تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

عبد الحليم خَدّام النظام، سيّد للمعارضة!!

 

محطة أخبار سورية

لأنه يدرك أن اللحظة هي لحظة تاريخية، لم يَكتف الممانع السابق بخلع قفّازات الماضي ومصافحة أعدائه، بل بذل جهدا خارقا لإضافة ما يستوجب من مؤثرات كفيلة بإنجاح الحدث الجَلل، فاستسلم لكلّ ما طلبته منه عدسة التصوير، وتركها تسترق له اللقطات "العفوية"، تارة وهو يتحدث على الهاتف، أو حين يسير في ردهات المنزل، أو حين يتصفّح بعض الأوراق.

 

بهذه الطريقة السينمائية، ومن دون سابق إنذار، أطلّ النائب السابق للرئيس السوري عبد الحليم خدام على شاشة القناة الثانية للتلفزيون الاسرائيلي، مُمَهّدَا له بمقدمة تفخيم وتبجيل، لعلها ذكرته بما اعتاد سماعه في لبنان خلال أيّام العِز، عندما كان يحل عند الضرورة، ضيفا "مرغوبا فيه" وشرعيّا ومؤقتا على ارضه.

 

ليس المهم في المقدمة تعريفها بالضيف -المعروف بأي حال- بل تعريفها بهوية الجهة المضيفة له (أي القناة الاسرائيلية)، وذلك على مسمع ومرأى منه، وبشكل واضح يقضي على أي احتمال ولو ضئيل، ليبرّر أبو جمال فعلته لاحقا، أو الاعتذار عنها بعبارات من نوع (لو كنت اعلم).

 

إنّ الرجل عموما، وطوال مدة المقابلة الميمونة التي بدا خلالها شخصا متصالحا مع ذاته، لم يوحِ بأنه في وارد الاعتذار عن شيء، الا عن الـ 40 عاما التي قضاها في المقلب المُمانِع.

 

نصف ساعة تلفزيونية كانت كافية ليَتلو عبد الحليم حافظ الأسد (كما كان البعض يسمّيه، بسبب قربه الشديد من الرئيس الراحل) فِعل الندامة عن 40 عاما، هي نصف عمره بالتمام والكمال، قضاها وهو يحمل لقب المُمانع الثاني في سلم الهرم.

 

اراد العندليب الأسبق للنظام في عمر الـ 80 ان يقول كلمته (الصادقة هذه المرة)، قبل ان يمشي. فمن يَعش ثمانين حولا لا يسأم تكاليف الحياة فحسب، بل يسأم ارتداء الأقنعة ايضا.

 

لقد سئم ابو جمال، على ما يبدو، من ارتداء القناع. سئم من كذبه ونفاقه على أصحاب الذاكرة القصيرة الذين لا يتسع رأسهم الا للآني من الأحداث، فأشفق عليهم وقرر أن "يشربهم" حقيقته بالملعقة.

 

حقيقته التي خبّأها النظام السوري عن الناس، حتى بعد انقلابه عليه، فأنظمة الحزب الواحد والعائلة الواحدة تتعاطى مع التاريخ كأنه صينية حلوى تنتقي منها ما يناسب مذاقها.

 

أضاء النظام على سرقات خدام وعلى فساده المالي، فاستفزّ الشعور الطبقي لدى الشرائح الشعبية الفقيرة والمتوسطة، لكنه لم يلق الضوء على ما هو أكثر أهمية.

 

لم يضئ على حقيقة ان خدام كان محافظا للجولان في حرب عام 67، وانه أول من أعلن عبر بيان إذاعي سقوط القنيطرة، وقبل يوم تقريبا من سقوطها الفعلي، بل إن الإرباك الذي سبّبه في صفوف الجيش السوري المرابض على الجبهة، كان السبب الرئيسي لنجاح الإسرائيليين في احتلال المدينة.

 

لم يكن من مصلحة النظام ان يضيء على هذه الحقيقة، كي لا يتساءل العامّة عن سر مكافأة صاحب العيون الناعسة على نبوءته العسكرية المشؤومة بتعيينه محافظا على دمشق، علما بأن الحظ أسعف اهل العاصمة فصار محافظهم وزيرا للتجارة، قبل أن يعلن سقوط مدينتهم على حين غرّة.

 

من التجارة الى الخارجية، ومن ثم الى نيابة الرئاسة، لأكثر من 35 عاما، وصولا حتى الى رئاسة الجمهورية خلال 37 يوما انتقالية، فصلت بين وفاة الأب وتسلّم الابن لمقاليد السلطة، أمضى "خدّام" النظام السابق جل عمره يمشي في اتجاه معاكس لقناعاته.

 

لذلك، فإن إطلالته هي اطلالة بطعم الاعتذار، وهذا حق له وحق للإسرائيليين عليه.

 

ماذا عنّـا؟.. ماذا عنّا نحن اللبنانيين؟ من يعتذر منّا؟

 

من يعتذر منّا نحن الذين تأبّط الرجل مَلفّنا لأكثر من 30 عاما، بحجة وحدة المسار والمصير؟ فكان وَصيّا على تصرفاتنا وضابطا لإيقاع أنفاسنا على ايقاع طبول معركة الصمود الافتراضية في وجه العدو.

 

من يعتذر منا عن كل ممنوع سمح به باسم المصلحة الاستراتيجية، سواء أكان هذا الممنوع تمديدا لرئيس جمهورية، أو تفصيلا لقانون انتخاب على مَقاس بيك ممانع واستاذ مقاوم وشيخ داعم للقضية بالمال؟

 

من يعتذر منا عن كل مسموح منع للحجة ذاتها، سواء أكان هذا المسموح وسيلة إعلام أقفلت او حزبا سياسيا حلّ او حَقا بالتظاهر حُجب؟ من يعتذر من ميشال عون وسمير جعجع؟ ومن كل اللبنانيين الذين نفوا او ألقوا في أقبية السجون قبل 7 آب وبعده، بحجة انهم مشاريع اسرائيلية، بينما كان نائب الرئيس السوري يتنقل محاضرا بالوطنية بين قصور بلادهم على سجاد احمر ممتد من بعبدا الى قريطم مرورا بعين التينة؟

 

من يعتذر من شهداء الحركة الوطنية التي أجهضها أبو جمال بالتنسيق مع رفيق دربه "المُنتَحَر" غازي كنعان، وذلك "لضرورات المرحلة؟" من يعتذر من سياسيين من وزن البير منصور وادمون رزق وحسين الحسيني وبشارة مرهج، أبعدوا عن السلطة، لا لنقص في الكفاءة، بل لنقص في الولاء لعبد الحليم خدام؟

 

من يعتذر لصِناعيّ من خامة الراحل جورج افرام أبعد عن وزارة الطاقة لمجرّد رفضه الدخول في لعبة تقاسم مغانم الدولة، التي كان خدام يعتبرها حقا مُكتسبا للمنتصرين في الحرب الأهلية؟

 

من يعتذر من ملكة جمال لبنان التي كادت تُجرّد من لقبها لمجرد أنها صوِّرت الى جانب ملكة جمال إسرائيل؟.. لن يعتذر أحد.

 

ولن يطالب احد أصلا بالاعتذار، فـ "المسامح كريم" كما يقول المثل المصري، واللبناني كريم، والنظام الشقيق "بيستاهل".

 

 

فراس حاطوم... صحيفة الجمهورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.