانت " السفير "، او غيرها من الصحف، ستدخل اليوم دمشق أم لا...سيقرأ ويحكم، وقد يحجبها عن "السوق". بموجب "اللاقانون"، له أن يمنع ما يشاء ويسمح بما يشاء. ثمة إعلامي سوري من حاشية النظام، يحاول أن يفكك المؤامرة في المقال ليكتشف: أهذا قلم " لنا "  أم " علينا "؟. تستمر الأجهزة الأمنية والإعلامية السورية بمؤامراتها المزدوجة على حرية التعبير... ويحكى في كفرسوسة عن التغيير!

بينما يعيش جهاز الاستخبارات داخل عقل الصحافي السوري، تصرخ له لجنة إعداد قانون الإعلام: أنا سأنتزعه من عقلك... وها قد جهزت المسودة الأولى من القانون... للعبور إلى الحرية، فيجيب الصحافي: حين يعتقلني الأمن، أين ستكون أنت؟

 

طبّاخ قانون الإعلام في كفرسوسة

بعد متابعة حواراتهم لثلاثة أيام على التوالي، تظهر شخصيات لأسماء اللجنة. الإعلامي طالب أمين يدير الجلسة ويضبطها، وهو الخبير الذي تابع شؤون وزارة الإعلام مع خمسة وزراء سابقين. بالتصنيف، سيتسلل السؤال أوتوماتيكيّاً: كيف لمعاون خمسة وزراء سابقين، أن يصنع التغيير؟.

لكن في المتابعة، سترى أن لا سلطة لاحد سوى الأفكار. مثلاً، بين الجمع وأصغرهم، لكلام عبد السلام هيكل دائماً صبغته الخاصة، فهو يمثّل الابن الثري، المتخرج من الجامعة الأميركية الذي اشتغل على نفسه وقدراته تحت جناح النفوذ والمال في خطاب "شبابي عصري"، حين يبدي رأيه واقتراحه بمواضيع الحصص من المؤسسات الإعلامية الخاصة، يكون له عبد الفتاح عوض في المرصاد: أنت تقول هذا لأنك رجل أعمال... يضحكون، لكن تسجّل الملاحظة في المحضر!

كل شيء مباح، والحديث يتراوح من الملاحظات الساخرة في محور علي جمالو إلى المبارزات الحادة في محور ثابت سالم إلى المداخلات العقلانية في محور اساتذة الجامعات مثل يحيى العريضي. كما يلفت دور دكتور صامت في غالبية الأحيان، يبدي رأيه عند الضرورة، اسمه ليس مسجلا في لائحة اللجنة ولا في لائحة شباب الـ  " undp" المشرفين. فلعميد الجامعة، الدكتور سام دلّة، مهمة معنوية استشارية في القوانين وشكلها.. وحين يدخل القاعة، يضفي بصمة حضوره على وقع النقاش.

حين يبدي إبراهيم ياخور رأيه بأن الإعلام سلطة مجتمعية، يسارع علي جمالو في ملاحظاته ليصار إلى إلغاء كلمة " سلطة ". وهكذا تصبح المادة الثانية: " الإعلام حر ومستقل ولا تقيد حريته إلا بالقانون "... حين تعرض تفاصيل إنشاء وكالات الأنباء وحصصها وامتدادها، يدور التنظير بتنوع حاد... بين محور " اقتصاد الإعلام "  ومحور " دوره المجتمعي ". حين يحكى عن محطّات صغيرة مخصصة لثلاث محافظات على الأقل، تثور الأديبة ناديا خوست من خلف نظاراتها الستينية: الجمع تحت العناوين الوطنية. يرد طالب أمين من كرسيه: ما دام هم المواطن سيكون أساس الإعلام، فهناك بعض الأمور الحياتية الصغيرة التي يمكن له أن يغطيها على صعيد مناطقي. وحين يختلفون يطول النقاش إلى أن ترسو التسوية نهائياً بإتباع مبدأ التصويت.

وهكذا دواليك، لكل منهم حديثه ورأيه وخلفيته. منهم الليبرالي واليساري واليميني والماركسي من شتى المحافظات السورية. في جلستهم ونقاشهم الحر، تبدو أكثر الكلمات دقة في الوصف هي تلك التي يستخدمها علي جمالو عنوانا لسلسلة مقالات ينشرها هجوماً على " البعث " :  " تمارين ديموقراطية ".

 

نحن في عهد  "ما قبل القانون"

لو دخلت قاعة اللجنة صبيحة حجب الصحيفة وسألت " كيف تعدّون قانونا يحرر الإعلام وقد حجبت جريدة اليوم؟ " ، سيجيبك المجتمعون باستنكار بأن القانون لم يبدأ العمل به، وأن وزارة الإعلام التي تقوم بهذه الممارسات، سيقطع نفوذها بعد القانون. " مهلاً علينا، فقد أعددنا قانونا يليق بالمعايير العالمية، لا وجود لوزارة الإعلام بعد اليوم، ولا منع ولا اعتقال. لكن ريثما يمشي القانون، اصبروا! " .

وبعد انتهاء الحديث ورفع جلسة اللجنة، سيقوم أحد المجتمعين بمجهود إضافي عبر نفوذه واتصالاته الهاتفية، لمتابعة إدخال الصحيفة بعد الظهر إلى السوق، ساخراً من " الرقيب الإعلامي " ... سيعتذر عن القمع ويجيب " نحن نريد العبور إلى الديموقراطية، ولا يمكننا التمسّك بهذه الممارسات. أمامنا حرب مع العقلية القديمة، ومعركة الحرية لن تكون سهلة، فالعقلية الشمولية قائمة منذ سنوات، والمشكلة متجذرة في الجسد ولا احد يساند طريق الحرية سوى الجسم الإعلامي. علينا أن نبث حماسة القول وإبداء الرأي ونصونها للانتقال من القول إلى الفعل " .

إذاً، رغم أننا لا نزال في عهد " ما قبل القانون " ، إلا أن صراع الرؤى في النفوذ الإعلامي السوري بدأ يعلو. هناك من يريد فتح الأبواب، وهناك من يخاف من الآخر. بينما ترسل قنوات الأمن تحذيراتها للإعلاميين وضغطها المعنوي، ثمة إعلاميون في داخل اللجان يعكسون آراء المعارضين ويدافعون عمّن يستهدفهم التضييق، بغض النظر عن انتماءاتهم ومؤسساتهم وموقع خبراتهم، وبصرف النظر عن ثقل الأحكام المسبقة الكثيرة التي ربما تليق بأسماء اللجنة، الموجودة على طاولتها مسودة قانون. وقد حصلت " السفير " على نسخة من ذلك القانون.

في المحصلة مفاجأة كبيرة: قانون إعلام حر، وسؤال أكبر: ماذا عن الأرض الآن هنا؟

 

نظرة على قانون الإعلام الجديد

حصلت " السفير "  على نظرة خاصة بقانون الإعلام الجديد المقترح. بموجب المسودة التي أصبحت في عهدة رئاسة الحكومة السورية:

ـ لا سلطان أو وصاية على الإعلاميين في أداء عملهم لغير القانون.

ـ لا يجوز أن تكون المعلومة والرأي الذي ينشره الإعلامي سبباً للمساس بأمنه وحريته.

- لا يحق لأي جهة مطالبة الإعلامي بإفشاء مصدر معلوماته إلا أمام القضاء، وفي جلسة سرية.

ـ يكفل القانون حصول الصحافي على أي معلومة يطلبها من الجهات العامة.

ـ أي إهانة أو اعتداء على إعلامي أثناء أو بسبب قيامه بعمله يعتبر اعتداء على موظف رسمي حسب القوانين النافذة.

ـ حرية إصدار رخص وسائل الإعلام للأحزاب السياسية والأشخاص، ويمنح الترخيص للناشر من المجلس الوطني الأعلى للإعلام.

ـ لا تزيد ملكية أي شريك في وسيلة إعلامية عن 20 في المئة للإعلام البصري السياسي.

ـ لا تزيد ملكية أي شريك في وسيلة إعلامية عن 49 في المئة للإعلام البصري غير السياسي.

ـ يكتفي الإلكتروني بتقديم  " إخطار "  إلى المجلس الوطني.

ـ يلتزم المجلس بإعطاء وثيقة الاعتماد للموقع الإلكتروني بمهلة 15 يوم عمل من تاريخ الاستلام.

وقد أنجزت اللجنة مسودتها الأولى، وسلّمتها يوم الثلاثاء إلى رئاسة الحكومة. وتستكمل جلسات البحث والنقاش والإعداد اليومي في مركز التدريب الإذاعي في كفرسوسة حيث تفصّل دور مهام المجلس الوطني للإعلام ومهامه، وتناقش شأن الشركات التي تخدم الإعلام. مهمتها الثانية في جدول الأعمال: إعادة هيكلة المؤسسات الإعلامية القائمة مثل وكالة الأنباء السورية (سانا) والتلفزيون... إلخ.

 

تباين الوعود!

في مسألة التغيير الحقيقي، يجيب علي جمالو: هذا أكثر من قانون منطقي طبقاً للمواصفات الدولية ويناسب المجتمع... لا نستطيع أن نضع العربة أمام الحصان... علينا الفصل بين الأفق الذي نعمل به والممارسات التي تعتمدها وزارة الإعلام. أخطاء وزارة الإعلام تنتمي إلى سوريا القديمة. " ما في وزارة إعلام بالأفق: هناك مجلس وطني "  يتبع للبرلمان، ونحن باتجاه التعددية السياسية، وبالتالي سيكون هناك برلمان حقيقي.

لمستشار مجلس الإدارة السابق في «lbc» ومدير مكتب كل من " السفير "  و " الجزيرة "  و" أبو ظبي "  السابق في دمشق، قدرة على صوغ التصريح بما يناسب الظرف ويراعي الرأي العام. يعترف بالصعوبة لكن يدفع للأمام، بناء على معطياته ومعلوماته وتوقعاته: خاض التجربة الإعلامية نفسها اليمن، وكذلك الأردن ودولة الإمارات... في الفترة الأولى أتوقّع فورة جنونية لوسائل الإعلام وستكون فورة موقتة ثم تستقر. علينا أن نفهمها ونستعد لها لأنها تكون فوضوية في الانطلاقة ريثما تستحدث تقاليدها وتأخذ شخصيتها.

يفيد جمالو أن بعض أسماء اللجنة ستكون جزءا من الحوار الوطني. ورغم قربهم من النظام، يبررون بأن ذلك لا يعني انعدام الرؤى الإصلاحية. يتابع علي جمالو: " في شرطي مركّب على عنق كل صحافي، وظيفتنا إخراج الشرطي وتحرير الصحافي... سنخطئ لكن سنتعلم من أخطائنا " .

من ناحيته، يسرع إبراهيم ياخور بالإجابة حاسماً: " لم يتغيّر شيء حتى الآن، ولا تزال الحياة الإعلامية كما هي، وعليها ملاحظات، وما زال الوقت مبكرا لنحصد ثمار ما نفعله. القانون له مراحل أخرى ليصدر ويطبّق ويعمل به. وحتى حين يصدر القانون، ستمضي سنوات بينما تتكيّف البيئة الإعلامية معه " .

يتابع ياخور، المعروف بقربه وصداقته من بعض شخصيات المعارضة: " دعونا ميشيل كيلو ولؤي حسين وحسين عويدات. أتانا مازن درويش ودار نقاش مهم، موجود في سجلات اللجنة على الموقع الإلكتروني. درويش هو رئيس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، ودار نقاش عميق جداً وحر حول الإعلام في الجلسة الثالثة . للمعارضين اعتبارات أخرى للتغيب، كالموقف السياسي، لكن ذلك لا يعني موقفا من القانون " .

... يشرح " مايسترو " اللجنة، الإعلامي طالب قاضي أمين من مكتبه في مركز التدريب، بعد أن رفعت اللجنة جلستها، أن " اللجنة لا علاقة لها مع السلطة التنفيذية... أنا معاون وزير سابق لكن أعمل في منظمة عربية. في أمور اللجنة لم يتدخّل أحد: لا وزير الإعلام ولا رئيس الوزراء ولا السلطة الأمنية. وكل شخص في الاجتماع لا يمثل سوى نفسه، مهما كان منصبه " .

وعن الغد، يقر أمين أن لا بيئة متوافرة للقانون الآن، ويضيف " على كل الناس المعنيين أن يساهموا في صناعة بيئة لهذا القانون، فما تمّت صياغته يعالج ما كنّا نعانيه في الإعلام " .

لطالب أمين خبرة في العمل الإعلامي القانوني يفصّلها باختصار: كنت عضوا ورئيس مجموعة من اللجان التي عملت على قانون المطبوعات الجديد . في العام 1949 ورثنا قانون المطبوعات الفرنسي، ومع ثورة البعث صدر فرمان العام 1963 وألغى قانون المطبوعات وصادرها، والتزمت سوريا الإعلام الحكومي إلى أن عملنا في 2001 على تعديل القانون القديم واستحداث قطاع خاص في الإعلام، وعملت بموجب قانون المنطقة الحرّة، فمثلاً جريدة الوطن، تلفزيون الدنيا، وسواهما من المؤسسات الإعلامية... تلك تصدر من مناطق حرّة تعفى من العمل وفق الشروط القديمة.

يختم أمين عند السؤال عن التحدي الأكبر: " الهاجس ألا يتم اعتماد القانون كما أصدرته اللجنة، وان تتم تعديلات تنسف المبدأين الأساسيين في القانون: الحرية والمسؤولية " .

من جانبه، لصاحب الرأي المختلف دوماً عبد السلام هيكل انتقاده الخاص،  " إذا أردت انتقاد اللجنة فيمكن أن أقول انه كان بإمكاننا اختصار الوقت وأن تجري الأمور بطريقة أخرى، أي بتحديد المبادئ العامة: حرية الصحافي وحرية النشر، وثم ترك الأمور للقانونيين لصياغة الموضوع. ما لدينا اليوم نتيجة لعمل شهر ونصف الشهر، كان بإمكانه أن يأخذ أسبوعين. قانون الأحزاب الذي هو مسألة اعقد، أنجز بأسبوع... فبسبب كثرة النقاشات في لجنة الإعلام، تحوّلت إلى مؤتمر حوار حول الإعلام.. إلا أن العلنية والشفافية أدتا إلى بناء مصداقية معيّنة ومؤشر على أشياء أخرى. أهم ما أنجزته اللجنة هو إيمانها بأنها تصوغ قانون إعلام للمستقبل في جمهورية جديدة " .

 

على الأرض المعركة!

مهما كانت فحوى القانون ومهما بدت ثمار اللجان منطقية وجيدة، فثمة من يصعّد خطابه ليوازي الشارع ويوازنه. ذلك قال في اليوم الأول، أطلقوا حرياتنا الإعلامية، ولمّا يستجب له النظام بعد. على سبيل المثال، في نقاش لاحق مع المعارض لؤي حسين، رفض حتى الاطّلاع أو البحث في القانون أو نصّه أو متابعة ما يحصل في اللجان. " بقول واضح، لن نقبل بأي قانون يصدر عن السلطة الآنية وسنغيّر كتابة كل قوانيننا لاحقاً بما تمليه علينا إراداتنا الحرّة " . هذا رأي رافض، وغيره كثر. منهم من يعارض أن الإعلاميين يأخذون دور التشريع والقانونيين يأخذون دوراً استشاريا، عوضاً عن أن تكون الأدوار مقلوبة. هناك من لا يكفيهم إصدار قانون. في مكتبه في " تشرين " ، ثمة شخص ما يقول: آمل أن يتحقق القانون، فمتى كان الأمن يتبّع القوانين؟ ومن سيردعه عنّي؟

لهؤلاء الصحافيين الشباب الذين ينتظرون فك الحصار عن الكلام، وعليهم المسؤولية، فلن تأتي الحرية الإعلامية بين ليلة وضحاها، وما دام الأمن في الشوارع، وريثما يتم " الحوار الوطني"، فلا يزال السؤال الصباحي الأبرز في دمشق: "هل دخلت الجريدة؟

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.