تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

هل أصبح تيار المستقبل من الماضي؟؟

خاص/ محطة أخبار سورية

قبل قرابة عقدين من الزمن أنشأ رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الراحل رفيق الحريري مملكته السياسية والإعلامية التي ارتكزت على قاعدة اقتصادية قوية وحضور واسع في قطاع المال والأعمال. وبدا رفيق الحريري المحرك و"الدينمو" الفكري والتنظيمي لتيار المستقبل الذي أنشأه، وحملت عدة وسائل إعلامية تابعة له نفس الاسم. ومثّل تيار المستقبل حاضنة لعدد كبير من اللبنانيين ممن وجدوا فيه فرصة سانحة سواء في السياسة أو في المال أو في الإعلام... وكان رفيق الحريري يتربع على عرش المملكة التي أخذت تزداد اتساعاً.

لكن رحيله في العام 2005 في حادث الاغتيال الأليم، ترك مؤسساته وأنصاره كاليتامى. وبدا ان التيار السياسي الذي ارتبط بالشخص واستمد منه ديناميكيته وقوته، لم يكن قد نضج بعد بالقدر الكافي ليحافظ على التوجهات والآفاق الرحبة الواسعة التي رسمها المؤسس الراحل، مثله مثل كلّ الثورات أو الحركات التي يقوم وجودها على وجود شخص خلاق سرعان ما تتلاشى برحيله. ولعل ما يقود إلى تراجع تيار المستقبل ومستوى وسائل إعلامه هو سيطرة جهات أخرى عليه وعلى توجهاته ،وهي التي  لم تكن يوماً على وئام مع الزعيم المؤسس، ولا هي تؤمن بفكره، بل عملت وما تزال تعمل على تغيير كل مساره وخطه الوطني العروبي. وأبرز هؤلاء بدون منازع؛ سمير جعجع. إضافة إلى وجود عدد آخر من العناصر في قلب المستقبل تيارا وإعلاماً ومؤسسات، الذين  لو كان "الرفيق" ما يزال حاضراً لما كان لهم من مكان في هذا البيت العريق. ولعل السبب الرئيسي لسيطرة هؤلاء وتضخم أدوارهم، هو ضعف الورثة الحقيقيين للرئيس المؤسس والذين أظهروا الوهن وقلة الخبرة وعدم القدرة على تولي زمام المبادرة والقيادة.

وبالأمس، كان يوم الاستشارات النيابية في لبنان لتكليف رئيس جديد لتشكيل الحكومة اللبنانية. وبالأمس، بدا أن مرحلة انتهت وبدأت مرحلة أخرى من المدرسة الحريرية وتيار المستقبل. وقبل انقضاء اليوم الأول من الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس المكلف، نزل أنصار تيار المستقبل في بيروت وطرابلس وعكار وصيدا وعدد من الأماكن الأخرى، للتعبير عن تضامنهم مع سعد الحريري، والتمسك بالمحكمة الدولية، وعمدوا الى قطع عدد من الطرق الرئيسية والدولية بالإطارات المشتعلة، ورددوا هتافات ضد المرشح نجيب ميقاتي وحزب الله.

وبدا أن ترشّح ميقاتي نزل كالصاعقة. وسارع المكتب الإعلامي لسعد الحريري لاعتبار «أي كلام عن وجود مرشّح توافقي هو محاولة لذر الرماد في العيون». وأعلن أن تيار المستقبل يرفض «المشاركة في أي حكومة يترأسها مرشّح الثامن من آذار». ووصف النائب المستقبلي عقاب صقر ترشيح ميقاتي بـ«الغادر».

وإذا ما أراد المرء تلخيص المشهد، تمكن الإشارة إلى بعض النقاط:

أولاً،  أن سعد الحريري وفريقه ومؤيديه لم يتمكنوا من قبول الخسارة التي كانوا هم أول من أعلن عنها وتوقعوها قبل حدوثها عبر ردة الفعل المستعجلة والقاسية ونزول أنصارهم إلى الشارع.  وتجلى الإرباك أيضاً في المواقف المتتالية التي صدرت عن سعد الحريري وفريقه ومؤيديه. فبعد أن أعلن السيد الحريري أنه سيحتكم إلى الدستور والأصول الدستورية، وسيقبل نتائج الاستشارات النيابية، خالفت الأفعال الأقوال وأظهرت الممارسات والتصريحات النارية والكيدية وإطلاق الألفاظ البذيئة، عكس ذلك. وبدل أن يحاول العمل على الحد من الخسائر، وقراءة الأسباب التي أدت الى خروجه من الرئاسة الثالثة، وتقييم الموقف والعمل على بلورة خطط جديدة للعودة مجددا «والحؤول دون سريان لغة الشارع، التي لن تؤدي سوى الى كارثة على الجميع»، على حد تعبير النائب وليد جنبلاط، بدا وكأن سعد الحريري يسير خلف أنصاره وشارعه وهم يقودونه ويحركونه وليس هو من يقودهم.

وسرعان ما تكشف، أن تحركات الشارع أمس، ليست «مبادرات عفوية» كما وصفها مستشار الحريري محمد شطح. إذ، كيف تكون التحركات عفوية وقد دعا منسق تيار المستقبل في طرابلس مصطفى علوش، والنائبان خالد الضاهر ومحمد عبد اللطيف كبارة، إلى يوم غضب.

ثانياً، الخطاب الطائفي والتحريض المذهبي وتضخم الأنا". فمن يستخدم الخطاب الطائفي والتحريض المذهبي ضد الآخرين ويتهمهم بالغدر، لايستطيع ان يتحدث ثانية عن العيش المشترك. ومن يمنع عن الآخرين المشاركة في العمل السياسي حتى لو كانوا أقرب المقربين إليه، لا يمكنه الحديث عن العيش المشترك وتكافؤ الفرص. وإذا كان المستقبليون وأعوانهم لم يتقبلوا وجود شخص آخر في رئاسة الحكومة غير سعد الحريري، حتى لو كان ممن فازوا على لائحتهم، فعن أي ديمقراطية أو دستور يتحدثون؟ وإذا كان هؤلاء قبل قرابة عامين متحالفين مع الرئيس المرشح نجيب ميقاتي، واليوم بدأوا يكيلون له التهم ويصفوه بالغدر، فمن يستطيع ان يأمن جانبهم بعد الآن؟

والسؤال المنطقي هو هل خلت الطائفة السنية الكريمة في لبنان من الأسماء والشخصيات القادرة على تولي رئاسة الحكومة اللبنانية، ولم يبق غير سعد الحريري لهذه المهمة؟ أليس هذا إهانة للطائفة المذكورة برمتها؟ بالطبع هناك الكثيرون من الأكفاء والقياديين والأفضل ألف مرة من سعد الحريري، ولكن المشكلة في حب السلطة والأنا المتضخمة ومحاولة ترهيب الآخرين، وربما أشياء أخرى.

ثالثاً، شدّد رئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة، بعد إجراء الاستشارات مع الرئيس ميشال سليمان على ثوابت أساسية في هذه المرحلة، لكن  معرفة الحقيقة والعدالة ومعرفة من اغتال رفيق الحريري، لم تكن أياً منها. وبدا أن الزخم الذي ولّده رفيق الحريري بحياته وحتى بعد مماته واستثمره مَن أتوا بعده، سياسيا وسلطويا وماديا وإعلامياً...الخ، قد انتهى بالأمس، عندما بدأت مرحلة جديدة تجلت بالخسارة والخروج من رئاسة الحكومة للمرّة الأولى، بهذه الطريقة منذ عشرين عاماً. وبدا حديث السنيورة عند مدخل القصر الرئاسي، عن علاقات لبنانية سورية قائمة على الاحترام المتبادل، ناشزاً وفي غير مكانه وزمانه وغريباً في طريقة استحضاره. وربما لم يتساءل السنيورة يوماً عما إذا كان هناك مِن أحد يصدقه عندما يتفوه بمثل هذه الكلمات التي أثبتت التجربة ووثائق "ويكيليكس" أنه لطالما عمل وتصرف ضدها.

لكن التناقض الذي وقع فيه السنيورة (والحريري أيضاً) هو تأكيده رفض كتلة المستقبل المشاركة في حكومة لا يرأسها الحريري، فيما شدد على أن معالجة الأمور لا تحصل إلا بواسطة الحوار. ولعل الكلمة الأخيرة هي الأهم. فسعد الحريري لم يكن قادراً على إدارة الحوار مع بقية الأطراف اللبنانية التي لا تنضوي ضمن حلفائه، بل كان الحوار مقطوعاً معهم. ولعل هذا ما جعله أسير منطق معيّن قاده إلى ما وصل إليه.

والخلاصة، أنه وبعد تجربة عدة أشهر في الحكم، يبدو ان الحريري لم يعرف كيف يحافظ على المكان القيادي الذي وصل إليه وكيف يربح وهو في الحكم، ولم يعرف كيف يتقبل الخسارة. ويبدو أن بعض أنصاره لم يتمكنوا من ذلك أيضاً. ولعل المطلوب الآن أخذ "حمّام" بارد وطويل لتبرد الرؤوس الحامية وليعود الناس إلى رشدهم وليتمكنوا من قراءة الأمور بمنطق وعقلانية، وليفكروا بالأحداث الماضية وليتمكن السيد سعد الحريري من فرز الأصدقاء من المنتفعين والانتهازيين، وليحدد أسباب الفشل وتحوّل الناس وأين أخطأ وأين أصاب، وكيف يمكن العودة للعمل مع بقية الأطراف سواء في الداخل أو المحيط القريب والبعيد والتوقف عن اتهام هؤلاء، وعن استخدام منطق التهييج الطائفي المتعصب، وليثبت ان التجربة كانت مفيدة، وليجدد خطاب تياره ويحدد مواقفه "بوضوح" لتتناسب مع المرحلة المقبلة ويؤكد أنه عاد تيار المستقبل وليس تياراً أصبح من الماضي.

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.