تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

بماذا ينصح السيد بريجنسكي؟

 

محطة أخبار سورية

كما كان متوقعاً بلغت «العدوى» التونسية الأراضي المصرية، مع اعتبار الظروف الخاصة بكل بلد، والتي تملي أشكال تفاعل مختلفة. فأهمية مصر ووزنها السياسي، وإن تقلص إلى حد افتقاده في العقد الأخير، تجعل من أي حدث يقع فيها غاية في الدقة، كما دلت حال التخبط الأميركية إزاء انتفاضتها. فرغم التحذيرات التي صدرت عن جهات استخباراتية وأكاديمية حيال «خطورة» الوضع في مصر، وخاصة في أعقاب الثورة التونسية، فمن الواضح أن إدارة أوباما أخذت على حين غرة.

الانطباعات الأولية، كما تبين من تصريحات وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون يوم الثلاثاء الفائت، تلخصت في أن الوضع الأمني ممسوك بشكل جيد، وأن التظاهرات الشعبية لن تخرج عن إطار التعبير عن حالة غضب آنية تعالجها الحكومة بإجراءات تجميلية تعود بعدها الأمور إلى سيرتها الأولى. هذه التوقعات كانت تعكس تفكيراً «رغبوياً» أكثر منها توصيفاً لواقع الحال، وخاصة مع انفلات الأمور بالشكل الذي نقلته وسائل الإعلام العربية والعالمية. هنا فقط قررت واشنطن إنشاء خلية أزمة خاصة بتطورات الأوضاع في مصر، ترافقت مع إعلان حال «الاستنفار» في مجلس الأمن القومي الأميركي. عبارة واحدة ترددت على الألسنة في هذه الأثناء: «كيف نحول دون تكرار التجربة الإيرانية؟». زبغينو بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأميركي للرئيس جيمي كارتر، وأحد أهم اللاعبين في الأحداث التي شهدتها إيران خلال ثورة 1978، أدلى بشهادة في الاجتماع الأخير «لخلية أزمة مصر».

يعترف بريجنسكي أنه ارتكب شخصياً خطأً استراتيجياً عندما عارض توجهات وزير الخارجية في ذلك الوقت سايروس فانس بإصراره على «إنقاذ الشاه حتى آخر قطرة دم إيرانية». اعتقد فانس أن مصلحة أميركا تقتضي التخلي عن الشاه والمساعدة في خلعه إذا كان ذلك يضمن بقاء إيران حليفاً للولايات المتحدة في ظل قيادتها الجديدة. على النقيض من ذلك، رأى بريجنسكي أن أي اتصال بزعماء الثورة، على اختلاف توجهاتهم، يؤدي إلى إضعاف الشاه من جهة، وإثارة شكوكه حيال مدى التزام واشنطن بتأمين نظامه من جهة أخرى.

تردد إدارة كارتر المنقسمة على نفسها جعلها تتأخر كثيراً في اتخاذ قرار التخلي عن الشاه ما أدى بها إلى خسارة الاثنين: إيران والشاه. بريجنسكي حذر من تكرار هذا الخطأ، لأن ضياع مصر كحليف، كما يرى، لا يقل ضرراً بالنسبة لمصالح واشنطن في المنطقة عن خسارة إيران قبل ثلاثين عاماً ونيف.

تذبذب الموقف الأميركي وميوعته حيال ما يجري في مصر، لا يمكن قراءته إلا من خلال المنظور الذي عبر عنه بوضوح عجز السياسة الأميركية. ففي اللحظة التي تصبح معها واشنطن مقتنعة بتعذر إنقاذ النظام ستذهب بالتأكيد باتجاه محاولة إنقاذ تحالفها مع مصر. لن يفوت السيد بريجنسكي بالطبع أن هذا أمر يقرره الشارع المصري في نهاية المطاف، كما شهد عليه في إيران.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.