خاص/ محطة أخبار سورية.
لا احد يجهل ان رئيس الوزراء اللبناني المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة نجيب ميقاتي، يواجه تحديات عديدة وكبيرة، داخلية وخارجية. وبالطبع قد يختلف المحللون حول صلاحية الرئيس ميقاتي للمرحلة الراهنة وقدرته على مواجهة الملفات التي عليه مواجهتها؛ اقتصادياً وسياسيا، والمحكمة الدولية التي هي موضع خلاف بين اللبنانيين، والعلاقات مع المحيط والعالم، وبالضبط تحديد موقع لبنان في السياسات الإقليمية والدولية. وقراءة بسيطة لتصريحات السيد ميقاتي قبل وبعد تكليفه، تعطي فكرة أولية عن السياسة والمنهجية التي قد يتبعها الرجل للانطلاق بحكومته وتحقيق أهدافها:
أولاً، الوسطية والانفتاح على الجميع. فقد أكد السيد ميقاتي أنه سيواصل خلال المشاورات سياسة الانفتاح والحوار وأن اهتمامه سيتركز، بالتعاون مع الرئيس ميشال سليمان، على إيجاد تركيبة حكومية تكون في مستوى الآمال. ودعا اللبنانيين الى عدم انتظار وعود كثيرة منه بل أن يراهنوا على الأفعال. ولذلك، فقد دعا كل حريص على استقرار لبنان وسلمه الأهلي وعيشه المشترك لأن يضع يده بيده، لأنه اختار تحمل المسؤولية في لحظة تاريخية ومفصلية شعر فيها بحجم المخاطر والتحديات المحدقة بالبلد.
ثانياً، الواقعية والعملية. فقد أكد الرئيس ميقاتي إدراكه أن مهمته ليست بالمهمة السهلة ولكنها لن تكون مستحيلة. وهذا يؤكد ان الرئيس المكلف يعرف أنه ليس مقبلاً على نزهة في السرايا الحكومية اللبنانية، والمنصب الذي رشّح له يعني المسؤولية الكبيرة وحلّ المشاكل المتراكمة ومواجهة الأزمات المتفاقمة، وليس امتيازاً للتباهي به، وهذه هي الخطوة الأولى للبدء بشكل صحيح.
ثالثاًً، الابتعاد عن الكيدية. فالرئيس المكلف يرغب بتشكيل حكومة على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، وقد وضع شعارا لحكومته "كلنا للوطن.. كلنا للعمل"، وفرّق بين الحساب والكيدية، واعتبر أن الحساب شيء والكيدية شيء آخر، وأنه ليس مع الكيدية، ولم يأت الى الحكم ليفتعل معارك مع أي طرف، بل ليصالح الناس مع بعضها البعض. ولذلك أكد ميقاتي على مشاركة كل اللبنانيين لإيجاد الحلول، ولم يقدّم الميقاتي نفسه على طريقة انه سيبعد الفريق الآخر من الحكم إلا إذا أراد هذا الفريق عدم المشاركة. وهو أوضح في هذا الصدد وبشكل واضح أنه لن يتشفّى ممن هم موجودون في الإدارات والمؤسسات، بل يكون الحساب والثواب على قاعدة العمل والنجاح والفشل وليس على قاعدة الانتماء أياً يكن هذا الانتماء.
رابعاً، إدراك الرئيس ميقاتي لحساسية بعض القضايا. وتكفي الإشارة إلى مسألتين هامتين تحدّث عنهما الرئيس المكلّف؛ فقد أكد السيد ميقاتي أن قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري «حسّاسة للغاية ويجب أن يتم حلها عن طريق الحوار وإجماع كافة اللبنانيين». من جانب آخر، قال ميقاتي ان تسمية حزب الله له في الاستشارات النيابية لا تلزمه في الوقت الحاضر بأي موقف سياسي حيال الحزب «سوى التمسك بحماية المقاومة». وهاتان القضيتان تثيران الكثير من الاهتمام لدى فريقين هامين في لبنان.
خامساً، التأكيد على أهمية الحفاظ على العلاقات الإقليمية والدولية للبنان. وفي هذا السياق، أبرز ميقاتي أهمية العلاقات مع الشقيقة والجارة القريبة سورية مشدداً على ضرورة تطويرها. كما أكد حرصه الشديد على أن يكون بين لبنان والولايات المتحدة أفضل العلاقات، وأن الهدف الرئيسي لحكومته هو أن تكون لها علاقة طيبة بالمجتمع الدولي. وبيّن الرئيس ميقاتي أنه مرتاح عربياً ودولياً، رداً على تهويل وتوقعات خصومه بأن تتعاطى معه دول غربية وعربية بسلبية.
وبعد الملاحظات السابقة، يمكن القول إن لبنان دخل في مرحلة سياسية جديدة، مع الرئيس ميقاتي الذي استطاع، رغم الضغوط والاستفزازات من الطرف الآخر، الحفاظ على تماسكه وصلابته وفي الوقت نفسه تمسكه بوسطيته واعتداله ويده الممدودة الى الرئيس سعد الحريري الذي لوحظ أنه تجاهل بعض لياقات نادي رؤساء الحكومات السابقين، بتعمده جعل اللقاء الأول، بينه وبين ميقاتي، أمس الأربعاء، باردا ومتجهما وقصيرا بحيث لم يتجاوز الدقائق الثلاث، والذي اعتبر الرئيس نبيه بري أنه ارتكب خطأ كبيرا بمسارعته الى رفض ترشيح ميقاتي.
ولعلّ تنويه الرئيس بري نفسه بالرئيس ميقاتي «الذي يجمع بين الصفة التمثيلية الواسعة سنيا وخيار الاعتدال والوسطية وطنيا، والعلاقات الهامة عربيا ودوليا، ما يجعله الرجل الأكثر ملائمة لهذه المرحلة. وإذا لم يكن وصوله الى رئاسة الحكومة قد حصل بعد على توافق إقليمي - دولي، فأنا أتوقع ان يحظى به بأسرع مما يتصور البعض»، يلخص الصورة التي يظهر فيها الرئيس المكلف، والآمال التي تعقد عليه. ويبقى أن الحكم على نجاحه أو فشله، سيكون، كما أكّد هو نفسه، على الأفعال والنتائج وليس على الأقوال.
